هادي فريد التكريتي
hadifarid@maktoob.com
لدى البعض من المثقفين العراقيين والديموقراطيين الجدد ، أحكاما جاهزة ونعوتا حاضرة ، لكل من يخالف وجهة نظرهم ، فيما يكتبونه أو يعتقدونه أنه الرأي الصائب والصحيح ، وعلى الآخرين أن يمشوا وراءهم ويصفقوا لهم ، فإن خالفوهم بطرح وجهة نظر مغايرة ، وهي كثيرة ومتنوعة ، أولم يقروا لهم برأي مثلوم ، يغضبون ، ويتناسون من فرط غضبهم أنهم ينتمون لمعسكر الديموقراطية والعلمانية أو الليبرالية ، ويؤمنون بالرأي والرأي المغاير أو المعارض ، وأكاد أجزم لو أن هذا الصنف من المثقفين ، كان يمتلك السلطة والحكم ، لكان نصيب من عارضهم أو خالفهم الرأي ـ حتى وإن كان من المؤمنين بالديموقراطية والعلمانية ـ لا يقل عما كان يتخذ بحقهم من إجراءات عقابية ، في العهد الديكتاتوري .!
القضية المختلف عليها ، هي قضية التصويت على مسودة الدستور ، بنعم أو لا ، فالسيد حمزة الجواهري ، بمعالجته للموضوع المنشور على موقع \"صوت العراق \" ليوم 15تشرين أول تحت عنوان < الرافضة للدستور ، هم الرافضة لخروج المحتل > ، بكلمة واحدة وقبل أن يشرع في سوق أي مقدمة لمعالجة الموضوع المختلف عليه ، فهو يحكم لكل رافض للدستور ،بالموالات للمحتل لأنه لا يريد له أن يخرج من العراق، ولا أريد أن أقول يحكم بالعمالة للمحتل ، خشية أن يغضب السيد الجواهري أكثر ، لأني سأكون متقولا عليه ، لما لم يقل ، وإن كان قد قال أكثر ، فكل مصوت بلا على الدستور هو إما أن يكون بعثيا أو سلفيا.! يا لبؤس المثقفين من هذا النوع ، أين حرية الرأي التي يطالب بها ؟ أين حرية واحترام الرأي المخالف والمعارض ؟ أين الوحدة في التنوع والاختلاف ؟ أي ديموقراطية يتبنى مثل هؤلاء ؟ كيف سيتعاملون مع المناهضين لبرنامجهم ، إن لا قدر الله وفاز فكرهم بموقع الحكم في الانتخابات القادمة ...
كتب الكثير من الكتاب السياسيين والمثقفين عن الدستور ، وعن معالجات لمواده وبنوده ، ولم تبق مادة أو فقرة إلا وسلط عليها الضوء ، وقد دللت النتائج وواقع الحال ، أن المسودة طائفية وعنصرية بالكامل ولم تمثل تنوع قوى الشعب ، والذين صاغوا هذه المسودة في ظروف غير مستقرة وغير آمنة بالمرة ، لم يتحقق فيها أي اتفاق وطني ، فالطائفيون والعنصريون أرادوا فرضها بأي شكل كان لأنها تحقق لهم مآربهم الآنية ، الظاهرة والباطنة ، فالوضع ملائم لفرض ما يريدون تحت حراب الاحتلال وإرهاب السيارات المفخخة والمليشيات الطائفية ، الملثمة والسافرة ، ولن تسنح لهم فرصة أخرى أفضل ، لتحقيق ما هم مقدمون عليه ( ومن يريد المزيد فعليه مراجعة تصريحات السيد عزيز الحكيم وآخرين ممن سيطروا على لجنة الصياغة )..! وقداعترف البعض بهذا الواقع ، إلا انهم قالوا سنصوت بنعم ، فلا خلاف ، ولا بأس فلهم منطلقاتهم ، وعليهم تقع مسؤولية اجتهادهم ولم نجد من يصفهم بالطائفية أو موالاة المحتل ، فحرية القرار للجميع ، وليس لهذا دون ذاك .
والسيد كاتب المقال لا يرى ضرورة لأن يرسم أي مواطن ما للدستور \" بكلمة ( لا ) أو الدعاية والترويج لرفضه ، والدستور ما زال تحت الكتابة وسوف يعاد النظر بجميع فقراته بالكامل ..\" وحتى هذا اليوم يوم الاستفتاء عليه ، لم تكتمل بعد كتابته ، ولم يحظ بعرضه على ممثلي الشعب وطليعته في الجمعية الوطنية لمناقشته ، ناهيك عن الموافقة عليه ، إذن فعلى أي دستور سيستفتي الشعب العراقي الذي لم يطلع عليه بعد ، نتيجة لعدم طرحه كاملا ، وللأمية البالغة سبعين بالمائة من الشعب العراقي ـ والحمد لله ـ ، وكما لم تتوفر لهم فرصة استخدام تكنلوجيا المعلومات لمتابعة تعديلات ما يجري على الدستور مثلما نحن عليه ! فهل مثل هكذا دستور ، وضمن هكذا واقع ، يراد منه وبه أن يكون حاميا للمواطن والشعب والوطن .؟ والسيد حمزة يعترف ب\" أن العراق سوف يكون افضل فيما لو كان الدستور على غير ما هو عليه الآن ..\" إذا كان الأمر ، كذلك ِلم العجلة إذن ، وِلم لَم ننتظر ونعطي للعراقيين فرصة التفكير بما هو حاصل لهم نتيجة لهذا الإرهاب ولهذه الطائفية التي ذر قرنها في البلد ، خصوصا ونحن متفقون على سيادة (قانون إدارة الدولة ) ، فهل هذه العجلة رغبة أمريكية لترسي تشرذم البلد وتجزئته ، أم رغبة طائفية ـ عنصرية تخشى أن تفقد فرصتها في توصيف وتفصيل دولة أو دول على مقاسها إن تأخر الأمر لبعض الوقت ؟ وعندما يضرب الكاتب لنا مثلا ببوش ورغبته في تغيير بعض فقرات دستور بلاده ، وهذا جيد ، فهل يجهل الكاتب كم من السنين استغرقت كتابة الدستور الأمريكي لديهم ، قبل أن ُيشرع وُيقر كدستور للبلاد .؟ وإذ يجيب الكاتب على هذا التساؤل بقوله \"..هذا شأن جميع الدساتير الديموقراطية التي جاءت لأجل التوافق بين مكونات شعب يفتقد التجانس بين مكوناته ، فما بالك والحالة في العراق أعقد بكثير كنتيجة لأزمة الثقة المستحكمة بين هذه المكونات، وهذا ما لا يحتاج إلى توضيح ولا إثبات .\" فإذا كان هذا ما يعرفه ويقره السيد حمزة ، فلم إذن هذا التشنج ضد المعارضين والقدح بهم ووصمهم بالبعثيين والسلفيين عندما يعترضون على طائفية ورجعية مواد وفقرات الدستور ، وعدم صلاحيته لهشاشة مبادئ التمسك بوحدة العراق وشعبه ، وعندما لا يقره البعض ، فلأنه في توجهاته ضد المرأة وحقها في الحرية والمساواة بالرجل ، ولأنه لم يقر المواثيق والمعاهدات الدولية التي ألتزم العراق بها ، والتي أقرتها الأمم المتحدة والعراق عضو فيها ، لما فيها من مبادئ وأحكام من شأنها حماية المواطن من قهر السلطة وانتهاكها لحقوقه التي أقرتها ، فالسيد الجواهري إذ يعترف بأن الدستور \" لا يرتقي للطموحات \" يهمهم الكاتب بعبارات مبهمة وغير مفهومة ومناقضة للواقع عن هذه الوثيقة / الدستور ، الغير مكتملة بعد ، لا في صياغتها ولا في مدلولاتها فيقول : \" فإنه ، وبعد التعديلات الأخيرة عليه ، كأن لم يكتب لحد الآن حيث سوف تتم مراجعته على مدى أربعة أشهر من قبل هيئة منتخبة يفترض ( وإذا ما انتفى هذا الافتراض ماذا ستكون النتيجة ؟) أنها تمثل جميع مكونات الشعب العراقي ، تليها تعديلات لمدة ثمانية سنوات متواصلة ( دورتين انتخابيتين ) لعدة أبواب منه ومن ثم بعد دورتين سيكون الجزء الآخر عرضة للتغيير أيضا ، فهو إذن ما زال في مرحلة الكتابة والتي يجب أن تستمر إلى إثني عشر سنة متواصلة ولكن على مراحل .\" بارك الله فيك وفي هذا الطلسم أقول : رحم الله امرؤا أدرك مغزى ومعنى هذه الفقرة وفسرها بما يرضي الله !، وذلل لنا فهمها الذي استعصى ، فلو عرضت هذه الفقرة وكل ما كتبه الكاتب ، هنا ، على لجنة جائزة نوبل في القانون لفازت بالجائزة ، كونها عصية على الفهم أولا ، وثانيا لأنها تشرع دستورا يبقى مشرعا للكتابة \" إثني عشر سنة \" وخلال هذه الفترة ، أراهن على عدم بقاء بلد في الخارطة إسمه عراق ، لا واحدا ، ولا موحدا، إنما طوائفا ونتفا من إمارات ، البعض منها ، فاشية عنصرية للبعث , وأخرى إسلامية ـ سلفية للأمير الزرقاوي وهيئة علماء المسلمين ، وأخريات بعضها ملحق بدولة الولي الفقيه قدس الله مرقده ، ومثلها يلحق بجيش المهدي ، عجل الله قدومه ، وما تبقى تنهض من عمق التاريخ الصفوي ( بشيل إرمق وقزيل إرمق )أو دولة : الخروف الأبيض والخروف الأسود .. وفي نهاية المطاف يوصلنا الكاتب إلى نتيجة منطقية من مقدماته الخاطئة والمرفوضة فيقول \" فإن الجهات الرافضة للدستور حاليا ( من بينهم الكثير من الكتاب الوطنيين والمثقفين الديموقراطيين والتقدميين يشملهم هذا التعميم .) لا يمكن أن تكون جزءا من النسيج العراقي بأي حال من الأحوال ..\" لماذا هذا التعميم المضلل والمجانب للحقيقة ، فبعض من يعارض هذه الوثيقة الطائفية والعنصرية هم من النسيج الوطني الصلب المقاوم للتجزئة ، عراقيون ووطنيون وديموقراطيون حتى النخاع ، ناضلوا ضد كل احتلال ، إنكليزي ، فارسي أو أمريكي ، وضد كل سلطة رجعية وديكتاتورية ، وضحوا هم وعوائلهم ، ولا زالوا يقدمون بسخاء، من اجل عراق وطني ( ليس طائفيا ولا عنصريا ) ديموقراطي وموحد ، يحقق لكل فئات الشعب ومكوناته الحرية والرخاء . فإن فقدنا حريتنا ووحدتنا ، يوما ، فلن يكون إلا بفضل تنظير مثقفي الطوائف الديموقراطيين الجدد.، لا بارك الله فيهم .!
16 تشرين أول 2005