|
الدكتاتور الذي لازال يحكمنا
محسن صابط الجيلاوي الدكتاتور هو مرادف تاريخي للظلم وللاعدالة ولتلك الدائرة الضيقة التي تحكم رقاب البشر..تلك الحالة جاءت من رحم المصالح المتنافرة للبشر، ودرجة هزيمة الدكتاتور تعتمد على القناعة بتقاسم الوطن والثروة ولو بالحدود الدنيا للعدالة، الأخطر في كامل المعادلة هما مرادفان: الحرية والفقر... فبقدر ملامسة ذلك بشفافية يُهزم الدكتاتور، فتحقق الحرية وزوال الفقر أو على الأقل تقليل مستوياته يقفان تماما على نقيض الدائرة الضيقة، هما عنوانان للتعددية والحالة الجمعية للناس في تحديد المصير وشكل الحياة، درجة إخضاعهما للشرط الإنساني الناجح يحتاج فكر وثقافة ناجحة، متسامحة، منفتحة تدخل في صميم تركيب الحالة الفلسفية والفكرية والحياتية لشعب ما...هناك تنازلات مشتركة مطلوبة لكي يستمر التوازن الاجتماعي وذلك الرابط القوي في صياغة أي امة منتجة وحكيمة ونبيلة.... أين نحن من هذا..؟ لقد حكمنا الدكتاتور ( المتخلف ) دهرا طويلا وبالتالي دخل في كامل حياتنا وشكل الأرض التي نحيا عليها، رسم نفسه بقوة كارثية في التفاصيل الصغيرة ولأول مرة يوصلنا إلى حالة ( ضَيعنا وضِعنا )، لقد اصطفينا شكله سحنته، عنجهيته، مفرداته، أنفاسه، خطابه والأخطر حدينا سيفه ليذبحنا كما يشتهي، هناك مشكلة في روح هذه الأمة وثقافتها ووعيها وموروثها ودينها وكتبها وتاريخها، كل هذا يحتاج إلى وضعه تحت المشرط إلى فقعه لإخراج قيحه، فهذا( المُقيح) علة مزمنة تحولت وتدجنت وربت في كامل عقولنا ومعرفتنا وشكل تعاملنا بعضنا البعض... نحن نتاج لثقافة معلبة منذ خلقنا جوهرها ذلك الدكتاتور الصغير المختبئ في ذواتنا.فهو يشاركنا بيوتنا ، شكل تعاملنا مع أولادنا ، زوجاتنا ، طموحاتنا ، يدخل في تحديد مسار تهويمة الخمرة، الضحك ، البكاء، خيباتنا،شراهتنا ..فصلناه على مقياسنا فهو العطر، ورسالة الحبيبة، والسرمدي، وهبة الله، وروعة الوطن صيرورته وكل تاريخه الماضي والحاضر والقادم.... وان خرجنا عليها هنا أو هناك فهو خروج هامشي مستكين لا يرتقي لكشف المزيف وتحقيق نقلة نوعية تصدم وعينا الهش بكل تلك الجدية التي تخلق بديلا عميقا يؤسس لمعرفة ولثقافة ولفكر ولروح جديدة مختلفة تخرجنا من رماد وظلال ذلك الذي مسكنا قرونا وأعاق تقدمنا وانطلاقتنا نحو الأمام كما فعلت الشعوب الأخرى...! نحن نشيد يهتف ويهتف دون أن يتوقف، نحن أذكياء في ضرورات الحفاظ على أديم وديمومة الحنجرة لأنها المكان الوحيد الذي نرضع منه رضى أولياء النعمة..... نحن نُحظر قبورنا وسيافينا وجلادينا ننفخ فيهم، نعطيهم ذلك البهاء وذلك التألق كي يقوموا بواجبهم كما ينبغي، وأي واجب أقل من ذبحنا من الوريد إلى الوريد... هناك كره ونميمة وحقد وضغينة وخوف وقوة وبطش وحسد في روح كل عراقي، لم أجد أي تجمع بشري بهذه الكراهية لبعضه البعض، هناك متناقضات يجب حلها بإثارة دائرة الجدل والمعرفية الفكرية حولها...لم يعد ممكنا العيش على المديح وتصور كوننا ملائكة بل نحتاج إلى مصارحة تشق رؤوسنا المليئة بالغريب الذي لا يمكن أن يبني وطنا وإنسانا... بعد سقوط الدكتاتور كان على البعض أن يعتذر للشعب العراقي عن الحماقات التي ارتكبت، بل واصل نفس روح التشفي وروح مواصلة غواية فعل الجريمة.... بعد سقوط الدكتاتور كان المفترض أن نحث الخطى على نقيضه تماما لكننا عمقنا فلسفته حيث العشيرة والطائفة والعرق والفخذ.... بعد سقوط الدكتاتور هرول الكثير من المثقفين كما هو دوما باتجاه مدح الحكام الجدد، مقابل ماذا ؟قليلا من الهبات والصدقات وليال في فنادق وثيرة...
بعد سقوط
الدكتاتورية
جاءت جمعية
وطنية من
مهازلها نظام
التقاعد
المشين
والغريب
لأعضائها في
حين شعب كامل
يتضور جوعا..
بعد سقوط
الدكتاتور
ذبح وقتل
وتشريد على
الهوية...في
كردستان
أوقفوا الحرب
لتشتعل في
منطقة أخرى
والحبل على
الجرار... بعد سقوط الدكتاتور كثر المرتزقة للعيش على محنة الشعب العراقي، فضائيات تدر ذهبا، كتاب وقضاة من زمن الدكتاتور ساهموا في ذبح الناس وفي اطروحات جامعية تشيع ثقافة السلطة بدلوا ولائهم حيث صياغة التطرف مع ( المنتصر )... بعد سقوط الدكتاتور جئنا لمسرح الديمقراطية، جميل أن نصوت، لكني رأيت وقد جاء الشيعي يحمل صورة السستاني والكردي علما خاصا والمسيحي صليبا كبيرا، والسني صورة صدام حسين وووو...جميل هذه التعديدية التي يجب أن ندخل لها من الناصية العليا لوطن يحترمه الجميع أما في حالتنا فالعراق المسكين كأمة ووطن هو الغائب الأكبر... بعد سقوط الدكتاتور جاء الدستور ( قل جاء الحق....) يبدل كل يوم بحيث اختلط الحابل بالنابل ، أي نسخة سنعتمدها ....؟ نحن نخلق الدكتاتور نستفيد منه وعندما يتعب في جز رقابنا نشتكي منه، ثم نستكين لضعفه طالما هو الأقوى وعندما تحين الفرصة لقلعه نفعل ذلك لكي نبحث عن دكتاتور جديد يليق بنا كما كنا دوما...! عندما نهزم الدكتاتور الصغير القابع فينا نستطيع أن نجلس على موائد عامرة بالحب نستطيع أن نغني ونفهم معنى الحرية.. نستطيع أن نفرح ونبكي خلف علم يوحد انتصاراتنا وهزائمنا القائمة على الحق وحب الآخر... نستطيع أن نختار من يقودنا لأنه واحد منا...
نستطيع أن
نلغي الأسلحة
المخبأة
لمعاركنا
الطائشة.... نستطيع أن نعرف الأصدقاء والأعداء جيدا، نميز بينهما، نعرف من يقول الحق فعلا... نستطيع أن نحترم عهودنا وقوانيننا ودساتيرنا...لأننا ببساطة في رحم وعاء نخاف عليه جميعا... نستطيع أن نحارب الأنانية ونخلق الحب ونوسع دائرة الصداقات ونزهو بنجاحات ابن الوطن، نستطيع أن نهتم بالتفاصيل الصغيرة لأنها كفيلة بجعل احدنا أكثر قربا من الآخر.... نستطيع..... فرصتنا الوحيدة في مستقبل أفضل لنا ولأجيالنا القادمة أن نجد من يساعدنا في كيفية طرد الدكتاتور النائم في ذواتنا...ولعمري تلك هي أصعب مهمة تواجه شعب العراق اليوم...!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |