|
العشائر العراقية والحوزة الإيرانية! سهر العامري
منذ مدة زمنية ليست بالطويلة بدأت العلاقة ما بين العشائر العربية العراقية الشيعية ، وبين الحوزة الدينية في النجف الأشرف تشهد حالة من الافتراق في هذا الأمر أو ذاك ، وعلى خلاف ما جرت عليه العائدة منذ سنوات طويلة خلت ، حين كانت تلك العلاقة تقوم على طاعة تلك العشائر لكل ما يصدر من فتايا عن الحوزة تلك . يضاف الى ذلك أن تلك العشائر استخدمت من قبل رجال الدين سيفا ضاربا تشهره كلما اقتضت الضرورة ذلك ، كما كانت العشائر هذه في الوقت ذاته ، وعلى الدوام ، هي المصدر المالي الذي يعتمد عليه رجال الدين القادمين من ايران في الأعم الأغلب ، وذلك عن طريق ما تقدمه تلك العشائر من غلة الأراضي التي تزرعها لرجال الدين هؤلاء ، وبواقع الخمس مما تتحصل عليه هي من تلك الغلة . كان هذا قبل ظهور نشاط الحركة التجارية القوي الذي تحول فيما بعد الى مصدر ، مهم ، آخر من المصادر المالية التي تعتمد عليها تلك الحوزة في العراق وغير العراق خاصة التجار الشيعة في دول الخليج العربي . ولما كان الخمس لا يقدم إلا للسادة ، أي أولئك الرجال الذين تنحدر أنسابهم الى أهل بيت النبي الكريم ، فقد لاحظ الكثير من العراقيين أن بعض الأسر القادمة من ايران ، والمستوطنة في العراق ، قد وجدت في الانتساب الى أهل بيت النبي الكريم خير وسيلة لضمان عيشها في العراق ، ومن دون أن تبذل أي نشاط اقتصادي يذكر ، حتى أن الكثير من تلك الأسر قد توزع ، وبشكل محسوب ، على كل العشائر العراقية ، ومن ثمة استوطنت معها . ولا تخلو عشيرة من عشائر العراق ، أو حمائلها ، أو أفخاذها الآن من أناس لا ينتسبون الى آل البيت سواء أكان هذا الانتساب صدقا أم زورا وبهتانا . ومثلما استخدمت الحوزة الايرانية في النجف العشائر العراقية كمصدر من مصادرها المالية ، فقد سخرتها كذلك في الدفاع عنها في كل الظروف الحرجة التي كانت تستهدف وجودها ، تلك الظروف التي طالما تسببت في خلقها الحكومات العراقية المتعاقبة ، وآخر الأمثلة على الاستعانة بتلك العشائر هو التدخل الحاسم لها في بسط نفوذ الحوزة تلك على ضريح الإمام علي عليه السلام بعد أن تحصن فيه جماعة مقتدى الصدر في قتالهم لقوات الاحتلال الأمريكي في النجف ، وفي محافظات عراقية أخرى في الجنوب العراقي ، وكان ذلك التدخل قد صاحب عودة السستاني من لندن . لقد ظهرت جماعة الصدر تلك الى الوجود كحركة احتجاج على الصمت الذي كان الحوزة الايرانية تلف نفسها به زمن صدام ، ولهذا فقد سمى السيد محمد صادق الصدر ، والد مقتدى ، حوزته الجديدة بالحوزة الناطقة ، والتي كان أغلب طلبتها من الطلبة العراقيين العرب الشيعة ، خاصة أولئك الطلبة المتحدرين من أسر كادحي مدن الجنوب الذين أغلقت الحوزة الايرانية في النجف أبواب الدراسات الدينية فيها بوجوههم من قبل ، ولهذا كثير ما يشاهد العراقيون الآن رجالا يعتمرون العمائم من العراقيين العرب الشيعة ، ومن محافظات الجنوب كالعمارة والناصرية مثلا ، ولهذا السبب بذات أشاعت جماعة الحوزة الايرانية أو الصامتة ، كما يطلق عليها أنصار الصدر ، أن السيد محمد صادق الصدر كان يعمل بعلم ودراية من صدام نفسه ، أي أن صداما استطاع شراءه ، ولكن قتل صدام له بدد إشاعتهم ، فكفوا عن تقولاتهم تلك . ومما يوجب ذكره هنا أن أحد الطلبة من العراقيين العرب الشيعة المطرودين من الكويت ، تحقيقا لرغبة صدام وقتها ، قد قبل في حوزة دينية شيعية ذات هوى ايراني في البلد المطرود إليه بوساطة رجل دين عراقي عربي شيعي كنت قد تعرفت عليه من قبل ، وهو ذاته الذي أخبرني أن مدرس الطالب الايراني قد جاءه يوما ليقول له نصا : ( هازا صاحبك ما يعرف عربي ! )* رد عليه رجل الدين العراقي الشيعي ساخرا ، مستنكرا : ( هازا صاحبي ما يعرف عربي !) وثانية حدثني شيخ من شيوخ عشائر البدور قال : ذهبت الى مدينة قم الإيرانية من أجل مقابلة آية الله العظمى علي حسين منتظري ، الشخصية الثانية بعد الخميني في ايران وقتها ، كان هدف زيارتي ، يواصل هذا الشيخ ، هو مد يد العون للعشائر العراقية العربية الشيعية ، ولكنني فوجئت بجواب مخجل منه ، ما كنت أحسبه ينطلق من فم رجل عاقل أبدا ، قال لي : ( لقد أصبحتم أنتم كلكم يا أصحاب العگل تشربون الخمرة ! ) ** والان وبعد أن وصل رجال الدين أو من يمثلهم من العراقيين الذين ينحدرون من اصول ايرانية الى السلطة في العراق تنكروا لدور العشائر العراقية في اسنادهم ومؤازرتهم على مدى سنوات طويلة ، حين كانوا خارج السلطة في العراق ، وتعمدوا على تهميش دورها ، فحرموا أبناءها من الوصول الى مناصب الحكم المهمة والغيرة مهمة ، هذا في الوقت الذي شغل فيه تلك المناصب الايرانيون ممن يحملون الجنسية العراقية ، خاصة في المراكز القيادية من الحكم في العراق اليوم ، وبذا فقد أخذت تلك العشائر تتلمس عن كثب أحابيل تلك اللعبة التي انطلت على الكثير من رجالاتها ، وفاتهم أن الحوزة الإيرانية في النجف لازالت تنظر لهم على أنهم هم البشر ذاتهم الذين يعيشون في مطلع القرن العشرين ، والذين كانوا يدفعون الخمس للرجل الإيراني بمجرد أنه يضع على رأسه خرقة خضراء يشير بها الى نسبه العلوي . افتراق الطريق هذا بين رجال الدين في الحوزة الايرانية في النجف التي تطوقها أجهزة المخابرات الإيرانية من جهاتها الأربعة ، والتي يلعب فيها محمد مهدي الاصفي الايراني ، وكيل ولي الفقيه ، علي خامنئي ، دورا مهما الآن ، وبين عشائر العراق العربية الشيعية ، خاصة عشائر النجف ، عبر عنه البيانان الصادران من كليهما ، ففي الوقت الذي دعت فيه الحوزة تلك الى التصويت بـ ( نعم ) على الدستور الذي يشابه في فقرات كثيرة منه الدستور الايراني ، نجد أن عشائر النجف الاشرف تصدر بيانا يناقض بيان الحوزة تلك ، ويطالب العراقيين بالتصويت على الدستور المذكور بـ ( لا ) . واقع الحال هذا يشير الى أن الحوزة الدينية الايرانية في النجف ستفقد آجلا أم عاجلا أهم تجمع بشري واسع في العراق ، طالما وقف معها سندا أمينا ، وعلى مر عصور كثيرة ، وفي أحداث مهمة وقعت على الأرض العراقية ، وبفقدان هذا السند سيكون صوت الحوزة تلك غير مسموع كثيرا في أرجاء عديدة من العراق ولو بعد حين . = = = = = = = = = = * هازا : هي هذا وكثير من رجال الدين الايرانيين لا يستطيعون نطق الذال العربية ، فيستعيضون عنها بحرف الزاي ، فيقولون بدل هذا هازا. ** العگل : جمع عقال وهو ما يضعه البعض من أهل العراق والدول العربية على الكوافي التي تغطي رؤوسهم .
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |