قاضي کوردي يحاکم رئيس عربي

نزار جاف

nezarjaff@gmail.com

کثيرا ما تسعى العديد من الاقلام العربية الى إتهام الکورد بالتشنج و ضيق الافق و إستعجال الامور قبل أوانها وماإليها من قائمة طويلة کلما طرحت الحقوق القومية للکورد على بساط البحث. تلک الاقلام التي تحاول دوما طمأنة الکورد بالبقاء ضمن الکيان العراقي و عدم التفريط بالعلاقة التأريخية العريقة التي جمعت بين الکورد و العرب، من خلال التنويه عن مبدأ المساواة الکاملة بين الکوردي و العربي في کافة المجالات. إلا أن هذه الاقلام ذاتها تعتريها حالات التشنج و الانفعال و إستعجال الامور حين يطرأ أي موضوع له علاقة من قريب أو بعيد بالکورد. بالامس حين أثارت العديد من القنوات و المراکز الاعلامية العربية مسألة العلاقة الکوردية مع إسرائيل وهولوا من الامر وکإن إسرائيل لم يعد أمامها من منفذ لتدخل في المنطقة إلا من خلال الکورد! وحين تناقلت وکالات الانباء تلک الاتصالات السرية لغالبية الدول العربية بتل أبيب من أجل إقامة علاقات رسمية، فقد إنقطع الکلام فجأة عن هذا الامر وإنقلب الامر الى مجال آخر هو العمالة لأمريکا التي هي الاخرى لها أسبقية وقدم مشهود له عند أکثر من عاصمة عربية ناهيك عن التسابق العلني المکشوف لنيل رضا البيت الابيض من قبل أکثر من حاکم عربي، وکل هذا يجعل من بريق هذا الکلام خافتا وغير أخاذا رغم إنني أرى العلاقة مع دولة حضارية مثل الولايات المتحدة الامريکية شرف و فخر يکلل هامة أي شعب يحظى بها. أما ماحدث عند الکلام عن ترشيح السيد جلال الطالباني للرئاسة، فقد کان هو الاخر أمر مثير للإهتمام وملفت للنظر، إذ صوروا الامر وکأن کرامة العراق و سيادته قد أنتهکت و صارت في خطر مؤکد. إلا أن کل ماسردنا ذکره في جانب، وإختيار قاضي کوردي لمحاکمة صدام حسين و رفاقه في جانب آخر، فقد أثار الامر حفيظة العديد من الاقلام و المنابر الاعلامية العربية وکأن جنکيزخان أو هولاکو يحاکم رجلا في مستوى المعتصم العباسي! إن السعي بإسلوب ملتو و خبيث للنيل من عدالة القاضي بسبب من عرقه، يميط اللثام مرة أخرى عن الانغلاق و التشنج العرقي لتلک اللاقلام و المنابر ويجعلها في موضع المسائلة الاخلاقية عن حقيقة أهدافها و مضمون رسالتها الانسانية و الحضارية. وإذا کان حاکما مهزوما و فاشلا و ذليلا مثل صدام حسين يسعى عبر تلک المساحة الديمقراطية التي سمح له بنا للإدلاء بکلامه لشد الانظار إليه أملا في إستجداء التعاطف کي ينجو بجلده من القصاص التأريخي الذي ينتظره، فقد من عليه القدر مرة أخرى بفرصة سانحة کي يوظفها الاعلام العروبي ـ الشوفيني في خدمة القعقاع المهزوم حين علموا بأن القاضي الذي يحاکمه و رفاقه هو کوردي فإن ذلک برأي تلک الاقلام و المنابر کاف للطعن بمصداقية المحکمة و عدم عدالة أحکامها بل وحتى عدائها المکشوف لرمز الامة العربية و باني مجدها الحضاري"کما يصوره الاعلام العروبي". صدام حسين الذي قتل و أعدم و يتم و شرد الملايين من الکورد و العرب و الترکمان و الآشوريين و الکلدان ولم يسمح لأية جهة إعلامية في العالم معرفة أي شئ بخصوص ذلک، هاهو اليوم يصول ويجول بکلامه الحماسي وکأننا أمام مسرحية شعرية تتعلق بالشاعر الجاهلي عمرو بن کلثوم التغلبي! إنه يألب الناس على أمريکا و على المحکمة الموقرة التي منحته منفذا للتعبير عن رأيه ويتناسى أن مثل ذلک المنفذ لم يکن متوفرا لأي إنسان في ظل نظامه ولاحتى في ظل أنظمة غالبية بلدان دول المنطقة. الحق أنه وبدلا من الحديث عن الهوية العرقية للقاضي کان الاولى أن يتحدثوا عن ضرورة محاکمة الاساس الفکري ـ السياسي الذي قاد العراق الى براثن حاکم رعديد مثل صدام والبحث في السبل التي تتيح عدم تکرار ظاهرة إجرامية شبيهة بهذا الدکتاتور المهزوم.

                                                                  

 


 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com