القصة الكاملة للرسائل شفهية

 

نضال نعيسة
sami3x2000@yahoo.com

كنا,وعلى خلفية انتحار اللواء كنعان, قد كتبنا مقالا بعنوان رسائل شفهية ,متكئين في العنوان على قصة فيلم سوري رائع حاز على إقبال شعبي عارم في وقت ما.وقد وصلتني عدة رسائل,واتصالات, لتوضيح قصة هذا الفيلم,ولا سيما لإخوتنا السوريين في بلاد الإغتراب, الذين لم يتسن لهم مشاهدة هذا الفيلم,ولكي يتمكنوا بسهولة من الربط بين قصة الفيلم والعنوان,فاسمحوا لي بأخذ قسط من الزمان والمكان لتوضيح مختصر للقصة للأحبة للقراء.
ففي قالب بارع وساحر من السخرية اللاذعة ,والبساطة المطلقة في زمن رومانسي فتّان ,وفي تلك البيئة الساحلية الرائعة حيث تشمخ عاليا الغابات الممتدة الخضراء ,وتناطح عنان السماء,وحيث الجبال المكسوة بلون المروج ,وحيث تكثر الوديان ,والذرى,والبحيرات ,والغدران,والأنهار.ِوفي قرية من قراها الجميلة الثرية الحالمة الودعاء, تبدأ القصة التي يديرها المخرج البارع عبد اللطيف عبد الحميد ,وهو ابن للبيئة خبرها وعاش فيها قسطا طويلا من الزمان,ويعرف كل شعابها,ووهادها,وحاراتها,وزواريبها,ويفهم تلك الشخصية القروية البسيطة التي نعشقها,والتي صاغها تاريخ طويل من الحياة القاسية,وشظف العيش,وما نما على إثرها وتأصل من عادات ,وتقاليد ,وأعراف,وحتى لو كانت اللهجة المحلية ,ثقيلة قليلا,ولكنها لا تخلو من سحر وقبول وجمال.
ففي ذاك المكان الرومانسي الساحر الأخاذ بدأت قصة عشق عذري جميل طاهر ممزوج برهبة البوح عن حب جامح يعتمل في الصدور ,ويحرك السلوك,ويتحكم بالمزاج.شخصيات الفيلم الرئيسية إسماعيل القروي اليتيم الذي يعيش مع أمه على خيرات الأرض, وهو على درجة من البساطة والطيب تصل حدود قريبة من "الهبل والجدبنة" البريئة والمضحكة لشخصية تتصرف على سجيتها دون اعتبار لبروتوكول ورسميات ,و"يدجّ"الكلام "دجّا" في كثير من الأحيان.والشخصية الأخرى المحورية وهي غسان الطالب الوسيم والصغير ذو الوجه الصبوح ,وهو ابن لمساعد أول يقضي جل وقته في الجبهة ,ولا يأتي إلا في الإجازات,وهي إشارة لتلك الطبقة الاجتماعية التي تشكلت وتكونت كاملة من رتبة "المساعدين الأولين" العسكرية, لها خصائص مميزة ,وصارت تميزهم في المجتمع ,ولسنا في وارد تقديمها الآن.والشخصية الثالثة وهي الأجمل ,والأحلى ,والأروع ,وهي سلمى الفتاة الريفية الجميلة والغادة الصغيرة الهيفاء ,التي تعيش مع والدها الأرمل ,التي تصرع إسماعيل الدميم ,صاحب الأنف الكبير, صرعا وتزيد في جنونه ,على غرار بيت الشعر الشهير القائل :
يا أم عمر جزاك الله مغفرة ردي علي فؤادي كالذي كانا
إن العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لاحراك به وهن أضعف خلق الله إنسانا.
وككل عاشق صب ولهان ,يصاب إسماعيل المرتبك المسكين بالخجل ,وتعتريه الحيرة والقشعريرة ,وعدم القدرة على التعبير عن لواعجه الكامنة في قلبه الخفاق بحب سلمى,ويعجز من أن يكلمها ويوصل لها رسالته الغرامية.فما كان منه إلا أن استعان بالفتى,صديقه,غسان لتوصيل "رسائل شفهية" لها ,وأغان ,ومواويل شعبية حزينة ورقيقة تثير فيضا من المشاعر المتباينة, تعبر عن حبه لسلمى التي يخاف أن يصارحها به. وهذه قصة الفيلم الأساسية ,وصار غسان ينقل الرسائل على غرار "بيقلك إسماعيل إذا بتتزوجيه فهو سيعمل كذا ,وكذا,ويعطيك كذا ,وكذا", ومن مثل "قلها لسلمى ....",وتتالت رسائل إسماعيل لسلمى عبر الوسيلة الوحيدة المتوفرة وهي الفتى الوسيم غسان,وفي النهاية تقع سلمى في حب غسان وليس إسماعيل ,وتضبط معه في غياب والدها عن البيت,مما يتسبب بمشكلة على مستوى العلاقة الثنائية بين العائلتين,تفضي إلى رحيل عائلة غسان عن الضيعة لتجد موطنا جديدا لها في الجبهة.وبعد ذلك ينفرد إسماعيل بسلمى ,ويتشجع ,ويتزوجها ,فيما يصبح غسان ضابطا بالجيش ليعود برتبة نقيب إلى الضيعة,حيث كان إسماعيل وسلمى,وبعد أن فرخوا دزينة أولاد,يعيشون حالة خصام ,ولا يتبادلون الكلام,مما استدعى من إسماعيل أن يطلب من غسان التدخل والتوسط مرة أخرى ,عبر رسالة شفهية ,"أخيرة" لكي تتصالح مع إسماعيل الذي شاب ,وشاخ به الزمان,ومن هنا كان غسان دائما واسطة لنقل تلك الرسائل الشفهية التي عجز إسماعيل عنها , في حالة الحب والعزوبية ,وبعد الزواج بين إسماعيل والفتاة سلمى,ومن هنا كانت "الاستعانة الأدبية" التي أشرنا إليها صراحة ,والتي استعرناها عنوانا لذاك المقال للإشارة إلى طلب فيها غازي كنعان من الوردة البيروتية أن توصل له رسالة إلى بعض الفرقاء اللبنانيين كونه لم يعد قادرا أن يوصل أية رسالة لأي كان,ولعدة أسباب هذا لو وجد ,في النهاية,من يستمع له بأية حال,بعد أن بتروا وشوهوا الصحافة والإعلام الذي كان ربما سيجنبهم الكثير من المآزق التي يعانون منها الآن.
إلا أنه يوجد هناك فارقان أساسيان في القصتين,قصة المواطن البسيط الطيب البهلول إسماعيل, والجنرال الفولاذي كنعان,أنه في حالة الوزير كنعان لم يكن هناك قصة رومانسية ولا ود أو حب أبدا بين أي من الأطراف.وأما في حالة إسماعيل الشاب الظريف الخفيف ,فلم نلحظ هناك أية حالة "اكتئاب".
وأرجو ألا تصيبكم قصة إسماعيل ,أيضا,بأية حالات من الاكتئاب.
وتسلموا لي ,دائما بخير, يا..........شباب.

 


 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com