|
نحن والمشتبه بهم..!! كريم كطافة
بعد بحث مضن في كل التجارب القضائية للديمقراطيات الحي منها والميت، رسا اختيار من بيده لجام البلد، على نموذج هو غاية في المخملية والإنسانية، نموذج قد تصله بعض الديمقراطيات المعاصرة لكن ليس الآن، بل بعد خمسين سنة. الأمر الذي جعل ثمة وسواس خبيث، يوسوس في عقول العراقيين ويقنعهم أن المحكمة الخاصة بمحاكمة المشتبه بهم (صدام حسين) وشلته، ستُشَمت بنا أمة لا إله إلا الله والقائد حبيب الله. لأن مثلما لهذا النموذج الحضاري جداً فوائد جمة، فلهو كذلك مساوئ غير جمة..!! منها على سبيل المثال لا الحصر: 1ـ أنه ما زال مسلفن وبالباكيت، أحد في العالم لم يجربه قبلنا، ناهيك عن أمتنا الحبيبة. أصلاً في تاريخ هذه الأمة؛ لم يحدث أن تمت محاكمة رئيس سابق أو سلطان أو ملك أو خليفة على الشاشات الملونة. جرت العادة أن أول ما يفعله الجديد المستحوذ على السلطة، هو إلغاء سلفه من الوجود المادي والمعنوي وبدون شاشات فضائية، وعادة ما يستخدم أمضى سلاح متوفر تحت اليد، رصاصة، بوري، صخرية، سيف بتار، سم قتال.. إلخ ثم يخفي الجثة في مكان ما، مزبلة، نهر، بحر.. أماكن إخفاء الجثث في بلادنا كثيرة والحمد لله. لهذا السبب تعتبر المحاكمة العراقية وفق الصيغة التي أُخرجت بها من نوع البدعة والبدعة شرعاً حرام. 2ـ أن الكواليس الخلفية والأمامية لهذا النموذج المستورد خصيصاً لنا، هي غاية في التعقيد والتشابك، حتى أن الداخل فيها لا يعرف كيف يخرج منها، الأمر الذي يرجح أن تتالى جلساتها وتطول مثل أي مسلسل مكسيكي، بحيث إذا شاهدت أنت الحلقة الأولى منه، لا تستغرب أن يكمل حفيدك الحلقات الأخيرة منه. لا تُعرض حلقاتها وفق نظام معروف، إنما وفق آلية للقياس تعتمد على ما يجري من تبدلات على مزاج أمة لا إله إلا الله..!! وهذا المزاج وبشهادة الشهود ينتمي للمزاج الزئبقي الذي يتبربر ويتحرحر على مزاجه. 3ـ من مساوئ هذا النموذج الحضاري كذلك، أنه ينسى الصلاحية المحدود لأعمار البشر. لهذا سيكون من الاحتمالات الواردة أن يفعلها المشتبه به الأول ويغافل المحكمة ويموت. نعم، يموت، لِمَ لا..؟ طيب في مثل هذا المصاب الجلل كيف ستكمل المحكمة حلقات مسلسلها المكسيكي ومن أين سيأتون بشبيه أو بديل للبطل..!!؟ 4ـ أن برنامج المحكمة ومهما ادعى لنفسه من المتانة والجودة، لكنه قطعاً غير مبرمج لمحاكمة شخص عليه أكثر من 3333 دعوة قضائية، كانت أسهلها وأقلها وطأة هي دعوة (الدجيل). يقال في البلد؛ أنك لو سألت أي شارع عراقي؛ وهنا أؤكد على الشارع وليس بشر الشارع؛ هل لك دعوى أيها الشارع ضد المشتبه به؟ عندها لا تستغرب إذا قال لك الشارع؛ نعم، أن لي بذمته ما يعادل ميزانية المحكمة لعشرين سنة قادمة من المخالفات المرورية..!! وإذا كان هذا أمر الشوارع، ماذا بخصوص البشر والشجر والحجر، لأن هذا المشتبه به والشهادة لله لم يترك شيئاً حياً أو ميتاً يعتب عليه. لكل هذه الأسباب، أظن أن الكمبيوتر المخصص لتدوين شكاوى المدعين ستحترق أعصابه من القهر ويبطل يشتغل. وإذا توقف هذا الجهاز عن العمل، تأكدوا؛ سيعجز حتى (بيل غيتس) صاحب (الوندوز) عن إجباره للعمل من جديد. عندها سوف لن يكون أمام المحكمة غير الاستعانة بجهاز جديد والبدء من جديد، وهذه بالطبع كلها أموال تُصرف من ميزانية الضحايا. 5ـ وبمناسبة ميزانية الضحايا، أن هذا النموذج من المحاكمات يوفر فرص عمل مغرية لكل المحامين العاطلين عن العمل في أمتنا المجيدة، وعلى الأخص منهم أولئك الذين لم ينشغل الواحد منهم طيلة حياته المهنية، إلا بقضايا لا تخرج عن دائرة الإرث والنفقة والزواج والطلاق، وقلائل منهم من لهم حظ من السما من ينشغلون بقضايا تجار المخدرات والدفاع عن المجرمين الكبار، لهذا ترى ذاكرتهم الجماعية معطوبة ومثقوبة في كل ما يخص مهنة المحاماة الحقيقية (الدفاع عن العدالة). وها نحن وعبر محكمتنا الموقرة سنوفر خدمات مجانية لهؤلاء المحامين، أولاً سنرقع لهم ذاكرتهم المثقوبة، وثانياً سيتقاضون أجورهم بالأخضر وحسب أعلى تسعيرة دولية. وإذا اعترض أحدكم وقال لي؛ ما الضير في هذا أيها السيد دع الخلق تسترزق، لماذا تريد قطع أرزاق العباد..؟عندها سأعترض من جانبي على السيد المعترض وأقول له؛ يا سيدي أن هؤلاء الخلق إن كانوا من محاميي (الخصاونة) أو من شلة (رامزي كلارك) هم وصمة عار في جبين القضاء والعدالة والإنسانية، لأنهم لم يتذكروا العدالة وحقوق الإنسان إلا في محاكمات الطغاة.. هؤلاء كانوا هم المنشار الذي أكل وهو طالع وأكل وهو نازل من جسد بلدي وثروات بلدي.. وهو ما زال ينشر على مهله. لكل هذه الأسباب أنا أعترض على هذا النموذج المسلفن والجديد والحضاري وأدعو هيئة المحكمة أن تبحث لها عن نموذج آخر أرخص وأسرع أو على الأقل يكون مناسباً لماركة عقال (برزان التكريتي) و(طه الجزراوي) و(عواد البندر)، الذين تذكروا أخيراً أنهم حين كانوا يمارسون مهنة قتل البشر في المسالخ البشرية، كانوا حينها معقلين.. لهذا سيكون من حقهم مواجهة العدالة معقلين كذلك..
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |