|
قبل أن يقتل الحسين مرة ثانية علي آل شفاف
كلنا يعرف أن ما جاء بعمرو موسى إلى العراق, ليس رغبته في مساعدة الشعب العراقي في التغلب على القتلة والمجرمين, وتحقيق العدل والمساواة بين أبناء الشعب. بل جاء بأوامر من آل سعود وحسني مبارك وبعض أمراء الخليج, لوضع العصي في عجلة التقدم في بناء العراق الجديد, وفي عجلة تحرر الشعب العراقي من قيود القهر والظلم والإستبداد. أتى عمرو موسى العراق بمشروع خطير جدا, بعد تصريحات سعودية خطيرة ومفاجئة, يمكن وصفها بإعلان حرب ثانية على شعب العراق, واعتراف بحرب أولى. بدأت بعدها مباشرة أجهزة الإعلام السعودية والممولة سعوديا حملة شعواء ضد شيعة العرب في العراق. رافقتها حملة لتزوير وتشويه الواقع العراقي. عززتها بتحركات سياسية مشبوهة ومحمومة, ذكرتنا بأيام تآمرهم في قتل مئات الآلاف من أبنائنا في الجنوب والشمال إبان انتفاضة الشعب العراقي في عام 1991. لقد أثمرت الجهود السياسية التي بدأها آل سعود, في لملمة شتات العرب حول هدف واحد, هو القضاء على أي دور ممكن للشيعة العرب في العراق, بعد أن حصلوا على بعض حقوقهم في بلدهم الذي يشكلون فيه أغلبية كبيرة. محاولين بذلك تهميشهم مرة أخرى, وخنق طموحاتهم وتطلعاتهم نحو الحياة الحرة الكريمة, تحت مزاعم مختلفة. ولعل أكثر هذه المزاعم مردودا عمليا وسياسيا هو (التدخل الإيراني). تلك الدعوى التي قتل تحت لواءها مئات الآلاف من شيعة العرب العراقيين, والتي ـ وللأسف ـ اجترها الكثير من السياسيين والمثقفين العراقيين, دون وعي أبعادها الحقيقية التي لا تخص إيران من قريب أو بعيد. إن إدراكنا لأبعاد وخطورة مشروع "عمرو موسى" السعودي المصري, في زرق الجسد العراقي مرة أخرى بجرثومة البعث تحت شعار المصالحة الوطنية؛ قد يمكننا من الوقاية منه قبل أن ينتشر أو يستفحل, ومن ثم نضطر إلى تجرع مرارة العلاج مرة أخرى. وقد لا نكون قادرين عليه, إلا بعد زمن طويل من الآهات والآلام والمقابر الجماعية وأحواض "التيزاب" والمفارم البشرية. إن ما يؤكد خبث هذه المساعي أو هذا المشروع, هو تصريحات وزير خارجية السعودية (الوصي الجديد على عرش العراق)!! بشأن تأييده لإقليم "كردستان", ورفضه لإقليم الجنوب . . هكذا!! ثم تصريح عمرو موسى بأن الجامعة العربية تعترف بإقليم "كردستان" وستتعامل معه. (وكأنه دولة وليس إقليما عراقيا خاضعا للسلطة الإتحادية ـ لحد الآن على الأقل), مما يكذب دعاواهم في المحافظة على وحدة وسلامة أراضي العراق. إن وحدة وسلامة أراضي العراق ليس أمرا مهما بالنسبة لهم, إلا إذا تعلق الأمر بالشيعة. علما أن شيعة العرب العراقيين ليس لديهم أي رغبة بالانفصال لأنهم لو فعلوا فسيفصلون ولا ينفصلون, وسيكونون هم (العراق الجديد). لأن العراق لا يقوم ـ واقعيا ـ إلا بالشيعة أولا (بسبب توزيعهم السكاني) ثم بباقي العراقيين, وأن العراق التأريخي هو الأرض التي يسكنها شيعة العرب العراقيين. فـ "العراقين" هما البصرة والكوفة وما بينهما ثم بغدادهما. بينما نجد لدى الأكراد طموحا معلنا بالانفصال وهو حق لهم. وهذه محاولة واضحة لشراء ضمير وموقف الأكراد, وملامح صفقة من أجل تحجيم وتهميش دور شيعة العرب العراقيين. أرجو أن لا يقع الأكراد في مثل هذا الفخ فيستبدلون حليفا استراتيجيا, بآخر لا يؤمن بحقوقهم, ولا بد له أن يقضي على طموحهم المشروع عندما يتمكن من ذلك. إن مشروع عمرو موسى, هو نفس ذلك المشروع الذي حارب عبد الكريم قاسم, وجاء بالبعثيين تحت دعاوى قومية كاذبة, ليضمن جريان نهر البترول في جيوبهم؛ فيما يتضور أبناء العراق جوعا, ويهلك شبابهم وشيبهم ونساؤهم وأطفالهم مرضا وقتلا وفتكا وتشريدا. وهو نفس المشروع الذي جعل كل من السعودية ومصر وباقي الدول العربية, التي قاتلت صدام من أجل الكويت, تقف معه في نفس اللحظة لإبادة الشيعة. كفانا جهلا وانخداعا بشعارات زائفة, أثبت الزمن أنها لا ترفع إلا للاستعباد والإذلال. على العرب وقومييهم أن يعترفوا بالواقع الجديد في العراق, وبالثقل الأكبر لشيعة العرب العراقيين فيه, وبحقهم في الحياة الحرة الكريمة, وحقهم في التمتع بخيراتهم مع باقي العراقيين. إن ما حفظ سلطنة عمان من فلول الوهابية, هو حسم سلاطينها الموقف مبكرا, ومحافظتهم على استقلالهم . فلولا استقلال سلطنة عمان, لأبيد "الإباضية" بصورة كاملة, ولزحف آل سعود والوهابية عليهم, ولجعلوهم أثرا بعد عين. وهذا ما يريدوه للشيعة. إن شيعة العرب في العراق يواجهون مؤامرة, هي تكرار لمؤامرات سابقة, تعرضوا على إثرها (للإبادة الجسدية) بالمفخخات والمقابر الجماعية, (ولإبادة الهوية) عن طريق التهميش والإلغاء والتكفير. هذا ليس تهويلا أو تضخيما, وإنما هو واقع رأينا ملامحه وإماراته؛ وعلينا اتخاذ الموقف المناسب, لكي نؤمن حماية أنفسنا وأبناءنا ومستقبلنا. لقد بانت نذر تأهيل القتلة والمجرمين ليقودوا العراق مرة أخرى, تحت دعوى المصالحة. ولعل شرط (البعض) إعادة مجرمي البعث, ممن كان في الجيش والأمن والمخابرات أحد هذه النذر. إن الخطأ ـ كل الخطأ ـ في التهاون والركون إلى المهادنة والمداهنة مع مكامن الخطر المعلومة والواضحة. علينا تدارك الأمر قبل انفلات الزمام, وقبل فوات الأوان . . ولات ساعة مندم. عار على من يندب فقره وجوعه بعد اليوم وقد رزق الخير العميم والرزق الوفير ففرط به. عار على من يشكو ذله بعد اليوم وقد منح الكرامة فأهدرها. عار على من يستضعف بعد اليوم وقد نال العزة والمنعة. عار على من ينخدع بعد اليوم وقد انكشفت الأسرار وافتضحت الأخبار. عار على من يرثي قتلاه بعد اليوم وقد أمكنته الفرص من الانتصاف ولم ينتصف. عار على من يبكي الحسين (ع) ويدعه يقتل مرة ثانية.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |