العراق ..وجامعة الدول العربية .. وعمرو موسى.!
 

 

هادي فريد التكريتي

hadifarid@maktoob.com


بعد الحرب العالمية الثانية تأسست الجامعة العربية ، بمسعى من الدول التي تهيمن على المنطقة العربية ، بريطانيا وفرنسا ، لطبخ وإنضاج القرارات السياسية ، المراد فرضها على شعوب المنطقة ، وعلى الرغم من أن الشعوب العربية تدخل ضمن هذه التسمية ـ الدول العربية ـ ، إلا أن حقيقة الأمر الشعوب كانت ولا زالت مغيبة ، ولم تمثل في هذه المنظمة ، وكان بالأحرى تسميتها \" جامعة الحكومات العربية \" لأن كل القرارات كانت تتخذ باسم الحكومات ، والمساعي والحلول المتخذة كانت على الإطلاق ، لمصلحة الحكام ، وضد مصلحة هذه الشعوب ، ومنذ تأسيس هذه الجامعة لم يتخذ أي قرار ، ملزم بالإجماع ، ضمن الجامعة لمصلحة شعوبها ، عدا قرارات اجتماعات وزراء الداخلية العرب ، لما فيه من مصلحة لصيانة أنظمة الحكم العربية والمحافظة عليها من حركات المعارضة الشعبية المناوئة لهذه الحكومات ،وما حدث في العراق بعد ثورة 14 تموز عام 1958 خير دليل على هذا ، حيث اصطفت كل الحكومات العربية ضد الثورة ، التي اكتسحت النظام الملكي العميل لبريطانيا ، وظلت هذه الجامعة ، الخاضعة للتأثير المصري ، زمانا ومكانا وقيادة ، مناوئة لحكم 14 تموز في العراق ، رغم شعبيته ودعم حركات التحرر العربية والعالمية له ، إلى أن تم إسقاطه في العام 1963 ، من قبل فئات قومية وطائفية ، بتمويل وتشجيع من حكومات هذه الجامعة ، ومخابرات دول أجنبية . وعلى مدى سني حكم القوميين ـ الفاشي ـ البعثي ، كان الشعب العراقي ، بكل مكوناته ، تحت حكم دكتاتوري ، ساقه لمجازر وحروب رهيبة ، داخلية وخارجية ، فالتهجير الطائفي والعنصري ، شمل آلاف العائلات ، و الغازات السامة استعملت لإبادة الشعب الكوردي ، والمقابر الجماعية للمعارضين دون حساب ، وخصوصا أثناء وبعد انتفاضة آذار 1991 ، هذه الجرائم وغيرها الكثير ، جرت تحت علم ومرأى ، إن لم نقل دعم و مساندة ، من الجامعة العربية ، ورئيسها الحالي عمرو موسى الذي كان ولا يزال من المناصرين والمؤيدين للنظام البعثي الفاشي ، ولم يحض العراق والشعب العراقي ، طيلة حكم صدام حسين الساقط ، بدعوة من رئيس الجامعة لعقد أي مؤتمر ، مثلا ، لمعالجة الوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب العراقي ، والحصار المفروض عليه ، وكثيرا ما طالبت القوى السياسية الوطنية وأحزاب المعارضة العراقية ، الجامعة العربية ورئيسها ، الحالي ، للتدخل ووقف الجرائم المرتكبة بحق الشعب العراقي ، من قبل النظام الدكتاتوري البعثي ، إلا أن تلك الدعوات تجابه بالرفض بحجة عدم التدخل في الشأن الداخلي ، إلا أن هذه الحجة سقطت عندما سقط صدام ونظامه ، حيث احتضنت الجامعة العربية ، ورئيسها عمرو موسى ، عناصر النظام البعثي وقدمت لها كل دعم ومساندة ولا زالت تقدمه .. ومنذ أكثر من سنتين ، على سقوط النظام العراقي ، وحتى اللحظة ، لم يعلن عمرو موسى أي قول ، لا تلميحا ولا تصريحا ، يشجب أو يدين الممارسات الإجرامية التي ارتكبها النظام البعثي بحق الشعب العراقي ، رغم كل ما نشر من وثائق ووقائع في وسائل الإعلام العالمية المختلفة ، ولم يشجب القتل والتفخيخ والتفجير الذي يزرعه ويمارسه الإرهابيون ضد الناس الأبرياء في العراق ، منذ سقوط نظام البعث ، كما لم يدع لعقد أي اجتماع لمعالجة تدفق الإرهابيين من حدود دول الجوار ..
واليوم إذ يصل السيد رئيس الجامعة العربية ، إلى العراق ، بقرار من وزراء خارجية الدول العربية ، من أجل التوصل إلى حلول تساعد على إنهاء حالة الإرهاب في العراق . فزيارته هذه لم تكن بمعزل عن الموقف الأمريكي ، وفتح الضوء الأخضر لهذه الزيارة ، نظرا لما تعانيه الإدارة الأمريكية وقواتها في العراق من مشاكل وخسائر ، تعتبرها الكثير من القوى الأمريكية المعارضة داخليا لإدارة بوش ، نتيجة لتورطه في المستنقع العراقي ، فالإدارة الأمريكية وقواتها ليس لم يحققا الأهداف المعلنة في إقامة نظام ديمقراطي في العراق والمنطقة ، بل حققا فشلا أمريكيا في هذا المسعى ، لجنوح الحكم العراقي الحالي نحو الطائفية ، وإقامة حكم ديني ـ طائفي موالي لإيران ، وعدم قدرة القوات الأمريكية ، والقوات متعددة الجنسية من معالجة الموقف أو الحد منه ، لما له من تأثير سلبي على عموم المنطقة ، وهذا ما استدعى الزيارة التي يقوم بها عمرو موسى للعراق .
نتائج مباحثات زيارة الأمين العام للجامعة العربية ، التي أجراها ، يقال عنها حتى الآن إيجابية ، مع القيادات العراقية الرسمية والزعامات السياسية والحزبية المختلفة بما فيه الجانب الطائفي ـ السني ، ولقاءاته مع المراجع الطائفية ـ الشيعية ، وسفره إلى المنطقة الكوردية ولقاءاته مع القيادات هناك ، رئيس الجمهورية جلال الطلباني ، ورئيس إقليم كوردستان ، مسعود البرازاني ... فعمرو موسى ، كما يقال \" قد نجح إلى حد كبير في تقريب وجهات النظر تمهيدا لعقد أول مؤتمر للمصالحة من نوعه في العراق بين مختلف الكتل والمكونات منذ سقوط نظام صدام حسين ، وإن المباحثات قد أفضت إلى اتفاق على الخطوط العامة للمؤتمر \" .. فأيا كانت نتائج هذه الزيارة ، فهي ، وكل هذه اللقاءات ستكون موضع دراسة وتقييم لقمة ، كوردستانية ـ أمريكية في واشنطن ، بين السيد مسعود البرزاني وجورج بوش ، في الخامس والعشرين من تشرين أول الحالي ، وعلى ضوء نتائج هذه القمة سيتقرر ، سلبا أم إيجابا ، مصير عقد المؤتمر لهذه المصالحة العراقية ، الذي حدد له السيد عمرو موسى موعدا لانعقاده في 15 تشرين ثاني المقبل ، على الرغم من الشروط التقليدية ، المتشددة ، التي حددتها هيئة علماء المسلمين كشروط للمصالحة الوطنية ، والتي تخفي وراءها أهدافها في إعادة تأهيل البعث على المسرح السياسي من جديد ، إلا أن عمرو موسى لم يعتبرها شروطا \" إنما هي شرح لمواقف محددة من مختلف الأطراف ..وليست شروطا تعوق الحركة باتجاه المبادرة العربية ، فهي موضوعات سيطرحها الإخوان وسنعمل على تحقيقها ..\"والخطورة تكمن في أن السيد عمرو موسى سيعمل على تحقيق هذه الشروط ..! كيف ؟ هذا ما يضمره كمفاجأة عند انعقاد المؤتمر ..
لا شك أن أي مؤتمر أو لقاء بين قوى عراقية ـ عراقية ، أو عراقية ـ عربية ـ أجنبية ، يشكل منحى إيجابيا ، إذا كان هدفه تحقيق السلم والاستقرار للعراق ، يتوجب على كل القوى العراقية بكل توجهاتها ، دعمها وتوفير كل ما يلزم من قدرات ، لتحقيق أقصى ما يمكن من نجاح لهذه المساعي . وعقد مؤتمر للمصالحة ، الذي يزور العراق من أجله رئيس الجامعة العربية ، عمرو موسى ، بتكليف من وزراء الخارجية العرب ، ربما سيحقق بعض النتائج الإيجابية التي يرجوها ويتطلع لها الشعب العراقي ، في الحد من الإرهاب الطائفي المنفلت وتوفير أجواء آمنة لحياة العراقيين ، وبإلزام دول الجوار بتشديد المراقبة على حدودها مع العراق ، للتقليص من حجم وعدد المتسللين ، وغلق مراكز استقبالهم وتدريبهم على أراضيها ، وقطع مساعدات التموين والحماية لهم ، إلا أن عقده خارج العراق ، لن يساهم بشكل فعال وجدي في تحقيق الهدف المرجو من هذا المؤتمر ، لأنه سوف لن يحقق حضورا فاعلا للقوى السياسية العراقية بكل تلاوينها ، التي يهمها الوصول إلى نتائج إيجابية تحقق الهدف من عقد هذا المؤتمر ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى، ستفرض الجامعة بشخص رئيسها حضور أطراف بعثية لا زالت تمارس الإرهاب ، قتلا وتفجيرا ، بحجة المقاومة ، وبدورها ستطرح مشاريع وحلولا تعجيزية ،بهدف إفشال المؤتمر ، لن تحوز رضا وموافقة أغلبية الحضور العراقي ، لذا من الضروري أن يتم الاتفاق المسبق مع الجامعة العربية على :ـ
1 ـ عقد المؤتمر داخل العراق وليس خارجه
.2 ـ تسمية المؤتمر ب \" مؤتمر للوفاق الوطني العراقي \" وليس مؤتمر المصالحة ، فلا مصالحة مع القتلة والأرهابيين ، قبل أن يدينوا جرائمهم المرتكبة بحق الشعب العراقي
3 ـ الاتفاق مسبقا على تسمية القوى التي ستحضر ، مع ذكر أسماء المدعويين والجهات التي يمثلونها .
4 ـ شجب وإدانة الإرهاب بكل أشكاله وصوره ، من قبل الحضور .
إن أرادت الجامعة العربية ، فعلا ، أن تسعى للقيام بدور فاعل ومؤثر على الساحة العراقية ، وتكسب ثقة الشعب العراقي ، عليها أن تكون حازمة ، وتتخلى عن الكيل بمكيالين في تسمية الإرهاب بالمقاومة ، وتعمل على محاربته وإدانته بكل أشكاله وصوره ، القومي ـ الفاشي ، والديني ـ الطائفي بمختلف توجهاته ، الذي يرى في الساحة العربية ، وليس العراق وحده ، مشروعا لتغيير الأنظمة القائمة ، بإقامة أنظمة جديدة ، لا حدود ولا ضوابط لها ، غير ما يراه ويرسمه الخليفة أو الولي الفقيه أو الأمير الجديد...!
22 تشرين أول 2005
 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com