خذلوا المرأةَ العراقيةَ

نادية فارس

iraqi_dove@hotmail.com

 

حينَ أعربت رغد صدام حسين عن فخرِها بأبيها .. واقفاً في قفصِ الإتهام ومدافعاً عن نفسهِ رغم كل الأدلةِ التي تُدينه أمامَ شعبهِ ..ووصفته ٌ بأنهُ كان أسدا .

انبرت أقلامُ الرجالِ وتعالت أصواتُهم في مواجهةٍ.. تُعدُ إبنة زمانها في الردحِ الانترنيتي والفضائي .. للرد على الإبنة التي وصفت أباها وعصابتهُ بأنهم أبطالاً وأسوداً وأصحابَ حق .

صارت المعركة .. معركة ٌ بين رجالِ العراق وبينها .. لإسكاتِ رغد صدام حسين .. مفترضين أنهم بهذا الردح الصاعق سيتمكنون من إسكاتها .. ومتناسين أن حق الرد عليها كان يجب أن يكونَ من نصيب امرأةٍ عراقيةٍ فقدت حقها في الحياةِ أو الاطمئنانِ أو السلامةِ الجسدية والنفسية .. في حقبةٍ كان صدام حسين فيها مبعثاً لكل الجرائم التي ارتُكِبت في حق المرأة العراقية.

الردٌُ على رغد .. كان يجبُ أن يكونَ نسائياً .. ليس لأنها امرأة فقط .. بل لأنها ظنت أن أباها كان أسداً.

أما نحنُ .. الأربعة عشر مليون امرأة عراقية .. فبنات الواوية*!!

كان علينا .. كنساء عراقيات .. أن نخرجَ من دائرة الردح التي يقودها الأسود والواوية .. لنوقف رغد وأباها عند مفترق الطريق الذي يؤدي إما الى احترامنا .. أو الى مواجهةِ العقوبات التي ينص عليها القانون الدولي .

لكن النساء العراقيات .. المهمشات المخذولات .. لم يتجشمن مشقة الرد على رغد ..فالحالُ من بعضه كما يقول المثل .. ومواجهة رغد أو غير رغد .. سيكون بالنتيجة لصالح الاجندة المفروضة على العراق والتي تمهد لأكبر عملية اغتيال للمساواة الجندرية في العراق.

من حقها .. كإبنة لصدام حسين الذي لم يخذلها اثناء محاكمته .. أن تصفه بأنه أسداً.

مالغرابةُ في هذا؟

فكلٌ فتاةٍ بأبيها .. معجبة!

الغريبُ هو.. صمت النساء العراقيات لدحض دفاعها!

صمتنا

نحن.. النساءُ المخذولات!

صمتنا ..ازاء ادعائها بأنه أسد

هو الغريب!

صمتُ

العراقياتُ اللواتي فقدن قوةَ الصوت والحماسة للدفاع ..

نحنُ المدافعاتُ عن المرأة العراقية التي غرقت في بحار الحزن .. ووحل الانتهاكات التي كالها صدام وعصابته لحقوقها .

نقف اليوم .. مخذولات .. نرتكنُ زاوية منسية من زوايا العراق الجديد.. الذي لاجديد فيه سوى انتهاكات أكثر .. وتهميش أعمق غوراً .

 في محاكمةٍ لموقف الحكومات العراقية.. المتعاقبة منذ أكثر من ستين عاما وحتى الان .. من المرأة العراقية .. نجد أن صوت المرأة العراقية .. قد أصبح في خبر كان .. لعدم جدوى الدفاع أو الهجوم!

نحن نساءُ العراق ..اللواتي توصلنا الى حقيقة أن ٌ دفاعنا عن حقوقنا .. هو بالنتيجة دفاع ٌ عن الحكومة الكارتونية التي تتربعُ على عرش العراق المريض المقطع الأوصال .. المنهوب والمسلوب الإرادة ,,الرازح في الرزايا ..العراق الجديد الذي خذل المرأة .

خذلتمونا .. وتلاشت أصواتنا .. حتى أننا فقدنا الرغبة في مواجهة ابنة صدام حسين التي تعجب بأبيها بطريقةٍ فنيةٍ اعلاميةٍ مدروسة .

 ماخذلك أبوك يا رغد .. لكننا المخذولاتُ به وبمن جاء بعده!

كان بإمكاننا أن نرد ٌ عليك .. وأن ندمغ ادعائك( بأسوديته) في الغابة التي تضمنا وإياكِ .. وأن نقدم أدلتنا لنثبت لك أن أباك ليس أسداً ولابطيخ .. بل هو واحد ٌ من كثيرٍ من

الواوية ..الذين احتموا بحق الحماية الممنوحةِ للأنظمة السياسية .. فتصرفوا كلٌ على هواه.

 نحن المخذولات .. برجال حكومتنا الجديدة .. وبقوانينها الجديدة .. وبدستورها المعاق.

نحن المخذولات .. اللواتي طبلن ورقصن للرجال الذين اعتلوا هامات المجد السياسي على أكتافنا .. ركلونا وأقعدونا في زاويةٍ منسية .. بعد أن امتصوا رحيق تجاربنا ومعاناتنا وجراحنا ليحصلوا على مناصبهم ودولاراتهم .. ونساءهم وجواريهم ومحضياتهم .. وقصورهم وحرسهم الخاص .. وطائراتهم وميليشياتهم واسلحتهم .. وفضائياتهم وإعلامهم .. وراقصيهم وطباليهم وشعرائهم .. وتجارتهم وديانتهم .. وجوامعهم ومراقصهم.. تماما كما فعل أبو رغد سابقاً!

 على رغد صدام حسين أن لايأخذها حماسها كثيرا .. فتظن ٌ أن سكوتنا هو من اتفاقنا معها..على أن أباها كان أسداً!

عليها أن تعرف أن صمتنا هو جزء من سيناريو المرحلة!

لحسن حظها وحظ والدها أن حكومة العراق الجديدة .. خذلتنا .. وهمشتنا .. ووضعتنا في موقف لانحسد عليه!

فدفاعنا عن حقوقنا المنتهكة في زمن صدام .. ولٌد انتهاكات أكثر!

صرنا كمن لم يرض بالجزٌة .. قالوا له ..هاك جزٌة وخروف*!!

ولقد أدركنا أن وقوفنا كشهود في محاكمة صدام حسين .. لن يعيد لنا حق ٌ .. بل هو مجرد تقليب لمواجعنا .. من أجل انتصار ذكورية السياسيين العراقيين .. في الغابة التي تحتمل تصنيف سكانها الى صنفين فقط .. فهم إما أن يكونوا أسودا , أو واوية!

خذلتنا حكومتنا

وخذلتنا الأجندة السياسية

وخذلنا رجال الدين .. والاحزاب السياسية .. وجواري السلاطين

أمومتنا الثكلى مخذولة ٌ .. حد ٌ الكفر!

أنوثتنا مخذولة ٌ .. حدٌ الازدراء!

إنسانيتنا مخذولة ٌ .. حد ٌ الانهيار!

إننٌا مخذولات .. مخذولات .. بكل ماأنتجته مرحلة التغيير السياسي .. حتى أن ابنة صدام حسين صارت تتجرأ وتضع أصابعها في أعيننا .. وأعينكم .. لتعلن أن أباها أسد!

 إن ٌ هذا التهميش لحقوق المرأة العراقية .. ووضعها في أسر وعبودية الأجندة السياسية والدينية .. سيخدم المجرمين وليس الضحية .

ونساء العراق .. الضحايا ..يفقدن حقهن ٌ في الدفاع عن أنفسهن ٌ مرةً أخرى!

********

 في هذا الغرب الموحش من الكرةِ الأرضية .. القانونُ والمجتمعُ يمنحان المرأةَ القوة للدفاع عن نفسها .. فتنكشف احصائيات شبه دقيقة .. عن حالات الأغتصابات والأنتهاكات المبنية على أساس الأختلافات الجندرية! فهل بأمكان أجهزتنا السياسية والدينية والاجتماعية .. أن تكشف كم من الاتهاكات تتعرض لها النساء؟

 طبعا لا!

من المستحيل أن يكشف المستفيدُ من قوانين التمييز ضد النساء .. عن عريه!

فالمشاريع التي في ذهنه ..هي تجسيد وتعميق ٌ للعلاقات الجندرية الموبوءة بالجرب .. في مجتمعاتنا .

هو يسعى لامتلاك أربع نساء حلالاً زلالاً .. وماملكت أيمانه من الجواري!

والمرأةُ الضعيفةُ سهلةُ الأقتناص .. والأستعباد!

المرأةُ الضعيفةُ سهلةُ الوقوعِ ضمن .. حالة الاستسلام والتحول الى جارية!

سهلةُ التعرض للأغتصاب .. والسكوت على الجريمة!

سهلةُ القيادِ ..يمكنُ تسخيرُها ببساطةٍ كعجينةٍ مرنة ..وبطريقةٍ عمياوية!

سهلةُ الخضوع للقوامين عليها .. مهما اختلفت أشكالهم .. وأفكارهم .. وأزيائهم .. ولغاتهم .. وطوائفهم .. وخبثهم أو طيبتهم .. سياساتهم وعمالاتهم .. ديكتاتورياتهم وسرقاتهم .. جهلهم أو علمهم .. شخيرهم .. رائحة أفكارهم النتنة كجواريبهم ..تكاسلهم واتكاليتهم ..ركونهم الى فيء المساعدات الاجتماعية لأشباع كروشهم ..وحتى استخدامهم للغةِ وعنترياتهم ودون كيشوتياتهم ومقارعاتهم لطواحين الهواء!

مخذولات نحن ..بهم!

كما خذلنا صدام حسين

وكما خذلنا .. الدستور

وكما .. خذلتنا حربُ التحرير!

وكما خذلنا المجتمعُ الدولي!

وكما .. خذلتنا أميركا!

وكما .. خذلنا العرب والأكراد.. والشيعة والسنة .. والدينيون واللادينيون!

من حق رغد أن تقول عن أبيها بأنه كان أسدا!

ومن حقها أن تسمع صمتنا .. وأن تضحك على تهمشينا .. وأن تشمتَ بضياعِ حقوقنا!

ومن حقها أن تتفرج على عملية إصابتنا بالشلل المزمن ..وتحولنا الى كسيحاتٍ في العملية السياسية التي يقودها رجلُ الدين من صومعته في النجف!

من حقها ..ومن حقها .. ومن حقها!

 جنينا على أنفسنا بالتزام أحزاب المعارضة التي خدعتنا!!

 وعلى نفسها جنت براقش!!

 

 -----------------

*الواوية .. تعني الثعالب في اللهجة العراقية .. والتعبير هنا لمقارنة ضعف الثعالب مع قوة الأسد.

*مثل ٌ عراقي يُضرب لمن لم يرضَ بمشكلة واحدة فوجد نفسه أمام مشكلتين معا أشد تعقيداً.

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com