صراع السياسيين العراقيين بين المصلحة المشتركة والمكاسب الفردية

 

علي آل شفاف

talib70@hotmail.com

                                                            

اختلفت لغة وأدوات الصراع فيما بين التيارات السياسية المشاركة في العملية السياسية الجارية في العراق عنها أيام ما كانت تمثل أحزاب معارضة، وكانت السلطة بعيدة عن متناول أيديها.

بدأ الصراع السياسي فكريا ونظريا: هل أن الاقتصاد الإشتراكي أصلح أم الرأسمالي؟ وهل أن فصل الدين عن الدولة أفضل أم العكس؟ وهل أن هناك مسوغات كافية لقيام وحدة قومية؟ . . . الخ. ثم تطور الصراع إلى صراع نفوذ ومواقف، لكنه حافظ على إمكانية التوافق والائتلاف، بسبب إحساس كل منهم بحاجته للآخر، وكذلك لكون السلطة لا تزال بعيدة المتناول.

أما الصراع الدائر حاليا فهو صراع حول السلطة والحكم، يشوبه الجشع والانتهازية التي تمنع من التوافق، على الرغم من وجود المشتركات، وأهمها التهديد المشترك.

إن الاندفاع وراء جاذبية الكراسي، جعل البعض يحاول إزاحة خصومه عن طريق الاتهام والتلفيق والخداع. كما جعله يمد يديه لأي كان ـ حتى المجرمين ـ بانتهازية واضحة من أجل المساعدة في الحصول على مقعد برلماني أو مقعدين إضافيين. وذهبت كل الدعاوى التي تمتلئ بها أدبيات هذا البعض أدراج الرياح.

عندما يخسر بعضنا أصوات الناخبين، ويفقد فرصة الحصول على مقاعد في البرلمان؛ يضطرم قلبه غيضا، ويجيش صدره حنقا؛ ثم يتوقد ويتوهج ويتأجج ـ بروح تسامحية وديمقراطية منفتحة جدا!! ـ فيفقد صوابه ويقع في دوامة من الانفعال. ثم تبدأ الكلمات بالخروج من فيه دون تأمل، أو تتحرك أصابعه لتسطير الكلمات دون أن تمر (بفلتر) العقل.

وعلى الرغم من أن أكثرنا يدعي أنه ديمقراطي حتى النخاع، لكنه قد يكفر بالديمقراطية التي لا تجعل حزبه على رأس السلطة، ولا يقبل برأي الشعب أو خياره، إلا أن يختاره هو. وما إن يختار الشعب غيره حتى يتهمه بالغباء والتخلف والجهل.

بعضنا ـ أيضا ـ يصف منافسيه بالمتخلفين أو الرجعيين باستعلاء أجوف وبعنجهية فارغة حشوها بعض المصلحات الجوفاء التي يكتبها أو (يتمضمض بها فوه) زهوا وتيها وخيلاء أمام البسطاء. ظانا ومتوهما أنه قد امتلك أدوات الفكر، وأمسك بتلابيب الحكمة. لكنه منهما أفرغ من فؤاد أم موسى. 

قد لا يستغرب المرء كثيرا عندما يشاهد أو يسمع أو يقرأ ما  تصدره وسائل الإعلام العربية المعادية للعراق، وما يكتبه محللوها وسياسيو ها وإعلاميوها، وقد أصبح أمرهم بينا وجليا؛ إلا أنه يقف مذهولا ومصدوما أمام ما يكتبه بعض العراقيين، الذين يفترض أنهم ممن وقع تحت سياط القهر والظلم، وعانى من كابوس الموت الذي لم ينفك جاثما على صدورنا، منذ ما شاء الله وإلى ما شاء الله.

إننا لنجد في كثير من الكتابات معولا ليس للهدم وحسب، بل لحفر مقابر جماعية جديدة؛ إذ يكتب بعضنا بغوغائية سياسية تنافسية ليس لها من دافع سوى المكاسب الرخيصة، بحيث لا نجد في كتاباته أي حس إنساني، أو وازع وجداني، وغالبا ما يكتب من برجه العاجي، دون أن ينزل إلى الواقع، ليبادل أفراد المجتمع الشعور بالمعاناة والآلام والآمال والطموحات.

تتمثل الواقعية السياسية في المنهج السياسي الذي يمتثل لرغبات وآمال وطموحات الشعب وحاجاته المباشرة، وليس في التنظير الفوقي. كما أنها تتمثل بقبول المخالف، لأن الحقيقة والصواب ليسا حكرا على أحد، فكل منا قد يمتلك شيئا منهما. ولكل منا الحق بالتعبير عن قناعاته والترويج لها بالطرق السلمية الحضارية، والشعب هو معيار النجاح أو الفشل. لكن يبدو أن الاختلاف في الرأي عندنا يفسد كل ود، ويعزز كل حقد. لأنه أصبح ممرا للوصول إلى كرسي الحكم.

لا أدري لماذا لم ينزل الذين ساءهم أن الشعب العراقي اختار ذوي التوجه الديني إلى الشارع، ليعرفوا أسباب ودوافع هذا الخيار.

على جميع الأحزاب والحركات مراجعة أفكارها ومناهجها، وإعادة تقييم مسيرتها، ومحاولة تقديم الجديد، الذي بإمكانه إشعار الشعب بمصداقيتها وجديتها وكفاءتها، وقدرتها على مجابهة التحديات. لعل هذه من الفوائد المفترضة للديمقراطية (وبورصة الأصوات)، فمن يقدم الأفضل كما ونوعا، هو الذي يحصل على أصوات أكثر.

فالسعي ـ إذا ـ لكسب أصوات الشعب لا يكون عن طريق الإقصاء والتسقيط والكذب، وكيل التهم الفارغة والمكر والخديعة، بل بتقديم الأفضل. فبدلا من أن نتهم الآخرين بالعمالة أو التخلف أو الرجعية علينا أن ننظر ماذا قدمنا نحن للشعب؟ ولماذا لم يصوت لنا الشعب ونحن نزعم التقدمية، والدفاع عن الحرية، ومحاربة الاستغلال، والسعي لتحقيق الرفاه الإجتماعي؟ هناك خلل ما، وعلينا فهمه ومعالجته.

إن الصراع الدائر حاليا في أروقة الإعلام المختلفة بين بعض التيارات السياسية في العراق، يبدو ـ وكأنه ـ صراع بين حمقى أو متطرفين أو جشعين أعماهم شدة لمعان الكراسي عن الخطر الحقيقي الذي يهددهم. فكلنا يرى ويسمع ويعي ما يجري على الساحة، والجميع مهدد من قبل القتلة والمجرمين الإرهابيين، الذين لا يفرقون بين يميني ويساري، وإسلامي وعلماني. فالكل لديهم كفرة ومرتدين ودمهم مهدور.

أليس من الحمق أو الغفلة أن نترك ساحة الصراع الحقيقية، لنوجه كافة جهودنا وإمكاناتنا وأفكارنا ـ  وخصوصا الجهد الإعلامي ـ نحو بعضنا البعض. فعلى غير المتطرفين من جميع الأطراف (المشاركة في العملية السياسية) أن يكونوا جبهة واحدة ـ ولو براغماتيا ـ في مواجهة الإرهاب الأسود، مع احتفاظ كل منهم بحق السعي للفوز بالإنتخابات. أي أن لا يكون السعي للفوز بمقاعد برلمانية، وسيلة لإضعاف العملية السياسية. وبالتالي استغلالها من قبل أعداء العراق، ومن ثم خسارة الجميع. وهكذا عليهم أن يؤجلوا ويرحلوا كافة القضايا الخلافية بينهم إلى وقت آخر، قبل أن يندم الجميع.

ثم لا أدري من أين أتى اعتداد كل منهم بنفسه، وكأنه المخلص والمنقذ لشعبنا البائس؟!!

فليس لديهم ـ في الغالب ـ إلا اجترار لأفكار عفى عليها الزمن، ولفظها الواقع، وتقيأتها الحقيقة، وزفرتها الأذهان، واستهجنتها عامة الناس.

ولا أدري كيف يطلب الهدى من تائه ضائع لا يعرف طريقه. إذ لا نعرف لأكثرهم منهجا أو مشروعا واضحا لنرى رأينا فيه؟ فمثلا هناك البعض من يصنف نفسه اشتراكيا، هو رأسمالي بالعمل والممارسة، وديمقراطي بالدعوى والمداهنة، وهو ليبرالي عند الجدل والمراء والدعاية، وقد يكون بعثي الهوى وقومي الميول، كما قد يكون إسلامي التوجه والعرف. وكذا بعض  الإسلاميين وبعض القوميين.

فعلى من يحمل فكرا أو عقيدة، ويؤمن بها؛ أن يطرحها بكل جرأة ووضوح، ويدافع عنها ويناظر فيها. لا أن ينحني أمام أصغر العوائق وأضعفها، ليداهن ويهادن للحصول على مكاسب رخيصة.

أيها السادة! أفكارنا ـ جميعا ـ  مقتبسة في الغالب، ولا يوجد لدينا في الوقت الحاضر مفكر أصيل واحد ـ على حد علمي!!! فكفاكم هذا التعالي الزائف على بعضكم.

فكلكم يغرف من حوض غيره، ويغمس في إناء جاره . . وفوق هذا وذاك، كلكم موضوع لنفس التهديد.

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com