الرحلة بين بغداد والمحافظات الجنوبية هي حديث الناس اليومي ، حيث تعتبر من اخطر المغامرات التي يمكن ان تؤدي بصاحبها الى الذبح على يد الارهابيين وهم غالبيتهم من الشرطة ، وخاصة في مناطق الحصوة واللطيفية والمحمودية، حيث تعتبر مراكز الشرطة ونقاط السيطرة في هذه المنطقة وكرا للارهابيين المندسين في صفوف الشرطة. وكلمة مندسين ربما لا تعني حقيقة الامر فالشرطة في هذه المناطق هم من ابنائها وعملية تعاونهم او ايصال المعلومات الى الارهابيين هو شيئ طبيعي جدا، لما لهذه المناطق العشائرية من صلات قربى وصلات اخرى كون ان معظم ابنائهم من اجهزة الامن والمخابرات السابقين ومن يمتنع عن التعاون يعني الموت بالنسبة له ولعائلته، ولهذا قد حصل الارهابيون على نفس اجهزة اوتو توكي التي يستعملها الشرطة، فما ان يمر احد مواكب المسؤولين بنقطة سيطرة في هذه المنطقة حتى يقوم المسؤولون عن نقطة السيطرة بأبلاغ الارهابيين المتواجدين على حافتي الطريق عن هوية المسؤول وعدد السيارات وكافة المعلومات المهمة عن طريق جهاز الاوتو توكي والذي تصل مسافته الى عشرة كيلومترات, وهذ ينطبق على المسافرين العاديين الذين يتم اختطافهم وذبحهم من قبل الارهابيين.( علما ان اجهزة الموبايل غالبا لا تعمل في هذه المناطق) .
لكن ما حدث معي هو شيئ اخر، كنا نسمع عنه يوميا وهو انه نتيجة قطع الامريكان للطريق العام ، قد ارغم المسافرين ان يسلكوا الطرق الترابية في منطقة اللطيفية مما ادى الى اختطافهم وذبحهم من قبل الارهابيين ولكن الحقيقة غير ذلك تماما فالذي يقطع الطريق ليس القوات الامريكية كما يشاع وانما سيطرات الشرطة العراقية من اجل ارغام المسافريين على سلوك الطرق الترابية في بساتين اللطيفية والحصوة.
واليكم القصة: غادرت مدينة بابل يوم 12/10/05 عند الساعة السادسة والنصف صباحا مع احد سواق التاكسي وعند اجتيازنا نقاط السيطرة المنتشرة على طول الطريق والتي لا يفصل بينها في بعض الاحيان سوى بضعة مئات من الامتار ، كان مرورا سلسا حتى وصلنا منطقة الحصوة حيث كانت هناك نقطة سيطرة لم توقفنا ، وعند اجتيازها ببضعة مئات من الامتار كانت هناك نقطة اخرى قد اغلقت الطريق المؤدي الى بغداد وامرت المسافرين بالعودة بحجة ان لا يسمح بدخول بغداد على الرغم من ان بيان وزارة الداخلية قد حدد ايام منع التنقل بين المحافظات ابتدا من يوم 13/10 وليس ي 12/10 ، والغريب في المشهد ان الطريق قد اغلق من قبل بعض رجال الشرطة ورجال مدنيين كانوا ينصحوا الناس بالتوجه الى الطريق السريع ، لانه مفتوح كما ادعو وهذا يعني ان على المسافرين ان يسلكوا الطريق الترابي في بساتين اللطيفية ، وعند عودتنا فوجئنا بان نقطة السيطرة التى اجتزناها توا قد اغلقت طريق العودة ومنعت المسافرين من العودة من حيث اتو، وكان رجال الشرطة يشيرون على الناس ان يتجهوا الى الطريق السريع ، عندها لاحظت سيارة شرطة تقف على حافة الطريق وفي داخلها ضابط برتبة مقدم وسائق السيارة واثنان في المقعد الخلفي لا يبدو انهم من رجال الشرطة، توجهت الى الضابط وطلبت منه تفسير ما معنى ان نتجه الى الطريق السريع ونحن للتو جيئنا من طريق سالك، كان يحمل جهاز الاتصال الاوتو توكي، كانا الشخصين في الخلف يراقبون الموقف، وبعد الحاحي على النقيب طلب مني ان اعطيه اسمي ووضيفتي ورقم السيارة التي استقلها، وفعلا اعطيته المعلومات وغادر على ان يعود بعد قليل ، في هذا الوقت كان يسمح لبعض السيارات من ابناء المنطقة بأجتياز النقطة, في هذه الاثناء توجه نحوي احد الواقفين في وسط الشارع والذي كان يرقب المشهد وطلب مني مغادرة المكان بكل صورة ، قال بالحرف ( استاذ لازم تمشي منا الان وليس بعد دقيقة واياك والذهاب الى الطريق السريع) سألته ما السبب ؟ قال لا تسأل لقد اخذ النقيب اسمك ورقم سيارتك وهذا يكفي، عندها احسست بالخطر اكثر ، فتوجهت الى الملازم الذي كان يمنع الناس من العودة وهو شاب برتبة ملازم منظره يوحي بأنه شحاذ اكثر من ضابط شرطة، واخبرته بان النقيب قد سمح لي بالمغادرة، وفي هذه الاثناء تدخل الشخص الذي نصحني بالمغادرة ليؤكد للملازم موافقة النقيب على مرور سيارتي كما اكد ذلك سائقي، عندها سمح لنا ذلك الشحاذ- الملازم بالمرور، لكن خلفنا تركنا مشهدا مروعا مجموعة من البشر يتحلقون حول الضابط- الشحاذ، للتوسل بالسماح لهم بالعودة من حيث اتو لكن الملازم – الشحاذ كان يأمرهم بسلوك الطريق الترابي حيث ينتظرهم المصير المحتوم، كان هناك شخصا ملتحيا يحاول جاهدا تقبيل يدي الملازم – الشحاذ من اجل السماح له بالعودة لكن دون جدوى كان الرعب باديا على ملامحه،.
عند عودتي كنت اراقب وسائل الاعلام فلربما اسمع خبرا عن العثور على جثث مقطوعة الرؤوس في منطقة الحصوة- اللطيفية.
كل ما نسمعه من حوادث قتل وخطف في هذه المنطقة يتم بهذه الطريقة تماما حيث يغلق الطريق من قبل الشرطة الارهابيون وبالاتجاهين ثم يجري دفع الناس بأتجاه الطرق الترابية حيث الذباحون ينتظرون هناك ويجري ابلاغهم من خلال جهاز الاوتو توكي من قبل شرطة السيطرات.
ان توظيف الشرطة في هذه المناطق من ابناء المنطقة انفسهم هو من اكبر الاخطاء الامنية بل هو الغباء بعينه حيث هؤولاء ان لم يكونوا من الارهابيين او المتعاطفيين معهم فهم لا يستطيعوا سوى التعاون معهم حفاظا على ارواحهم وارواح عوائلهم الذين يسكنون معهم في نفس القرية.
انني اطالب كل من يستطيع ارسال هذه الرسالة الى السيد وزير الداخلية او وزير الدفاع او مستشاري الامن القومي وما اكثرهم وان ينشروا تجربتي هذه من اجل عدم الوقوع في خدعة اغلاق الطريق من قبل قوات التحالف ومن اجل ايقاف هذا الذبح اليومي للابرياء من قبل رجال شرطة العراق الجديد.
لقد حاولت من جانبي ان اوصل هذه الرسالة لكن يبدوا ان هناك اهتمامات اخرى لدى المسؤولين وهي التحالفات الانتخابية وعقد الصفقات السياسية وان اخر اهتمامات هؤلاء هي ارواح الناس.