المليشيات وتدهور الوضع الأمني.. !
هادي فريد التكريتي
26 تشرين أول 2005
hadifarid@maktoob.com
َخًفت، ولم تتوقف، وطأت الإرهاب، بكل فروعه وأنواعه، من تفخيخ ونسف واغتيالات، منذ بداية التصويت، بنعم أو لا، على مسودة الدستور، والبدء بمحاكمة صدام وبعض من زمرته، وبداية زيارة أمين عام جامعة الدول العربية، عمرو موسى للعراق، بهدف \" المصالحة \"، لتعود بعد نهاية هذه الأحداث، حالة الإرهاب والفلتان الأمني إلى أسوء مما كانت عليه قبلها، لتعصف من جديد بأمن المواطنين، بعنف أشد، وليطال الإرهاب حتى منطقة كوردستان، المتمتعة بأمن واستقرار متميزين، عما يحدث في المناطق العربية . فقد تمت تصفية شخصيات عراقية، لها علاقة بحزب البعث، وآخرين من المحامين، في هيئة الدفاع عن بعض رموز النظام السابق الذين مثلوا أمام المحكمة، كالمحامي البعثي السابق سعدون عنتر الجنابي، كما طالت هذه التصفيات رجال أمن وضباط شرطة، لم يعلن عن هوياتهم الطائفية، أو انتماءاتهم السياسية، كما شمل الإرهاب قتل بالجملة لعدد من العمال، كما حصل في بلدة المسيب، لا علاقة لهؤلاء الضحايا بالسياسة، بقدر ما للإرهاب من علاقة في زعزعة الأمن والاستقرار وإشاعة حالة الفوضى، بهدف إظهار ضعف وعجز الحكومة، ونزع ثقة المواطن منها، أولا، وثانيا تشويه ما يجري على الساحة أيضا من محاكمات لرموز النظام السابق والتأثير على سيرها، ومحاولة لإفشال ممارسة الاستفتاء على الدستور بغض النظر عن القول ب \" نعم أو لا \" وحرمان المواطن من حقه في مشاركته لإعادة بناء مؤسسات دولته المدمرة، ونسف ما تحقق، ابتداء، من الأجواء الإيجابية ل \" المصالحة \" التي يقوم بها أمين عام الجامعة العربية . فبعض القوى لا تريد لهذه الزيارة أن تحقق أي هدف جاء من أجله عمرو موسى، وقد أعلنت رفضا لهذه الزيارة قبل أن تحصل، ربما لعلمها بما يدور خلف الكواليس، ولما ستسفر عنها من نتائج، إن سارت وفق السيناريو المعد لها سلفا، من قبل بعض أركان الحكم وإدارة بوش، فإن حققت الزيارة نجاحا، فلن يكون هذا في صالح من يخطط لإبعاد العراق عن محيطه العربي، على الرغم من أن مواقف الجامعة، وبعض الدول العربية، لا زالت بعيدة عن الموقف العراقي الشعبي والرسمي .. وفي تصريح لرئيس الجمعية الوطنية، السيد حاجم الحسني عن زيارة عمرو موسى قال : \" الزيارة ناجحة جدا لأن موسى نجح في تحقيق التقارب العراقي ـ العراقي، والعراقي ـ العربي ... ومن الخطأ القول أن القوى السياسية العراقية الموجودة في السلطة استطاعت كسب موسى لصالحها لأن الرجل التقى أطرافا داخل السلطة وخارجها، وهنا سر نجاح مهمته ...قبول كل الأطراف التي التقاها موسى، بمبدأ المشاركة في مؤتمر الوفاق الوطني، الذي سينظم إليه في القاهرة منتصف الشهر المقبل، مؤشر قوي إلى إمكان نجاحه في تحقيق الوفاق \"إذن ما حققه موسى لم يكن برغبة أو تأييد من القوى السياسية التي هي في الحكم، في إشارة واضحة إلى أنهم لم يكونوا معارضين للزيارة فقط، بل ولكل ما توصل إليه من نتائج، إلا أن الإعلان عن هذه المواقف والجهر بها ينزع مصداقية ادعاءاتهم الوطنية، وما يعلنونه من السعي لوقف نزيف الدم والدمار الذي يلحق بالعراقيين منذ سقوط النظام، بسبب الإرهاب ودعم دول الجوار له، وإجراءات الاحتلال التي ساعدت على تعميق البعد الطائفي ورسم خطوط لتقسيم العراق وتجزئته لدويلات تحقق المصالح الأمريكية مستقبلا .
إن كان الهدف من تصعيد الجرائم الإرهابية تأجيج حالة صراع عراقي ـ عراقي، فغالبية العراقيين، بكل قومياتهم وطوائفهم واعون لما تهدف إليه وما تخطط له هذه القوى، الطائفية والعنصرية، وما ترتكبه من جرائم شنيعة بحق المواطن والوطن، ولا يمكن لهذه الجرائم أن تحدث، دون وجود ميليشيات تحت الطلب، تنفذ مشيئة الغير، متهيئة ومجهزة بكل ما يمكنها من أداء ما مطلوب منها من تأدية هذه المهام بنجاح، ومثل هذه القوات معروف ولاءها، كما هو معروف من يتقاسم دعمها ووجودها على الساحة العراقية، من قوى قومية وطائفية بمختلف اتجاهاتها المذهبية، وهي ما أفسدت ولا زالت تفسد تنفيذ بعض التوجهات الديموقراطية والسلمية التي أجمعت عليها قوى الحركة الوطنية المعارضة للنظام قبل سقوطه، وأثناء الحكم الانتقالي وُضعت موضع التطبيق بعض آليات ديموقراطية تضمن، إلى حد ما، حالة استقرار للبلد، تمثلت في انتخابات عامة، ومجيء جمعية وطنية أعدت مسودة دستور، أُقر عند طرحه للاستفتاء الشعبي، فكل هذه البدايات رغم ما تحتوي عليه من نواقص، إلا إنها مؤشر إيجابي في التوجه لمعالجة حالة الأمن والاستقرار المفقودان في البلد، إلا أن هذه الخطوات لا ترضي ولم تحقق أهداف بعض دول الجوار، خصوصا سوريا وإيران، اللتان تريدان أن يبقى العراق ساحة صراع مفتوحة، لتصفية حسابات، قديمة وحديثة، لا زالت لم تحسم ضد أمريكا، فسوريا تعتمد على ما تسميه ب \" المقاومة الشريفة \" (لمعلومات القارئ هي غير شريفة بالمرة، إن لم تكن عاهرا، كشقيقتها \"عاهر الثورات \" في 8 شباط من العام 1968 ) وهي خليط مشترك، مؤلفة من بعثيين وأصوليين تابعين ل \" هيئة علماء المسلمين \" ويتمتع بحمايتها أبو مصعب الزرقاوي وجماعته، والإيرانيون لهم تأثير فاعل ومؤثر على ميليشيات قوات بدر، لا تنكر إيران تأسيسها وقيادتها لهذه الميليشيات، كما تدريبها والصرف عليها منذ بداية تشكيلها وإعدادها وحتى اللحظة، ولم ينكر السيد عزيز الحكيم خضوعه ومجلسه وميليشياته هذه، قوات بدر، لإيران، إضافة لميليشيات جيش المهدي، الخاضع لتوجيهات دولة \"الولي الفقيه \" مباشرة، كل هذه الميليشيات الطائفية تمارس الاختطاف والقتل والتفجير والأرهاب في العراق لحساب من ذكرت، وضد مصلحة الشعب العراقي وأهدافه في تعزيز أمن المواطن وحريته، وتأمين حاجات عيشه، والحكومة تعلم وتدري بكل ما يجري، إن لم يكن بعض رموزها مساهمين فيما يحصل . والمسؤولون عن هذه الميليشيات وما ترتكبه من جرائم، يتمتعون بحصانة الجمعية الوطنية، وبحماية القانون، وهذا ما أشار إليه وزير الداخلية، جبر صولاغ، ضمنا في حديثه أول أمس عن جرائم القتل والاختطاف المرتكبة في الأيام الأخيرة، وهو خبير أمني مارس هذه المهمة قبل تقلده لمنصبه كوزير للداخلية، حيث شخص بدقة القائمين بهذه الجرائم، وقال إن ميليشيات الأحزاب قد احتوتهم وزارتي الداخلية والدفاع، ومن غير المسموح به أن تمارس هذه المليشيات أعمالا خارج القانون .. ومن السخرية أن يطالب السيد وزير الداخلية الشعب بالتعرف جيدا على هؤلاء المجرمين عند مداهماتهم لدور أو مكاتب المواطنين، لغرض مساعدة الحكومة في إلقاء القبض عليهم ومحاسبتهم، وذلك بالتعرف عليهم ومعرفة أنواع السيارات والأسلحة وحتى الملابس التي ترتديها هذه القوات .. وهو يعلم علم اليقين، أنهم ينفذون أوامر رسمية، مخططا لها مسبقا، وقد حصلت موافقته عليها سلفا، كعضو قيادي وكادر متقدم في منظمته، المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، التي تدير وتشرف على هذه المليشيات، إلا أن المصلحة الإيرانية، التي يحمل جنسيتها السيد الوزير، هي فوق مصالح الشعب والوطن العراقي، وما تهدف إليه وتسعى إيران هو واجب التنفيذ، والتقارب العراقي ـ العربي، ضمن جامعة الدول العربية، هو خط أحمر لا توافق على عبوره إيران بأي شكل كان، ويجب العمل على إفشاله مهما كان الثمن، وهذا لم يكن خارج نطاق التحالف الإيراني ـ السوري في ارتكاب الكثير من الجرائم . وما تمارسه سورية من دعم لهذه \" المقاومة الشريفة \" يصب في إفشال كل خطوة نحو تحقيق أي بادرة وفاق بين العراقيين، وما حدث في ساحة الفردوس، أول أمس، من تفجير لثلاث سيارات في مكان واحد، له دلالات واضحة ومؤشر جلي على من وراء هذه الجريمة، التي راح ضحيتها العشرات من الأبرياء، عقب نجاح عمرو موسى في مهمته الوفاقية في العراق .. فمنفذي جرائم القتل والتفخيخ من زرقاويين وبعثيين، وحماتهم والمتسترين عليهم من \" هيئة علماء المسلمين \" وأزلامهم من ملثمين وسافرين، ستستمر وتتصاعد جرائمهم،إذا لم يدرك البعض من المسؤولين أنهم يلعبون بمقدرات الأمن الوطني وحياة المواطنين، وعليهم أن يضعوا حدا آنيا وفوريا لكل المليشيات الطائفية، التي ضاق بها ذرعا حتى وزير داخليتنا الذي يشرف عليها في وزارته، وإلا فستحرقه ومن ورائه، خصوصا وإن الانتخابات القادمة على الأبواب ..!