التسلح النووي الأيرانى - تهديد مباشر لأمن العراق

 

 

جودت هوشيار

1-مقدمة

في الوقت الذي يعبر فيه المجتمع الدولي عن قلقه البالغ لسعى إيران الحثيث لامتلاك السلاح النووي ويعتبر هذا السعي تهديدا لأمن واستقرار المنطقة والعالم،ورغم أن الخطر النووي الأيرانى يمس العراق في الصميم،ويشكل خطرا كبيرا ومباشرا على أمنه و سلامته ، أكثر من اى دولة أخرى في المنطقة، إلا أن المسؤولين العراقيين الجدد لزموا الصمت المطبق حول هذا الموضوع ولم يصدر عنهم اى رد فعل ،حتى حول التقارير التي تحدثت عن امتلاك إيران فعلا للرؤوس النووية والصواريخ الحاملة لها، وإنشاء مخابئ للأسلحة النووية الإيرانية على مقربة من الحدود العراقية وكأن ألأمر لا يعنى العراق على ألإطلاق ولا علاقة له بما يحدث على حدوده الشرقية وليس هذا التجاهل، نتيجة لسذاجة سياسية،بل أن المصالح الحزبية والطائفية الضيقة لأحزاب الإسلام السياسي الموالية لإيران، هي فوق كل اعتبار لديها و أهم من امن العراق وسلامة أراضيه ومستقبل شعبه.

ولا شك أن امتلاك إيران للسلاح النووي ، إخلال خطير للتوازن العسكري القائم في المنطقة و بين العراق وإيران على وجه الخصوص ،في وقت يمر فيه العراق بأدق مرحلة في تأريخه المعاصر ويفتقر إلى ابسط مقومات حماية أمنه واستقلاله،و يتعرض إلى غزو ارهابى حقيقي من دول الجوار يستهدف عرقلة العملية السياسية الجارية فيه عن طريق إشاعة الرعب والفوضى في البلاد و زرع الفتنة الطائفية ومحاولة إشعال فتيل الحرب الأهلية.

ويمكن للمرء أن يتصور مدى الخطر المحدق بالعراق في حالة نشوب نزاع مسلح بين إيران وبين الولايات المتحدة ألأميركية أو إسرائيل، أو اى نزاع بين العراق وإيران.سواء أكان هذا النزاع حدوديا أو ناجما عن التدخل الأيرانى السافر في الشؤون الداخلية للعراق.

 

( 2 )البرنامج النووي العسكري الأيرانى

منذ نهاية حرب الخليج الثانية تسارعت وتيرة تطوير البرنامج النووي العسكري الأيرانى،حيث استغلت ايران انشغال الولايات المتحدة الأميركية والمجتمع الدولي بمناورات صدام للتحايل على قرارات مجلس الأمن وعرقلة إعمال لجان التفتيش ،ويبدو أن حكام ايران قد استوعبوا جيدا أساليب صدام في الخداع والتسويف والمماطلة و قد استخدموها بنجاح في السنوات القليلة الماضية ويستخدمونها اليوم في الهاء المجتمع الدولي والوكالة الدولية للطاقة الذرية للتنصل من الالتزامات المترتبة على ايران بموجب ( اتفاقية منع الانتشار النووي )و (البروتوكول الأضافى لاتفاقية الضمانات ) ،حيث يلجأ هؤلاء الحكام إلى المهادنة أحيانا والى التشدد أحيانا أخرى،وفق التحولات الإقليمية والدولية من اجل كسب الوقت وليتسنى لإيران تصنيع السلاح النووي وتجربته وتكوين رصيد ستراتيجى منه , وقد لوحظ فئ الأشهر الأخيرة تصلب الموقف الأيرانى حيال مطالبات الوكالة المتكررة، بضرورة التزام إيران ( بالبروتوكول ألأضافى) ،حيث رفض البرلمان الأيرانى التصديق على هذا البروتوكول في سبتمبر الماضي، ولجأ المسؤولون الإيرانيون إلى استخدام لغة التهديد والوعيد و قالوا إن إيران سترد بقوة على اى ضربة محتملة توجه إلى منشاتها النووية من قبل الولايات المتحدة الأميركية أو إسرائيل، وبلغ التحدي الأيرانى للمجتمع الدولي ذروته في إعلان الرئيس الأيرانى مؤخرا بضرورة إزالة إسرائيل من الوجود ، مما أثار تساؤلات مشروعة عن الهدف الحقيقي للتسلح النووي الأيرانى.

 ومن الواضح تماما أن تصريحات المسؤولين الإيرانيين لم تأت من فراغ وليست مجرد كلمات جوفاء، بل تستند إلى انجازات تكنولوجية مهمة في التصنيع العسكري.

 و تركيز القيادة الإيرانية المتشددة على إنتاج الأسلحة الستراتيجية ، هو في الحقيقة محاولة لإنقاذ النظام المتداعي من الانهيار، حيث أن القلق يساور قادة النظام الثيوقراطى الحالي من اتساع الرفض الشعبي لسياساتها وشعاراتها الجوفاء وأيديولوجيتها الجامدة والمتخلفة التي دب فيها الانحلال التدريجي بمرور الزمن على مدىاكثر من ( 26 )عاما و لم تعد تلقى القبول لدى الأغلبية الساحقة من الشعب الأيرانى.

وتدرك القيادة الإيرانية الحالية جيدا-- شأنها في ذلك ، شأن اى نظام دكتاتوري آخر -- أنها بحاجة إلى عدو اجتبى كي تستمر في الحكم وان المخرج الوحيد من أزمتها الراهنة، هو حشد التأييد الشعبي ضد هذا العدو الخارجي ، ولكن ثمة في دهاليز السياسة الإيرانية أقلية من البرغماتيين بزعامة رفسنجانى، كانت حتى إلى وقت قريب ترى أن الحرب مجازفة خطيرة للغاية، بيد أن انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان وقطاع غزة و الصعوبات التي تواجهها الولايات المتحدة الأميركية في العراق والخلافات بين أميركا وحلفائها حول ألأزمة العراقية،والموقف المرن لدول أوروبا الغربية من الملف النووي الأيرانى ،كل هذه العوامل، أدت إلى تقوية موقف القيادة الإيرانية المتشددة، لذا فأنها لا تشعر بالخطر من أية ضربة أميركية أو إسرائيلية محتملة ، بل على النقيض من ذلك ، تسعى هذه القيادة إلى المجابهة عن طريق التسخين المستمر للأزمة الحالية ‘ سواء برفضها إخضاع منشاتها النووية للتفتيش أو التحرش بالقوات الأميركية و ألانجليزية في العراق، الذي لا يستهدف الضغط على الولايات المتحدة الأميركية لتليين موقف الأخيرة من الملف النووي الأيرانى فقط ، كما يظن البعض ، بل إجبارها على الانسحاب من العراق وإقامة حكومة دينية تدور في الفلك الأيرانى.ومن اجل تحقيق هذا الهدف ، لا ترى القيادة الإيرانية الحالية مانعا من تجهيز التكفيريين الوهابيين أيضا بالسلاح وتقديم الدعم اللوجستى لهم أسوة بما تقدمه للأحزاب الطائفية الموالية لها في العراق.ويبدو أن حكام ايران سائرون على خطى صدام في محاولة الهيمنة على المنطقة وافتعال المشاكل والأزمات والنزاعات المسلحة، التي سيكون الشعب الأيرانى الخاسر الأكبر فيها.

 

(3) مخاطر السياسة الذيلية للأحزاب الطائفية

 إن قادة الأحزاب الدينية الذين عاشوا سنوات طويلة في إيران وتشبعوا بالأيديولوجيا الطائفية وشكلوا ميليشيات تدربت على ايدى الحرس الثوري الأيرانى ولهم علاقات وثيقة بإيران وما زالوا يتلقون منها الدعم المالي والتسليحى، هم اليوم عقبة كبيرة إمام إقامة نظام ديمقراطي في عراق قوى حر ومزدهر.،يضمن العيش الكريم لأبنائه ذلك لأن ألإرهاب المتسلل من حدود العراق الشرقية لا يقل خطرا عن الإرهاب الوافد من حدوده الغربية ، حيث تتستر الأحزاب الطائفية الموالية لإيران على هذا التسلل و تتعاون مع الطابور الأيرانى الخامس الذي يرصد كل كبيرة وصغيرة على الساحة العراقية ، وقد وصل الأمر إلى حد قيام بعض المسؤولين العراقيين بتسريب الأسرار العسكرية والسياسية التي تخص امن العراق إلى القيادة الإيرانية.

ويقول دبلوماسي غربي” يجب أن تعلم إن اى شيء تقوله أو تشاركه مع الحكومة العراقية يصل في نهاية المطاف إلى طهران وان أكثر الأمور إزعاجا هو التأثير المتصاعد لإيران، لدرجة أن رئيس الوزراء ، يريد أن يكون لديه إيرانيون معترف بهم كمجموعة أقلية في الدستور العراقي المقترح."

ويخطأ من يظن أن الأطماع الإيرانية في العراق وليدة اليوم ، بل أنها تعود إلى مئات السنين والغزوات الإيرانية للعراق عبر التأريخ -- بصرف النظر عن طبيعة الأنظمة التي حكمت إيران في العهود المختلفة – عديدة ومعروفة وشهية إيران مفتوحة اليوم أكثر من اى وقت مضى لابتلاع العراق و الهيمنة عليه ، تأمينا لمصالحها الإستراتيجية ، التي تتقاطع تماما مع المصالح العراقية العليا.

وإذا كانت محافظة ألأنبار قد سقطت أمام الغزو السوري، فأن محافظة البصرة قد سقطت إمام الغزو الأيرانى ، و سوف تؤدى السياسة الذيلية للحكومة الحالية إزاء الأطماع ألإيرانية - في حالة استمرارها - إلى سقوط المحافظات الجنوبية ، الواحدة تلو ألأخرى في حضن ايران، وليس ثمة ما يحول دون ذلك، ما دامت (1200)كيلو متر من الحدود المشتركة مع ايران مفتوحة أمام عملاء المخابرات الإيرانية والحرس الثوري الأيرانى، ولا يخطر ببال اى مسؤول عراقي، أن يتساءل بينه وبين نفسه ، لماذا تتسلح ايران بالسلاح النووي وضد من سوف يستخدم هذا السلاح الفتاك؟إذا لم يكن لتهديد العراق ودول الخليج من اجل فرض الهيمنة الإيرانية على المنطقة .

 

.

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com