الكلمة الواعية المسؤولة سلاح قوي فعال وماض وأقوى من الرصاص,وأما الكلمة اللاواعية واللامسؤومة فهي قنبلة ذرية تنذر بالشؤم والخراب ,وتحيل الواحات الخضراء إلى أرض يباب.وكم اندلعت معارك كبرى,وحروب في التاريخ بكلمة,وانتهت أيضا ببضع كلمات ,ولكن عادة,بعد أن يكون قد حصل ما حصل ,وفات الأوان.وكما أن الكلمة هي سلاح للدمار الشامل,فهي أيضا أداة للبناء الكامل. ولكن ما العمل حين يدلي أحد ما بتصريح ما,يعتقد ,وقد أخذته العزة بالغطرسة والعنجهية والطيش,بأن كلامه منزل من السماء وما على العالمين سوى الاستماع والانصياع ,والبصم عليه بالعشرة , لا وبل بـ"العشرين" أعزكم جميعا الله رب العباد؟
ونرى في مثل هذه الأيام الكئيبة السوداء,من يقوم بتعليقه ,وردة فعله على الأحداث, بتأجيج اللهب,والنفخ في مستصغر الشرر ,وصب الزيت على النار, مقامرا بمصيره ومصير الملايين من البشر.وكم أدت التصريحات الفارغة واللامسؤولة مرارا ,إلى كوارث وويلات نعيش تداعياتها المأساوية هذه الأيام,وليت تقف الأمور عند هذا الحد,والخوف كل الخوف مما هو قادم وآت. ومع ذلك تستمر تلك العنتريات .فمن هؤلاء الأشاوس من قضوا عشرات السنين في العمل العام والديبلوماسي وهو لمّا يزل لا يدرك الألفباء إن في السياسة ,أوفي الحياة,ويرد كل مغامراته السياسية ,ومصائبه الوطنية ,وإخفاقاته العملية إلى معزوفة الضغوط ,والخارج,والاستهداف. وفي كل مرة يدخلنا في فخ جديد ,ويولجنا في كمين, ويضعنا في مأزق,ويورطنا في مشكلة,ويوقعنا في ورطة ,ويشركنا في أزمة,ويقحمنا في دوامة,ويسير في منزلق خطير,ويدفشنا في هاوية,ويرمينا أخيرا في ستين ألف داهية. فلم لا يتم إعادة تقييم شاملة لتلك السياسات والتصريحات,والعقليات التي أدت إلى هذا الوضع الخانق, وبعد أن خسر جميع الناس بما فيهم أعز الأصدقاء؟
"من كبّر الحجر ما ضرب".مثل بسيط يعرفه بسطاء الناس وعامتهم ,أولئك الذين لم يذهبوا للجامعات ولم يشتغلوا بالسياسات,ولم يتخرجوا من أوكسفورد ,أوهارفارد.ولكن هناك من يدعي بأنه جهبذ الزمان وفلتة العصر والأوان, ويدرّس بالجامعات ,ويجوب الأرض بطائرات حكومية يُدفع تكاليفها الباهظة من دم وعرق أولئك البسطاء ,ولكنه بحاجة لمن "يوديه" من جديد للكتّاب,و لمن يذكّره دائما بمثل هذه العبر والأمثال.فهناك من لا يعنيه كل ما يجري,وآخر يقلل من قيمة الموقف,وهناك مثلا من يتوعد مثلا "سوبرباور" بالويل والثبور, وعظائم الأمور,ويدفع الوطن في مواجهات خاسرة سلفا,بشعب "مفلس طفران" يعيش تحت خط الفقر بدرجات,وباقتصاد منهك على وشك الانهيار.والجميع يتذكر كيف توسل الصحاف لأحذية العلوج الأمريكان ,الذين ذبحهم فردا فردا في الإعلام وفي خياله المريض فقط,لكي يخرجوه سالما من بغداد.
سوريا الآن في مواجهة مصيرية مع بعض القوى النافذة في الأمم المتحدة التي تترصد لها الأخطاء والأقوال والأفعال,وتنتظر منها الهفوات ,وتصريحات مثل هؤلاء الجهابذة الفصحاء. فلماذا بقيت كل الملفات التي تولوا إدارتها عشرات السنين مكانك راوح لا بل اتجهت نحو مزيد من التعقيد والتصعيد والتأزيم ,وتوتير العلاقات مع دول كثيرة تجلت في هذه المواجهة التي بدت شاملة مع المجتمع الدولي برمته, وظهرت سوريا فيه في جانب,والعالم كله في جانب آخر؟ولماذا لا يتم إعادة صياغة لمجمل هذا السلوك ,وهذه العقلية الصِدَامية التي تعيش الوسواس القهري السياسي وتعزف على لحن المؤامرة والاستهداف؟والمطلوب الآن,وأكثر من أي وقت مضى, سياسة عقلانية براغماتية,وكلاما معقولا ومدروسا ,وواعيا ,يهدئ من روع الآخرين ولا يستفزهم,ويقدر قوتهم ولا يستخف بهم,ويعرف قصدهم ولا يسفه قولهم,ويتواضع ولا يكابر ,ويهادن ولا يستسلم,ويتراجع ولا ينهزم,ويقرأ الواقع,والمتغيرات أولا وأخيرا قراءة صحيحة,وسليمة.
سورية وطن جميل لكل السوريين دون استثناء,ومن حقنا أن نخاف عليه,وبما فيه من أرض وناس, حتى من نسمة الهواء, ومن حق أي سوري أن يعبر عن حبه لوطنه, وصار من الواجب الآن تسمية الأشياء بأسمائها ووضع النقاط على حروفها,وإنه لفرض عين وطني ألا يسمع أحد لهذا الهراء لا علية القوم ولا صغاره على حد سواء.وسورية العظيمة بلد الحضارات ,ليست حكرا أو ملكا لناس وناس, أو حقل تجارب,ومناطق استكشاف لهذا الديبلوماسي ,أو ذاك السياسي ,وذلك الستراتيجي ,وقد آن الأوان لعتاولة الكلام أن يصمتوا و يكفوا ولو ,برهة,عما لا طاقة ,ولا علم لهم به, رأفة بالوطن الجريح ,ورحمة بجميع السوريين الصرعى بمطارق الكلام ,وتطبيقا للمثل القائل إذا كان الكلام من فضة فالسكوت ,وفي هذه المرحلة بالذات ,من ذهب وماس.ولا مانع بعد أن تنجلي هذه الغمامة السوداء أن يعود لممارسة هوايته المفضلة في الهلوسة والهذيان.
فمتى يبيعنا البعض سكوته كرمى لله ,ولمصلحة البلاد والعباد.