علي ماضي
alimadhy67@yahoo.com
الطبّوع هي تسمية لطيفة يطلقها اهلنا في الموصل على حشرة القرادة التي تلتصق بجسد المضيف لتعتاش على امتصاص دمه ، مسببة له امراض مثل الجرب ،وسميت بالطبوع لألتصاقها بجسد المضيف الى درجة تبدو معها وكأنها قطعة من جسده ، لايمكن ازالتها إلاّ ومعها قطعة الجسد التي كانت ملتصقة عليها ، لذلك فقط اطلقت في دفتر مذكراتي على ما يسمى بعملية تحرير العراق (O.F.I ) بعملية اشروع في قلع الطبّوع ،على اعتبار ان النظام السابق كان يحمل كامل مواصفات هذه الحشرة المقيتة .
اكتشفت مؤخرا ، ليس النظام السابق وحده هو الذي تنازل عن آدميته ونزع عن صدره وسام التكريم ألألهي (وكرمنا بني آدم ....وسخرنا لهم ما في البر والبحر) ليصبح قرادة ،بل ان الكثير من افراد الشعب العراقي بالوا على هذا التكريم ،وأرتضوا لأنفسهم ان يعيشوا مسوخا وحشرات بغيضة كالقراد أو البعوض يمتصون دم هذا الشعب المسكين ، فأطبقوا على ابناء جلدتهم بحجرين، حجر ألأرهاب من الخارج ،وحجر الفساد ألأداري الذي ينخر في جسد العراق بصمت كما يفعل ألعن السرطانت فتكا ً، تحت شعار (فرصة ما دايمة لأحد كوّن نفسك ، أخذ حصتك من النفط ، وأفلت).
في منتصف التسعينات اشتهر في اروقة السوق العراقي اكتشاف الشافطة العجيبة ، وهي عبارة عن( صوندة ) من البلاستك تضعها بين وعائين مع ملاحظة شروط السليفون ثم تبدأ بتحريك (الصوندة) ليتدفق السائل بين الوعائين ،والحقيقة ان بعض صغار الموظفين وظف هذه الظاهرة بشكل ملفت للنظر لشفط المال العام ،انها العولمة او (العولوة) كما يحلوا لعادل امام ان يسميها ، اما كبار الموظفين فهم اكبر من ان يستخدموا اساليب الصغار ،فهم يستخدمون اسلوب الساحر العالمي ديفيد كوبر فيلد ،حيث يجمعون المليارات في صندوق امام مرأى وعلى مسمع من حشد العراقين المساكين ، ثم يضعون شرشفا على الصندوق وبحركات ٍ رشيقة ولف ودوران وقرع طبول العد التنازلي يرفع الشرشف ويفتح الصندوق ليكتشف الحاضرون اختفاء المليارات ،ونقلها الى احد البنوك السويسرية ،فتعج القاعة بالتصفيق الحار ، ولأن الشعب العراقي شعب مسلم لا يؤمن بخرافة السحر ،وبما انه (الشعب) راى بأم عينيه اختفاء ألأموال ، فلم يبق إلاّ تاويل واحد ،ألا وهو الكرامة فهذا ولي وقطب من ألأقطاب،( اللهم صلي على محمد وآل محمد).
ليس بعصي ٍعلى المتتبع والمحلل ان يستنتج ان محوري الشفط المشار اليهما وإن اختلفا في ألأسلوب فان مبداهما العام واحد ،ألا وهو انشاء صمام بأتجاه واحد (ONE WAY VALV)من المال العام الى الجيوب او الحسابات الخاصة،التي لا يعلمها إلاّ الله والراسخون العتاولة في تهريب ألأموال.
من غير المنصف ان نتوقع من الحكومة الحالية ان تنشأ دستورا وتقضي على الفساد ألأداري وتحارب ألأرهاب في هذه الفترة الوجيزة ،على الرغم من ان فخامة رئيس الوزراء قد اعلن برنامجا سياسيا طويلا عريضا ليلة توليه المنصب ،وقد حقق الكثير منه خذ مثلا تخفيف ألأثقال عن كاهل ألأسرة العراقية ،إذ كانت ألأسرة تحتاج الى عربة كبيرة لنقل الحصة التموينية من الوكيل الى البيت ،اما في الوقت الحاضر فأن اكبر عائلة تحتاج الى كيس زنة 5كغم لنقل حصتها ،الحقيقة انها خطوة مهمة على طريق تخفيف ألأعباء عن كاهل المواطن المسكين . هل تعلم ان البعض من حالات الكآبة تعالج بشكل غريب حيث يحقن المريض بحقنة من ألأنسولين لتخفيض السكر الى درجة الغيبوبة ،ومن ثمّ يعاد معادلة السكر لديه ،ومن خلال تكرار عملية ألأشراف على فقد الحياة واستعادتها يدرك ألأنسان قيمة الحياة ، واهمية ألأمل، هذا بالضبط ما تفعله حكومتنا الحالية ،تقطع الحصة التموينية وما ان تشارف على الموت جوعا حتى يعطوك كمية من العدس ،لتبقى على قيد الحياة ،انه ليس تقصير وعدم قدرة انه علاج لهذا الشعب المصاب بالكآبة ، على طريقة ما أصعب العيش لولا فسحة ألأمل.
ومن المنصف ألا نتوقع من الحكومة القادمة (ام ال44 قدم) اسف أقصد ام اربع سنوات ان تقضي على الأرهاب والفساد ألأداري وحل كل مشاكل التي خلفها النظام الصدامي المخلوع ،إذ انها تركة كبيرة جدا لتنوء من حملها الجبال،وسيكون حسنا جدا لو انها ومن باب ( اشعل شمعة بدلا من ان تلعن الظلام) لو حددت الحدود الدنيا والعليا المسموح بها في خطط الشفط المستقبلية ،واسعار الرشاوى المسموح للمواطن المسكين بدفعها لبعّوض الدولة المنتشر في دوائرها الرسمية،مع مراعاة الحالة الزوجية وعدد ألأطفال والدخل الشهري ،واتمنى على لجنة النزاهة ان تقوم بطبع كتيب يحوي التفاصيل الدقيقة لأسعار الرشاوى على غرار كتيب الدستور العراقي ، الذي قرأه كل العراقيين بدون استثناء قراءة تفصيلية تمحيصية ،حتى ان القصاب الذي اشتري منه اللحم ،ولشدة حرصه على فهم الدستور كان يطالبني بتزويده بالمسودات ،كلما طرأ تغير عليها بغية مواكبة المتغيرات أول بأول ،وكان يطلب اكثر من نسخة له ولأصدقائه ولم اكن ابخل عليه دعما للوعي العام ، ودعما لنوعية اللحم الشرح البدون شحم التي كان الرجل يزودني بها مقابل ثمن طبعا ، ثم اكتشفت ان قصابنا كان يستغفلني للحصول على الورق ليلف بها اللحم الى الزبائن ،ولم احزن على استغفالي وانما حزنت على خيبة املي في الوعي العام .
كلي امل (ضعيف جدا) ان يكون الفرد العراقي استوعب الدرس ألأنتخابي السابق ،وان لا ينساق وراء عواطفه ،وتعصبه ألأعمى لمذهب او قومية ، وينتخب من له القدرة على تقديم اكبر كم من المنافع لأكبر شريحة من اطياف الشعب العراقي بغض النظر عن ألأنتماء العرقي أو الطائفي ، وأحذره من الطبابيع ،والشافطات العجيبة ، واتمنى ان لا ينتخب ذات الوجوه التي انتخبها في المرة السابقة ،ليشهر الكارت ألأحمر لراحل منهم والكارت ألأصفر للقادم منهم ويعلن بصفارة واضحة ،انه اصبح حكم المباراة الحقيقي ،و الساسة هم من يلعب على مستطيله ألأخضر ،وفقا لشروطه .
العودة الى الصفحة الرئيسية