|
لكي لا يضيِّع السياسييون عراقنا من جديد
محمد سعيد المخزومي
إن من أبرز التحديات التي تواجه الساسة المخلصين في العراق الجديد من بعد تحدي تحالف القوى الطائفية الإقصائية, والسلفية التكفيرية, وبقايا النظام البائد على تدمير العراق, هو تحدي انتهاج السياسة الحكيمة في جمع القوى الإسلامية والوطنية المخلصة لوطنها المتفانية في سبيل بناءه وعمارته لا دماره وخرابه. الأمر الذي يستلزم منهم اتقان سياسة التحالف مع كل القوى المخلصة الخيّرة من كافة الاتجاهات السياسية والتوجهات الدينية والمدارس الفكرية في العراق وأخص بالذكر اخوان العسرة ورفاق المحنة وأقران الشدة في تلك السنين العجاف والممتحنين طول التاريخ الدموي للعراق ولا يفرطوا بواحد منهم فان التفريط بواحد خسارة, وفي الخسارة ضعف, وفي الضعف تداعي, وبعد التداعي انهيار, ومع الانهيار السقوط . فعليكم أن تتكثروا من اخوان المحنة ورجال الشدة ورفاق ذات الشوكة والرساليين من ذوي التضحيات الجسام والمحن الدواهي العظام, فلا تفرطوا أوتعادوا أحدا ممن يقوى به الظهر ويشتد به العود, ويستند عليه الساعد, ويستعان به عند المحنة. (ولا تُضِيعنّ حقّ أخِيك اتِّكالاً على ما بينك وبينهُ فإِنهُ ليس لك بِأخٍ من أضعت حقّهُ ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك ولا ترغبنّ فِيمن زهِد عنك) ([1]) فلا تنسوا أن ما بين ايدينا من الثروة الفكرية والرصيد المنهجي الكبير لبناء الحياة مما قد وردتنا عبر التاريخ الطويل من ائمتنا عليهم السلام, وقد ورد عن الإمام الصادق أن لقمان يوم قال لإبنه: ( يا بني اتخذ ألف صديق وألف قليل ولا تتخذ عدوا واحدا والواحد كثير ) ([2]) فإجمعوا أيها السياسييون حولكم الاصدقاء المخلصين ولا تعادوا اخوانكم وتضعونهم وراء ظهوركم فان في ذلك الخسران, وقد أمركم أمير المؤمنين عليهِ السلام بقوله: تكثرّ من الإخوان ما استطعت إنهم عماد إذا ما استنجدوا وظهور ليس كثيرا ألف خل وصاحب وإن عدوا واحــدا لكثير ([3])
ذلك أن : (الواحد من الأعداء كثير) ([4]) وعليكم بالحزم في سياسية الأمور وادارة البلاد, وكفة الصراع مع الباطل فان ( الظفر بالحزم) ([5]) واعلموا أن الحزم في إجالة الرأي ولا حزم إلا بالراي السديد, ولا رأي أسدّ من الرأي الناتج من جمع الآراء وضربها ببعضها كي يخلص الرأي السديد لينتج الحزم والفعل الرشيد, (والحزم بإجالة الرأي) ([6]) ولا رأي سديد الا بجمع العقول فيكون لزاما على كل الساسة التواقين إلى بناء العراق, العمل على جمع عقول المفكرين من كافة المدارس الفكرية البنّاءة, ولا ينسوا أن التفريط بها ضعف ووهن, فيدفعكم لإن ينفرد بكم اعداء الخير وكل التواقين إلى الخراب في العراق والدمار, والهيمنة عليه بالاستئثار. وبجمع العقول يكون الحزم, وبالحزم يكون الرأي الصائب والفكر الثاقب, ولا تنسوا أن أمير المؤمنين عليهِ السلام علّمكم بقوله: (الحزم النظر في العواقب ومشاورة ذوي العقول) ([7]) فعليكم بجمع العقول وإن كانت على غير حزبك وغير مدينتك أومن بلدتك أومدرستك الفكرية ومنهجك, فإن ذي الرأي السديد نعمة, والتفريط بالنعمة كفر بها, وعلى الكفر عقاب في الدنيا وخزي في الآخرة, وأن على احترامها وشكرها ثواب وتقديرها ووضعها محلها وعدم اقصائها فوز في الدينا وجزاء في الاخرة, وتلك هي السنّة التي قالها بارئها ووعاها كل من القى السمع وهوشهيد: ( لئن شكرتم لأزيدنكن ولئن كفرتم إن عذابي شديد) ([8]) وان من ابرز ما يشتد به عضد السياسي الناجح والحاكم النّزيه هوالحزم الذي لايتحقق إلا بجمع عقول أهل الراي الحصيف مهما اختلف لونه وحزبه ومدرسته عن لونها وحزبها ومدرستها, فقد أمر الرسول صلّى الله عليةِ وآلِهِ وسلّم بعدم الاكتفاء بمشاورتهم بل باتباعهم فقال: ( الحزم مشاورة ذوي الرأي واتبّاعهم) ([9]) وهو أمر يشق على المتحزب المتعصب. وان العقول العقول السليمة هي التي لا تخاف إلا الله وهنا لابد من معرفة أن العقول القادرة على بناء العراق هي العقول التي تتجرد من الحزبية, قومية كانت تلك الحزبية أو طائفية أو سياسية, ولن تتمكن من تحقيق ذلك الانتصار على النفس إلا أن تمتليء خوفا من الله تعالى حينما تقول وتفكر, وحينما تعمل وتنظِّر, وحينما تخطط وتدبّر, وحينما تتحالف وتتآلف. أما العقول التي همها السلطة والسلطان وهدفها السياسة والرياسة وديدنها الأبهة والعنوان, وان كان على حساب ذبح الإنسان وتدمير الإنسانية, والتي همها الاستحواذ على الرئاسة والهيمنة على القرار السياسي وان استدعى ذلك سفك الدماء وانتهاك الحرمات, وان كان ذلك تحت شعار الدين أوالوطن والتحرير, تلك العقول لن يمكنها بناء العراق بل أن ذلك التفكير هو الذي دمر العراق وجرّ إليه الويلات. ذلك لأن العاقل هو الذي يخاف الله في عباده ويراقب الله في بلاده. وقد دأب معلموا الإنسانية على تعليم الناس مناهج الحياة ليربّوا البشر على البناء لا الهدم, ويهذبوا فيهم النفوس على المحبة لا التباغض. حيث ورد الأمر من الإمام الصادق عليه السلام في هذا الشأن أنه قال : (استشِرِ العاقِل مِن الرِّجالِ الورِع فإِنّهُ لا يأمُرُ إلا بِخيرٍ). وهل يحتاج الناس إلا إلى الخير؟ وهل ينقص البشرية إلا مناهج الخير والصلاح ؟. ثم يحذر الإمام عليه السلام بعد ذلك من مغبة مخالفة العاقل الورع الذي يخاف الله ويخشاه, فكيف بتجاهله والتنكر له فقال: (وإِيّاك والخلاف فإِنّ مُخالفة الورِعِ العاقِلِ مفسدةٌ فِي الدِّينِ والدُّنيا) ([10]) وبعد هذا وذاك فإن الخير كل الخير, والقوة والمنعة تجتمع في جمع عقول الذين يخافون الله ويخشونه ويتورعون, فإنه :( لا مظاهرة أوثق من مشاورة) ([11]) وهل أن الخير كل الخير في هؤلاء ؟ أم أن الخير في التحزب ضد العقول الخيّرة لكونها على غير الحزب الذي يهواه هذا الإنسان أو ذلك ؟ ولذلك فقد سميت هذا التحدي بتحدي انتهاج السياسة الحكيمة في جمع القوى الإسلامية والوطنية المخلصة لوطنها المتفانية في سبيل بناءه وعمارته لا دماره وخرابه, لأنه يحتاج إلى مجاهدة النفس, ومصارعة الذات, والتخلص من تلوث الأنانية المقيتة. [1] - نهجالبلاغة ص : 403 كما قال أمير المؤمنين عَلَيهِ السَلام. [2] - بحارالأنوار ج : 13 ص : 414 [3] - بحارالأنوار ج : 13 ص : 414 [4]- غررالحكم 462 ص : 461 عَلَيهِ السَلام عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَلام . [5] - بحار الانوار ج:98 ص: 340 عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَلام . [6] - المصدر السابق. عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَلام. [7] - غرر الحكم ص474 [8] - سورة النساء/ آية 147 [9] - الوسائل ج: 12 ص:40 [10] - المصدر السابق . [11]- كما ورد عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَلام في - غرر الحكم ص474
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |