( بغداديات )

( طهارة الجامع )

بتوقيع : بهلول الكظماوي

25-10-2005

bhlool2@hotmail.com

مثل شعبي عراقي يقول : كل جامع بيه طهارة , أي يوجد في كل جامع مراحيض , ويبيّن هذا المثل كم هو مكان الجامع طاهر و مقدّس , إذ تقام به الصلوات و تؤدّى فيه مجالس ذكر الله , ولكن لظرورة الطهارة تقتضي هذه الظرورة إلى أن يبنى بالجامع مراحيض إلي جانب هذا المكان المقدّس .

و يضرب هذا المثل للولد أو الشخص الفاسد المنحدر من عائلة نظيفة شريفة و محافظة و طاهره , فيلوّث هذا الولد الفاسد سمعة عائلته و يجلب لها العار و الشنار , تماماً مثل المراحيض ( الطهارة ) التي من ظروريات الجامع , ولكنها تصدر منها الريح الكريهة ويجب تضبيطها و أحكام صنعها لألاّ تتسرب منها هذه الرياح أو تتسرّب منها المياه النجسة.

و يلحق بهذا المثل مثل آخر يقول : اكرم الجلب لخاطر هله ( أي سامح هذا-الكلب- الابن الفاسد , أو غض الطرف عن بعض مساوئه إذا كانت بسيطة إكراما لعائلته أو عشيرته الكريمة حيث لا تستأهل أن تزر وزر ابنها العاق هذا ).

عزيزي القارئ الكريم :

العراق في نظري و نظر غالبية العراقيين عشيرة أو قبيلة واحدة لا تتجزأ هذه القبيلة من شماله إلى جنوبه , ومن شرقه إلى غربه , عاش أهله و ذووه متحابين متآخين , تقاسموا حلو الحياة و مرّها , وشظف العيش و رخائه , تقاسموا رغد العيش و نكده سويّة , لم تفرّقهم المؤامرات و لم تفتّ في عضدهم المحن و الابتلاء آت .

فحالة الاحتلال الأجنبي لم تكن وليدة اليوم .

قد لا أكون مخطئاً إذا قلت إن قساوة الاحتلال الأجنبي و بهذه الشدّة قد بدأت منذ بداية الصراع الفارسي التركي طمعاً بأرض العراق لمدّة اكثر من خمسة قرون ( أي اكثر من خمسمائة عام ) لتليها حقبة احتلال بريطانيا بالقوّة الجبرية القاهرة في وقت كانت بريطانيا تصنّف بأنها الدولة التي لا تغرب عن مستعمراتها الشمس آنذاك , فكانت غطرستها و جبروتها يفوق غطرسة و جبروت أميركا اليوم .

وحدة العراقيين من كل الفئات و الأجناس هي التي أثمرت انتصار ثوّار العشرين , وهي التي أجبرت الاستعمار البريطاني آن يقرّر الانسحاب من العراق خائباً يجر أذيال الهزيمة و الذل و الهوان .

فخرجت بريطانيا من الباب الواسع لتدخل إلى العراق من الشباك عبر وكلاءها في أول حكومة عراقية كانت مطعّمه بعملاءها المحسوبين على العراق و العراقيين , والاّ ماذا نسمّي وزيري التجارة و الاقتصاد اليهوديين ( عزرا الياهو و حسقيل ساسون ) و وزير المعارف الماسوني ساطع الحصري و ما يسمّى بأوّل رئيس حكومة نقيبية .

و يتم للعراقيين تحقيق أرادتهم بما يسمّى بالاستقلال , وتمضي سنواته التي حسبها العراقيون سنوات استقلال و عدم ارتباط بالأجنبي رغم وجود المندوب السامي البريطاني الذي كان متحكماً حتى بنشرة الاخبار التي لا يمكن ان تبث من دار الاذاعة العراقية الاّ بعد ان يضع هذا المندوب السامي في السفارة البريطانية بالشواكة بصماته و خاتمه و توقيعه عليها .

و تتنقّل الدولة العراقية من حكومة إلى حكومة , و كل ما دخلت آمة حاكمة جديدة منهم لعنت الآمة التي سبقتها و نعتتها بتوقيع معاهدات مجحفة تلو المعاهدات , و ما أن تشكل أي منها الاّ و تبدأ بتوقيع اكثر و اكثر من المعاهدات التي ترهن مقدرات و خيرات العراقيين كالتي كانت تعيبها على الحكومات التي سبقتها بل اكثر من سابقتها اجحافاً و اذلالا, وهذا لا يعني أن الحركة الوطنية لم تكن لتفعل شيئاً أمام الأطماع الاستعمارية آنذاك , بل المواقف الوطنية التي كان أبطالها المشايخ : محمد رضا الشبيبي و عبد المهدي المنتفجي و محمد مهدي كبة و محمد جعفر أبو التمن ..... الخ إضافة إلى ثورات و انتفاضات و انقلابات متلاحقة : انقلاب بكر صدقي , ثورة مايس , تمرّد الملك غازي , كانت كلها نزعات انعتاق من ربقة الهيمنة البريطانيّة .

و بعد مخاضات صعبة و سنوات عجاف مليئة بالقلق و الاضطرابات تمخضت عن تنظيم للضباط الأحرار ليتوج عمله بانقلاب أو ثورة 14 تموز سنة 1958 الذي أطاح بالملكية و أتى بحكم جمهوري أيدته غالبية أبناء الشعب العراقي الذي كان مستعداً للتمّسك حتى و

لو بقشّة تنقذه حينها من الغرق .

و لتستمر بريطانيا على ديدنها و ترجع للدخول من الشباك عبر وكلائها مرّة ثانية .

فما أن بدأ الشعب العراقي يستعيد أنفاسه , وما أن بدأ العهد الجمهوري الجديد بترسيخ أقدامه الاّ و انقضّت بريطانيا التي كان يسميها الشعب العراقي بـ ( أبو ناجي ) نسبة إلى نجاتها بأفعالها الشنيعة في كل مرّة .

انقضّت لتقوّض التجربة الوليدة عبر عملائها بأنقلاب14 رمضان , المصادف 8 شباط سنة 1963 الذي أتى بحزب البعث الماسوني القميء لاوّل مرّة إلى السلطة في العراق صبيحة ذلك اليوم الأسود المشؤوم لعيثوا الفساد , وليهلكوا الحرث و النسل و يدمروا البلاد و العباد .

و لمّا كان ديدن الاستعمار سرعان ما يتخلّص من عملائه و وكلائه , و لا يهمّه عن نوعية و أخلاقية أو وطنية هؤلاء العملاء بقدر ما يهمّه من يخدمه اكثر و من يحقق رغباته و أطماعه بالاستيلاء على ثروات و خيرات البلد ,

لذلك اختلف هؤلاء العملاء في ما بينهم اختلاف اللصوص على السرقة , فحدث انقلاب 18 تشرين أو ما سمّي بردّة تشرين بعد تسعة اشهر من الشراكة فيما بينهم .

و يستمر العراق بقلاقل و فتن لينتهي الأمر بانقلاب 17 تموز 1968 الذي أعاد مرة ثانية السلطة إلى حزب البعث الشوفيني بالاشتراك مع نفر من داخل المؤسسة الحاكمة القديمة , ولم يمضي على هذه الشراكة سوى 13 يوماً ليرتد حزب البعث و يتنكّر للشراكة فيغدر بعبد الرحمن الداود و عبد الرزاق النايف.

و منذ ذلك التاريخ الأسود و لغاية 9نيسان سنة 2003 يغرق العراق في بحور من الدماء و الدمار و الخراب الاقتصادي و العمراني و حروب مدمرة و انتهاك للحرمات واعدامات ......الخ.

هنا ملاحظة مهمة جدا : وهي إن اكبر دعم مادي و معنوي كان يأتي من دول المنطقة الرجعية العميلة اسناداً لحزب البعث الماسوني السادي الفاسشتي و لشركاءه للإتيان بهم إلى دفّة الحكم للمرحلتين السابقتين سنة 1963 و سنة 1968 وما بينهما من حكم الأخوين عارف , تماماً مثل ما يجري اليوم بعد سقوط صنم العوجة ( هدام العراق ) من دعم هذه الدول للإرهابيين .

عزيزي القارئ الكريم :

هناك مثل عراقي يتعلق بمثلنا اعلاه ( طهارة لجامع ) يقول : مثل حجارة الطهاره ساف انجس من ساف .

أي كلما تعمقت بهدم حجارة المراحيض ستجدها ملوثة أسفلها اكثر تلوثاً من أعلاها , وهذه تماماً هي صفات حزب البعث القميئ .

عزيزي القارئ الكريم :

خطرت ببالي هذه الأمثلة التي سقتها اعلاه وانا اسمع و اقرأ اخبار ما يسمّى بمؤتمر المصالحة ثم سمّي مؤخراً بمؤتمر الوفاق مدعوماً من جامعة الدول الرجعية .

فوجدت إن المثل ( طهارة الجامع ) ينطبق على الاخوة الذين احتضنوا حزب البعث , فوافقتهم على ذلك بشرط أن لا تكون أيدي هؤلاء البعثيين ملوثة بدماء أبناء الشعب العراقي , واحتضان هؤلاء لظرورة كظرورة احتياج الجامع الى ( طهارة ) دورة مياه .

وإذا أردنا أن نسكت عن معايب و إجرام بعضهم بشرط أن لا يصل إلى حد التعدّي على أرواح و حرمات المواطنين , وبذلك نكون قد طبقنا المثل القائل : ( اكرم الجلب لخاطر هله ) اكرم الكلب لأجل أهله و هم العراقيين .

امّا من تلوّثت يداه بدماء العراقيين , فهؤلاء لا يجوز بأي حال من الأحوال أن نتعامل معهم أو نتعاطى معهم إلا وفق العقوبات القانونية و الحدية الجادّة لأنهم كمثل : (مثل حجارة الطهارة , ساف انجس من ساف) .

و دمتم لأخيكم : بهلول الكظماوي

 

العودة الى الصفحة الرئيسية 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com