|
السبيل لاقتحام الخراب ماجد الفهدي
قد لا يحتاج اعمار العراق الى الكثير من الوقت، خاصة وان عجلة التقدم قد بدات بالحركة فرغم كل المعوقات فان دلائلها تشير الى ان العرق مقبل على مراحل هي من أهم مراحله في التاريخ واكثرها قدرة وثباتاً، إذ سيشكّل حضوراً اساسياً وقوياً ليكون لاعباً مهماً في حركة الإنسان والبلدان، وقد لا يحتاج التقدم الذي بدأ العراق يخطو باتجاهه إلا الى بعض الاشكال والالوان فالمواد الخام مبذولة في الاسواق تغازل يوميا صادرات النفط وباقي ثروات الوطن والتي لم يبدأ العمل على إستخراجها أو قل لم يبدأ العمل على حث المواطنين للبدأ بإستثمارها بالشكل المناسب في خضم الظروف الراهنة، وما أتحدّث عنه من ثروات وإعمار يتعدّى هذا الإعمار الشكلي للخراب الذي خلفته السلطة البائدة الى خراب اعمق وابلغ، الحكومات التي سوف تأتي بها صناديق الإقتراع لن يكون امامها بعد مهمة القضاء على الإرهاب سوى مهمة البدأ بعمليات الاعمار، فالشركات التي تطمح باستثمار رؤوس أموالها واقفه على أعتاب الوطن بانتطار غمزة عين، وسوف لن نحتاج لتحقيق هذا السبيل الى إستعطاف جيوب الخيّرين فالوطن وبحمد لله مليٌّ بكل الخيرات ينطبق عليه المثل الشعبي القائل ( يا مسعده وبيتچ عَلَه الشط منين ماملتي غرفتي ) خيرات كفيلة بإعماره بل جعله يقف في منافسة اكثر الدول المتقدمة. ما اردت اثارته واعتقد بأنُّ ما يجب ان يثار مازلنا سنتحدث عن عراق المستقبل، هو الاعمار المعنوي، إعمار النفوس والأرواح قبل إعمار الأجساد، فظاهرة الارهاب التي وجدت نوعاً ما مناخاً مناسباً في بعض الأماكن لم تكن لتنمو لولم يكن هناك استعداد لتبنيها، بل لم تكن لتظهر لولا هذه التراكمات التي احدثتها في العراق الحكومة الجائرة، وفي البلدان العربية ايضاً الوضع الذي لا يكاد يختلف إلا في بعض مفرداته، ولن نجد من بين بني البشر من يملك الاستعداد الغير طبيعي لإرتكاب جرائم فضيعةٌ جديدةٌ على المخيلة العربية كالذبح وإغتصاب النساء وتفجير الحافلات مقابل مبالغ زهيدة. على من ياترى تقع مسوولية اعمار الانسان ؟؟؟ جل اصدقائي الذين عادو الى العراق بعد سنين الهجرة والتغرب يتذمرون من الوضع الاجتماعي السائد في العراق، انهم يشعرون بوجود خلل في منظومة المجمتع الاجتماعية رغم أنني الآن لا اتحدث نيابة عنهم لكني كنت طوال هذه الفترة التي تلت سقوط الصنم اتابع بجدية هذا الوضع وهذه المسألة المهمة جداً وأُثير في هذا السبيل سؤالاً يبحث عن اجابة صريحة، هل تغيّرَ إنسان الداخل فعلاً ؟؟؟ كنت أقول لإصدقائي في المنفى بان الحلم الذي يروادنا جميعاً ليس إلا وهما سيتلاشى بمجرّد اصتدامه بالواقع الفعلي المعاش، وكنت اعتقد بأن ما كنا نتشوّق اليه ليس إلا حلماً، اذ كنّا نشتاق بذاكرة مصلوبة، ماقالهُ لي الشّاعر العراقي كريم الاسدي يوما ما يثبت ذلك، قال لي بأنّ الزمن قد توقف معه منذ أن غادر الفهود وتحديدا في الكراج الذي ارتقى منه كريم سيارة قادته الى منفاه. جميع هؤلاء كان يهزهم الشوق الى ملامح معينة في مدنهم التي فارقوها قد تكون مفردات مثل المقهى الفلاني، ملعب كرة القدم، بائع( اللبلبي)، زامل المجنون، مدير المدرسة، المدرسة ذاتها، علوة بيع الاسماك، مفردات حفرت في الذاكرة متاهات وبقيت حتى تجمّد الزمان عالقة دون حراك إنها كانت كأثآر البيت الذي هجره ساكنوه الى اجل غير معلوم. في الوقت ذاته بدأت ملامح ذاكرة جديدة بالتشكّل، ولكن أبطالها في هذه المرّة كانوا يحملون وجوهاً اخرى ومساحات انطلاقها كانت اماكن جديدة. كتبت في عام 2001 مسرحية اسميتُها( الغربة) كان ذلك في منفى ايران، كان البطل في المسرحية قد وقع اسير ظروف هي ذاتها ظروفي والاخرين الذين تركو ارض الوطن، عاش البطل غريبا تحيط به الغربة اينما حل ورحل، ولكنها في ذات الوقت اضفَت عليه اشياء جديدة هي بالطبع الثمن الذي دفعه هذا البطل بتركه وطنه، فالتجارب التي خاضها كانت كفيلة بان تصنع منه انسانا اخرا، على استعداد لقراءة الاشياء بشكل جديد اكثر نضوجا من قبل، وبين لاجدوى البقاء الذي تشعر به روح الغريب، ورغم القلق الذي سيكون رفيقا ملازما له حتى القبر. سؤال كان يردده البطل وكان يبحث في رحلته عن اجابه شافيه له ماذا بعد ؟؟؟ ماذا بعد كل مااريد تحقيقه، وهل فعلا في تحقيق ما يحلم الانسان بتحقيقه تكمن الراحة التي ينشدها، والجواب الاكثر بلاغة كان الموت، الحقيقة الوحيدة التي صارت اقرب الى روحه من الحياة، لكنها لم تكن بوحي من يأسه بقدر كونها حنينا للحقيقة المطلقة. هل كانت غربته ستنتهي عندما تطأ قدماه ارض الوطن ؟؟؟ المسرحية انتهت باعتراف البطل بان الغربة رفيقة القلق الذي يرافق البحث عن ماهيّة الاشياء ونهاياتها التي ستكون اكبر حافز للإنتاج الحقيقي في الواقع، انه البحث عن قمم المسالك ومادام هناك بحث ستكون هناك غربة. هل كان من الممكن ان تنتهي غربة البطل بعودته الى احضان الوطن، كنت ولازلت اريد الاجابة بلا فالخوف والجوع واليأس والذل والحنين كائنات لاتذهب بانتفاء واقعها دون اثر، انها ستساهم في خلق ادوات جديدة، ادوات فيها من استقلالية الذات مايكفي لوصفها بالتجربة الرائدة والمثمرة يؤكد لي بعض اصدقائي العائدين بأن انسجامهم مع الناس في العراق امر مستحيل لانهم تغيرو كثيرا، أليست هذه المحاكمة التي رافقت حنين بطل مسرحيتي وسببت له ذلك القلق الخلاّق ؟؟؟ اليس اصدقائي الان يمارسون محاكمة الوطن والانسان فيه بتلك الذاكرة المصلوبة ؟؟؟ والتي تعطلت عندما غادرالاسدي ارض الفهود، ثم اليست هذه الغربة هي نفس الغربة التي عاشها بطل المسرحية في المنفى والوطن ؟!!! لااعتقد بأن البطل المسرحية هو الوحيد الذي تغير، فظروف الغربة الصعبة وازتها ظروف الوطن التي كانت صعبة ايضا تحت تسلّط البعث المجرم، مما ساهم في ان تكون لبطل الداخل تبريراته واسبابه التي سيدافع بها عن نفسه فيما لو اتّهمناه بالتغير وخبراته الخاصة ايضا. هل من الممكن القول بمكان بان ما مر به بطل مأساة العراق لم يترك اي اثر على بناءه الداخلي في ظل ظروف استثنائية بكل المقاييس، وهل يشفع هذا لكلا البطلين ان يساهم بخلق حاجز مخيف ربما حاولت بعض الفضائيات وقنوات الاعلام الاخرى العزف على اوتاره محاولة بذلك احداث شرخ في التركيبة الاجتماعية لتحصد من وراء ذلك بعض المكاسب السياسية. هل سيقول بطل المأساة الداخلية للبطل العائد انت الصورة وانا الاصل وبالعكس، ام ان الحكومة العراقية الحالية والقادمة ستلتفت الى مثل هذه المشاكل التي يجب ان تجعلها في صميم مايجب ان يحل، لا لتجعل من نموذج بطل الداخل مثلا لما يجب ان يكون عليه البطل العائد وليس العكس بالطبع، وهذا لايتحقق الا لو تكاتفت الجهود وتوحدت الاهداف التي لابد ان تتولاها الموسسات الثقافية لتتناول المسالة بالتحليل ومحاولة اجاد الحلول لتبحث عن نقطة معينة تصلح ان تكون الانطلاقة الصحيحة لتجد حالة من التزاوج والتواصل بين البطلين. انني اتمنى ان تتبنى الحكومة مشاريع اجتماعية تنهض بالانسان جنبا الى جنب مع انشاء المشاريع العمرانية واعتقد بانها ستكون بحاجة الى احداث ثورات في هذا المجال لا ليعود الاب المتسلط الى سلطة تزويج بناته على مبدا ( گصّه بگصّه) ولا بتشجيع الشباب على التحلل والتفكك الذي ستكون الهوية أُولى ضحاياه. نحن بحاجة لتحقيق هذه الغاية الصعبة والمهمة الى خبراء في علمي النفس والاجتماع والى موسسات ثقافية منصفة انها دعوة لا للعودة الى ازمنة مظلمة بل لبدأ مرحلة جديدة تنهل من منابع عراقيتنا بروح عصرية لترمي في النفايات الكثير، ولتعيد صياغة وقراءة مفاهيم كثيرة نحن بحاجة ماسة لتحريك عجلة اعمار الانسان في العراق.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |