|
وجهة نظر: بعد الاستفتاء وقبل الانتخابات [ 2 ـ 2 ] عزيز الحاج أولا: تقييم عام إن كل استفاء شعبي هو خطوة ديمقراطية ولكن معها جوانب أخرى. كما أن كل انتخابات شعبية عامة خطوة مهمة في الطريق. لقد كانت انتخابات كانون الثاني الماضي حدثا تاريخيا للعراق وشعبه لكونها كانت الانتخابات العامة الحرة الأولى. ولذلك سميت ذلك اليوم بالمهرجان، وقلت في اليوم نفسه إنني أصف الانتخابات بحدث كبير وبصرف النظر عن نتائج التصويت. وأضفت في مقالي بإيلاف وعراق الغد وغيرهما: " "ليس الموضوع هنا وفي هذا اليوم لمن صوت هؤلاء وهؤلاء، فهذه معضلة متروكة للتطورات القادمة، ومدى حرص القوى الوطنية على وضع المصالح الوطنية العامة فوق المصالح والاعتبارات الفئوية والعرقية والدينية. المهم أن الانتخاب قد جرى برغم جميع التهديدات بالموت وبرغم مئات الشهداء الذين وقعوا ضحايا لإنجاح الانتخابات." [ 30 كانون الثاني 2005 ]. أما السلبيات المرافقة، فالتدخل الواسع لرجال الدين ومواجعهم كما تجلى في لائحة الائتلاف الموحد التي باركها السيد السيستاني، ووضعت على اللائحة الآية القرآنية التي تقول إن الكافرين لن يغلبوا المؤمنين. وإضافة لذلك، توزيع النقود، وضغوط المليشيات في الجنوب كله وفي بعض مناطق بغداد. وقد تجاهلت مفوضية الانتخابات تلك الممارسات التي كانت مخالفة لقانون الانتخابات وقواعدها. مع ذلك كله وبعض عمليات تزوير مباشرة، فالحدث كان تاريخيا وكبيرا لكونه كان تدريبا كبيرا لأبناء الشعب على ممارسة حق أولي من حقوق المواطنة. أما المقاطعون فقد أساءوا للعراق ولأنفسهم أيضا إذ أدى لعزلتهم وتقليص دورهم، وإن مشاركتهم اليوم في الاستفتاء كان خطوة إيجابية مهمة تحسب لتلك الأطراف، وإن كان موقفهم من الدستور كما قلت هو من منطلقات أكثر تخلفا، ورغم كونهم طرحوا بعض المطالب الصحيحة، التي تم الأخذ بها بفضل المساعي الحميدة للسفير الأمريكي نفسه. لذلك أستغرب جدا التصريحات النارية لهيئة العلماء، ذات الاتجاه البعثي الصدامي الصريح، حين تتهم الدستور بكونه ورقة أمريكية فرضها الاحتلال! الأمريكان سعوا بأسلوب دبلوماسي ودي غير مباشر لصالح تلبية بعض مطالب الناطقين باسم السنة، وهيئة العلماء هذه تتهم الأمريكان بمحاولة عزلهم وفرض دستور أمريكي الصنعة عليهم! فيا للامتنان! ويا للأمانة! والمهم على كل حال أن تلتزم تلك الأطراف بالأساليب السلمية في العمل السياسي وأن تدين الإرهاب علنا وبحزم. والمدهش أن هذه الحملة على الأمريكان تتزامن مع حملات الصدريين المستمرة وحيث يرون أن الوجود الأمريكي المؤقت هو سبب كل مشاكل العراق. والغريب أيضا أن ينتقد حتى أخونا الدكتور الجلبي القيادة العسكرية الأمريكية في العراق بالقيام بحملات اعتقال عشوائية واسعة مع القوات الحكومية، والقول بأن القائد العام للقوات الأمريكية هو وزير دفاعنا الحقيقي! أخونا الجلبي يدين كل اعتقال بلا تخويل من قاضي التحقيق وكأننا في وضع ديمقراطي متقدم ومستقر، وعلما بأنه حتى أمريكا وبريطانيا اتخذتا أشد الإجراءات صرامة ضد الخطر الإرهابي، بما في ذلك تمديد فترة الاعتقال ومداهمات المشبوهين بمبادرة من قيادات الأمن والبوليس كلما كانت الحالة خطيرة. وكذلك هناك في العراق أيضا قانون للطوارئ يستوجب التنفيذ والتفعيل لأن خطر الإرهاب الدموي في العراق يومي وبضحايا عشرات الآلاف، والعراق اليوم أصبح البلد الوحيد الذي يقترف فيه الإجرام الإرهابي على مدار اليوم بل والساعة عمليات دموية. لقد انتقدنا تساهل السلطات في موضوع المعتقلين بإطلاق سراح المئات في كل مرة وبدون محاكمة لمعرفة البريء حقا ومن المذنب كما كنا نتمنى لو أن جميع الساسة العراقيين يدينون بحزم الجرائم التي ما انفكت تقترف في البصرة والجنوب وبعض مناطق بغداد من خطف واغتيال واعتداء على الجامعة واضطهاد الصابئة المندائيين والمسيحيين والسافرات، وأن يطالبوا جميعا بمحاكمة المجرمين، ابتداء من أول جرائم الاغتيال بعد يوم من سقوط صدام وأعني جريمة اغتيال الخوئي، ومن بعده اغتيال الشخصية الكبيرة السيد محمد باقر الحكيم. إن الاستفتاء هو الآخر كان تدريبا على ممارسة الديمقراطية ولكن بينه وبين الانتخابات الماضية فروقا جوهرية. إن عامة الناس قبل الانتخابات كانت الصورة واضحة لهم بدرجة ما، وهي هل نصوت أم لا. كان التصويت أو عدمه هو المطروح برغم أن أكثرية لم تكن مستوعبة للمغزى التاريخي للانتخابات. أما الاستفتاء فكان على وثيقة شديدة التناقض والطول، وشديدة التعقيد على فهم الغالبية الساحقة من العراقيات والعراقيين. كما أن النص النهائي لم يوزع إلا عشية الاستفتاء، وقد وزعت الوثيقة في الشوارع كما توزع أية صحيفة يومية!! فهل كان ممكنا لمواطنات ومواطنين تغلب الأمية عليهم استيعاب تلك المواد والنصوص وفي تلك الفترة القصيرة؟ أما تعديل قانون الانتخاب كما قرره البرلمان، فكان يجعل الرفض أشد صعوبة وبقيود أكثر حيث تقرر تفسير أكثرية المصوتين تتحول لأكثرية الناخبين المسجلين أسماءهم حتى ولو لم يشتركوا في التصويت، مما كشف مرة أخرى نوايا الأطراف السياسية الشيعية عندما تكون لها أكثرية برلمانية. وقد قوبل القرار الذي كانت المفوضية الانتخابية نفسها قد صاغته بنقد ورفض المستشار القانوني للأمم المتحدة، معتبرا التعديل منافيا للقواعد الدولية. وهذا ما اضطر البرلمان للتراجع، كما علمنا.
ثانيا ـ إمكانات التعديل: قال الدكتور إياد علاوي في حلقات حواره بإيلاف مؤخرا إنه يأمل انتخاب برلمان " متوازن" ليكتب دستورا "متوازنا"، وذكر الحزب الشيوعي أنه متحفظ على بنود أساسية ومنها هضم حقوق المرأة، وثمة غيرهم وكذلك مثقفون يرحبون بالموافقة على الدستور رغم تحفظاتهم ويأملون إجراء تعديلات ديمقراطية في البرلمان القادم. وكرر السيد إياد جمال الدين هذا التفاؤل في حواره مع إيلاف أيضا. السؤال هل هذا التفاؤل واقعي؟ فلنقرأ في مواد هامة من الدستور: " لا يجوز تعديل المبادئ الأساسية الواردة في الباب الأول والحقوق والحريات الواردة من الدستور، إلا بعد دورتين انتخابيتين متعاقبتين، وبناء على موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام، ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة أيام، ولا يجوز تعديل المواد الأخرى إلا بعد موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام، ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة أيام." إن هذه النصوص لم تعدل ضمن تعديلات الأيام الأخيرة ومعنى ذلك أنه يستحيل دستوريا إجراء أي تعديل في البرلمان القادم على المواد الخاصة بجعل الإسلام "مصدرا أساسيا للتشريع"، والنص على أنه " لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام." ونلاحظ هنا أن الدستور قد غيّر ما ورد في قانون الإدارة حول دور الإسلام. إن نص المادة السابعة من القانون المذكور يتحدث عن أن الإسلام "مصدر للتشريع"، أي واحد من المصادر، ثم يتحدث عن "ثوابت الإسلام المجمع عليها." أما الدستور فيتحدث عن " ثوابت أحكام الإسلام" أي أضاف عبارة أحكام وحذف عبارة المجمع عليها. وهذا يعني "أحكام الشريعة"، ولكن بأي المذاهب؟!! فكيف يريد المتحفظون إجراء تغييرات في البرلمان القادم مع أن الدستور لا يبيح تقديم التعديل إلا بعد ثماني سنوات، وموافقة ثلثي البرلمان؟؟ ليس هذا وحسب، فهناك عدا ذلك تركيب وصلاحيات المحكمة العليا. ولنترك الحديث عنها للسيد إياد جمال الدين نفسه، فيقول :" لكن الفقرة التي تقول إنه لا يجب سن أي قانون يخالف ثوابت لأحكام الإسلام فإن هذا يوقعنا في أكثر من مطب وأكثر من مأزق.. وهذه الفقرة هي مفتاح لولاية فقيه جديدة، وسوف يأتي السؤال هو من سيميز هذا القانون الذي أقره البرلمان: هل هو مخالف للإسلام أم متفق مع تعاليمه؟ فلابد من أن تكون هناك هيئة من الفقهاء تميز بين ما هو موافق للإسلام أو هو مخالف له، وهذه الهيئة تكفلت ببيانها المادة 92 من الفصل الثالث من خلال تخويل المحكمة الاتحادية العليا وهي تتكون من فقهاء قانونيين وفقهاء شريعة هم الذين سيقررون دستورية هذه القوانين التي سيقرها البرلمان، وهذه مستنسخة بالضبط عما هو موجود في إيران بما يعرف بمجلس صيانة الدستور، حيث هناك ستة من الفقهاء القانونيين وستة من فقهاء الشريعة لكي يميزوا .." لقد ورد في نفس الحوار مع جمال الدين" الأمريكان لم يتخلوا في كتابة الدستور العراقي، [ أي عكس مزاعم هيئة العلماء ـ عزيز ] وإنما دورهم تنسيقي، وبالتالي فإن الأمريكان احترموا إرادة العراقيين في أن يكتبوا دستورهم. وفيما يتعلق بمسألة الدين والدولة فهناك موازنات بين القوى السياسية.. الائتلاف الشيعي قوة موجودة ومدعومة من مرجعيات دينية.. ويبقى التوافق السياسي هو ما توصل إليه الدستور." و" لا يمكن أن نقول إن البرلمان متوازن وقادر على كتابة دستور متوازن للعراق، فلابد أن نمرر هذا الدستور الآن ولكن لا بد أيضا من إبقاء الباب مفتوحا لإجراء إصلاحات عليه في المستقبل." مرة أخرى وهل الباب مفتوح قبل ثماني سنوات ومع وجود المحكمة العليا؟! ومن يضمن أن يأتي البرلمان القادم "متوازنا" حقا؟! وبعد هذا كله فإن الدستور يحمل مواد يضرب بعضها بعضا. فالاعتراف بالحقوق والحريات الأساسية مقرون بشرط الانطباق مع أحكام الشريعة كما بينا. فكيف سيتم التفسير والتطبيق؟ وهل ليس في هذا التناقض وغيره عوامل خصام وصدام في المستقبل؟؟ هذه بعض الملاحظات المفتوحة للنقاش، أدلي بها كوطني عراقي مستقل وبلا هوس للربح والخسارة وبلا خوف من الاتهامات البائسة التي رأيت منها كميات بالأطنان على مدى عقود من السنين!! أخيرا، مرحى للخلاف وللنقاش الموضوعيين، ولا للمهاترات وطلب رأس الحاج !! كما طالب مؤخرا شخص تائه حاقد. إن بيني وبين كتاب أصدقاء خلافات حول بعض القضايا السياسية الهامة، ومنها حول الدستور، ولكننا نتناقش بهدوء وبود وبغير انفعال. ولا تقدم بغير تصحيح الخطأ وقبول الآخر ما دام الطرفان حريصين على مصالح الشعب كله لا مصالح لون واحد أو فئة واحدة وحسب.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |