عروبة العراق أم عراقية العرب؟

 

علي آل شفاف

talib70@hotmail.com

                                                            

العراق دولة عربية (وفق المفهوم المتداول), لا شك ولا مواربة في ذلك. وهوية العراق عربية ـ أيضا ـ لا شك ولا مرية (عندي) في ذلك. لأني لا أؤمن بعراقية الأكراد, فضلا عن حشرهم مع العرب حشرا. فالأكراد أمتين ـ الكرمانج أبناء الحيثيين, والسوران والكوران أبناء الميديين ـ مختلفتين تماما بلغتهما وعاداتهما وأعرافهما جمعتهما الجغرافية. وهما أمتان مختلفتان عن العراقيين (العرب وغير العرب). ولا رابط بينهما سوى الدين والجوار. ولا أظن أن أحدا ممن ترك عبادة صنمي (سايكس) و (بيكو) يرى غير هذا الرأي.

أما العراقيون الآخرون فهويتهم محترمة إلا أنها لا تؤثر ـ عمليا ـ على الهوية العامة للعراق. فضلا عن أن "الكلدان" و "الآشوريين"  و "الأرمن أو الآراميين" في العراق (وحتى في أرمينيا كما يؤكد بعض من أهلها) والصابئة واليزيديين, كلهم من نفس الأصل (العراقي) الذي خرجت منه الجماعات التي سميت فيما بعد بـ "العرب".

إن الهجرات السامية الأولى كانت قد خرجت من العراق إلى ما حوله (عكس المشهور), ثم تلتها هجرات (مكوكية) متعددة منه وإليه. لأن حادث الطوفان حدث في العراق, أي في بابل وما يجاورها حتى سماه الآثاريون بالطوفان البابلي (Babylonian Deluge). كما يؤكد اللوح الطيني المكتشف في مكتبة "آشوربانيبال" (Ashurbanapal) وتأريخه (668-626 B.C.), وفيه قصة الملك الأسطوري "كلكامش" (Gilgamesh) الذي يبحث عن الخلود وفيها يشير إلى "بطل قصة الطوفان البابلي" الذي يسمى في هذا الرقيم بـ (Ot-napishtim). وهناك لوح يعود إلى 1500 عام قبل اللوح الأول (حولي 2100 قبل الميلاد) يذكر فيه أيضا قصة نوح البابلي (Ot-napishtim) والطوفان. يعد هذا اللوح أقدم قصة معروفة للطوفان. أما في الرقيم الآخر الذي فيه رواية أخرى للطوفان, والمكتشف في "مكتبة نينوى الملكية" ويعود إلى الفترة نفسها التي يعود إليها اللوح الأول تقريبا (c. 650 B.C.) يذكر صدور الأمر الإلهي "لبطل القصة" الذي يسمى هنا بـ (Hastsu-atra) وما يقابله في الإغريقية (Xisouthros) (والذي يعني الحكيم أو بالغ الحكمة) ببناء السفينة وملئها بالناس والحيوانات.

(The Babylonian Expedition, The Univ. of  Pennsylvania, by  Hilprecht

الصفحة 33 وما بعدها)

 لذلك فالقول بأن الهجرات السامية الأولى خرجت من الجزيرة إلى العراق والشام,

يغفل مثل النصوص أعلاه. ولا يفسر لنا كيف ومتى تواجد الساميون في الجزيرة, وقد حدث الطوفان في العراق. وهذا التناقض يؤكد كون الهجرة الأولى كانت من العراق إلى الجزيرة, حيث انتشرت الجماعات المهاجرة في صحاراها والصحارى الممتدة بين العراق والشام إلى سيناء.

لقد سميت هذه الجماعات بـ "العرب" أو  "Arubu"و  "Aribi" و "Aribu" و "Arub" و "Arai" و "Urbi" و "Arbi" نتيجة لخروجها إلى الصحراء, وتحولها إلى حياة البداوة. حيث  سماهم "الآشوريون" (أو "الأكديون" وقبلهم  "السومريون" على الأرجح) بهذه التسمية. ثم عممت هذه التسمية على البدو والحضر معا, لتصبح تسمية لقومية, بعد أن كانت وصف لطريقة حياة مجموعة من الناس, سموا فيما بعد عربيا بـ "الأعراب". (أنظر كتاب "المفصل في تأريخ العرب قبل الإسلام ـ الجزء الأول, الفصل الأول "تحديد لفظة العرب". للدكتور جواد علي. وكذلك كتاب "العرب واليهود في التاريخ" للدكتور أحمد سوسة).

وهكذا تدل رقع التأريخ ورقمه المبعثرة في ما ها هنا وهناك, على أن العرب هم عراقيوا الأصل على عكس المشهور والمتداول ـ من أن الجزيرة هي أصل العرب. حيث تَنَقَّلَ قسم من سَكَنَة العراق القديم في صحراء "الجزيرة" (ما بين دجلة والفرات) وصحراء "السماوة" وما بين العراق والشام. ثم انتشروا في صحراء "سيناء", وفي صحراء "جزيرة العرب", فأطلق على هؤلاء جميعا تسمية "العرب". تلك التسمية التي امتدت فيما بعد إلى من استقر منهم في المناطق الحضرية في الحجاز واليمن. ثم تحولت إلى تسمية لقومية ـ كما مر. ثم عاد جزء من هذا القسم كموجات إلى العراق في فترات متعددة؛ كما هو الحال بعد انهيار سد مأرب, أو عند الفتح الإسلامي وبعده. فما أكثر ما اشتهر وصار عرفا أو عقيدة أو حقيقة, سار بها الناس . . زرافات ووحدانا . . كابرا عن كابر. .  وليس لها أصل, ولا فيها فصل.

 أما في كتب التأريخ العربية الإسلامية نجد أن نصف العرب الأكثر عددا ـ ربما ـ وهم "العرب المستعربة", ومنهم النبي محمد (ص), هم ولد النبي إسماعيل بن النبي إبراهيم (ع), وهو ابن الرافدين وابن "أور", وليس "أورفة" كما يزعم البعض الذي رمى بسفينة النبي نوح (ع) إلى "أرارات"؛ بعيدا عن "نينوى" الممتدة من جنوب الموصل إلى شمال صحراء السماوة ـ وفيها "الجودي" الذي رست عليه, كما ذكر في القرآن الكريم. وقد ولد إبراهيم (ع) في بدايات الدولة البابلية الأولى "الأكدية", التي كان "حمورابي" أشهر ملوكها.

أما نصف العرب الآخر ـ العرب العاربة (اليمانية) ـ ففيهم أقوال وآراء (حسب كتب التأريخ الإسلامية), أميل إلى القائل منها بعراقيتهم أيضا, وقد تعرضت باقتضاب لبعض المصادر في هذا الشأن في دراستي (المرتجلة) عن أصل العرب المنشورة سابقا.

لذلك فالعرب (الأصليين) هم الذين يتقومون بعراقيتهم, وليس العكس. فمن ادعى العروبة ـ كعرق ـ وليس له أصل عراقي فليس بعربي.

 ثم لا بد لنا أن نتسآءل قبل هذا كله: هل أن كل من ادعى العروبة هو عربي الأرومة؟ ومن هم عرب اليوم؟

 هل هم المتعربون من فراعنة مصر ونوبييها, وأفارقة السودان, وبربر الجزائر وتونس والمغرب, و (فلسطينيوا) فلسطين الذين سكنوا فلسطين الحالية قبل العرب, وشراكسة وشيشان وألبان الأردن, وترك وفرس وألبان ورومان سوريا, وهنود وأفارقة وآسيويي وفرس الخليج؟ مع كامل الإحترام والتقدير لكل هؤلاء.

وبعد أن أترك الإجابة للقارئ اللبيب, لا بد لي من القول أنني ـ كمسلم ـ أؤمن بأن: "أكرمكم عند الله أتقاكم", وأن: "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى" وبهذا أدين الله. إنما أتكلم بلغة مسيّسي الانتماء العرقي. ومنظري التعالي القومي.

كما أنني أؤمن بأن: "ليست العربية منكم بأب ولا أم وإنما هي اللسان" أو بهذا المعنى, صح هذا الحديث الشريف أم لم يصح. فإن الفراهيدي وأبا نؤاس, وابن برد, وأبا العتاهية, والجاحظ, وأبا حنيفة النعمان, وابن حنبل, ومالك, والطوسي, والبخاري, والصدوق, ومسلم, والكليني, والترمذي, والنسائي, والطبرسي,  والطبري, والكسائي, ونافع, وأبا داود السجستاني, والحاكم النيسابوري, وابن سينا, والفارابي, والرازي, وغيرهم المئات . . بل الآلاف من غير أرومة العرب ممن قدم لحضارة الإسلام والعربية الخدمات الجليلة (مهما كان موقفنا منها) والتي عجز عن تقديمها العرب أنفسهم, (إن) هؤلاء ـ لا شك ـ هم أكثر عروبة من "عمرو موسى" وأمثاله.

بهؤلاء قامت (حضارتنا) السالفة, عندما لم يكن هناك ما يسمى بـ "القومية العربية" بمعناها السياسي الحالي. تلك الفكرة التي استغلت كغطاء ووطاء للجرائم الفظيعة التي ارتكبها دعاتها.  وهي بلا شك ستهبط بأتباع كل فكر قومي متعصب (شوفيني) آخر, قد يظهر لدى أتباع القوميات الأخرى, إذا تبناها فكر سياسي شمولي كما في العراق سابقا وفي أماكن أخرى.

 بناءا على ما سبق أقول: إن العراق هو أصل العرب. والعرب هم قسم من أقوام عراقية قديمة انتشرت خارج العراق (الحالي). أما القسم الذي استوطن منهم الجزيرة العربية, فبعد هجرته الثانية من الجزيرة العربية إلى العراق والشام ومصر وشمال أفريقيا إبان الفتح الإسلامي, أختلط مع من تواجد في هذه الأماكن وغلبت هويته عليهم بفضل حمله الإسلام. (أنظر "مقدمة ابن خلدون") فأصبح الجميع يسمى عربي, وإن لم يكن عربيا. فيما كانت تسمية العراقيين بالعرب هي من باب تسمية الكل بجزئه الأكثر حضورا. لأن صفة العراقية هي الصفة الشاملة لكل العرب الأصليين (في داخل العراق وخارجه) بالإضافة إلى العراقيين الآخرين, من غير الأكراد والتركمان.

   

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com