|
الطريق الثالث او (تحالف المؤتمر الوطني) محمد حسن الموسوي معسكران سياسيان برزا في الافق بُعيد تحرير بغداد, معسكر تبنى نظرية التغيير الجذري وبناء عراق جديد على اسس ديمقراطية ومدنية معاصرة لاتمت الى العهد البائد بشئ يذكر. ومعسكر ترقيعي تبنى نظرية اعتماد مؤسسات النظام السابق مع اجراء عملية تجميل لها اي ابقاء هيكلية النظام من دون المساس بها مع ترقيع وتجميل مظهرها من دون احداث تغيير يذكر بباطنها. المعسكر الاول تزعمه المؤتمر الوطني العراقي الذي يقوده السياسي الليبرالي احمد الجلبي ومعه الاحزاب التي ناضلت ضد نظام البعث الصدامي كالمجلس الاعلى وحزب الدعوة والحزب الشيوعي واحزاب اخرى. اما المعسكر الثاني فقد مثلته القوى السياسية التي فقدت امتيازاتها جراء عملية التغيير او تلك التي لم يكن لها تاريخ نضالي يذكر وكانت اما محسوبة على النظام او موقفها محايد منه ومن ابرز قيادات هذا المعسكر السياسي المخضرم عدنان الباججي. المعسكر الاول كان وراء الدعوة الى اجتثاث البعث ودليله فيما يدعو اليه هو التجربة الالمانية والايطالية واليابانية بعد سقوط الانظمة الديكتاتورية التي كانت تسيطر عليها بعد الحرب العالمية الثانية حيث قادت امريكا تحالفا ضخما لاسقاط تلك الانظمة وابدالها بنظم سياسية ديمقراطية على غرار ماتفعله الان في العراق. المعسكر الثاني وقف بالضد من سياسة اجتثاث البعث وكذلك من سياسة حل الجيش والغاء بعض مؤسسات النظام السابق من اجهزة القمع المعتمدة في العادة لدى النظم الشمولية مبررا رفضه لتلك السياسات بأن هذه الاجهزة هي اجهزة دولة وليست نظام, وفسر سياسة الأجتثاث على انها سياسة تطهير طائفي وعرقي. انعكس هذا الاستقطاب فيما بعد على مجمل العملية السياسية في العراق وبرز الى العلن عند تشكيل البرلمان العراقي المؤقت حيث استطاع انصار المعسكر الاول التحالف ضمن أئتلاف عر ف بـ( الائتلاف العراقي الموحد) في مقابل ذلك ناكف معظم انصار المعسكر الثاني العملية الانتخابية وقاطعوها ومنهم من دخلها بتحالف مع قوى اخرى لم تكن من المعسكرين لكنها في النهاية حملت نظرية المعسكر الثاني. يوما بعد يوم بدأت معالم المعسكرين تتضح وتتبلور لتصل الى شكلها النهائي حيث تحول معسكر الائتلاف العراقي الموحد الى معسكر للقوى الدينية بعد ان طغت على القوى الليبرالية فيه والتي كانت ممثلة بحزب المؤتمر الوطني العراقي وبعض الكيانات المستقلة. فيما اكتملت ملامح صورة المعسكر الثاني والتي بدت في النهاية علمانية محضة. وشآءت الاقدار ان يحصد معسكر الائتلاف اغلب مقاعد البرلمان الجديد بعد ان حقق انتصارا كبيرا كان الفضل فيه لعرابه وبانية احمد الجلبي وللمرجع الديني السيد السيستاني الذي استطاع قادة الائتلاف الاستقواء به في المعركة الانتخابية والتي ماكان لهم الفوزبها لولا دعم السيستاني وتوجيهاته للناخبين. الائتلاف كان تجربة فريدة من نوعها اسسه كما مرَّ الجلبي الذي مثل الاب الفعلي له بينما مثل الامام السيستاني الاب الروحي له. ورغم المحاولات الحثيثة والجهود الكبيرة التي بذلت لتخليص هذا الائتلاف من هيمنة الاحزاب الدينية التأريخية الا ان تلك الجهود ذهبت ادراج الرياح ووقع الائتلاف اخيرا ً اسير سلطوية الاحزاب الدينية ليفقد بعد ذلك بريقة الوطني الذي تشكل على اساسه حيث شمل كل تلاوين الشعب العراقي ولكنه وللأسف فشل في احتواء تلك التلاوين وكانت اولى علامات الفشل هو عدم قدرته على احتواء حلفائه من السنة الذين تحالفوا معه بالأضافة الى تنكره لدور الليبراليين الذين ساهموا في تشكيله حيث توالت الضغوط على القوى الديمقراطية الليبرالية التي ظنت انها قادرة على خلق توازن يمتص غلواء الاحزاب الدينية . بات واضحا ان الزواج السياسي الذي جمع القوى الليبرالية والدينية في الائتلاف العراقي الموحد لم يكن زواجا دائما بل كان زواج متعة ان لم يكن زواج مسيار. وبات اوضح للعيان ان منهجا ً جديدا ً وسبيلا ً قويما ً وطريقا ً سياسيا ً مهيعا ً في طريقه للظهور في افق الحياة السياسية العراقية الجديدة ذلك هو (تحالف المؤتمر الوطني) او ما يمكن تسميته بـ (الطريق الثالث) . تقوم فكرة هذا التحالف الوليد الذي اوجده عراب التحالفات السيد الجلبي على اساس المزاوجة بين الحداثة والاصالة, بين الديموقراطيين الليبراليين وبين الاسلاميين المعتدلين. بين الليبرالية والاسلاموية الرشيدة . ويركز التحالف الوليد على المستقليين الذين يشكلون عموده الفقري المتحدرين من كل الاطراف حيث كشفت تحالفات المرحلة المنصرمة عن خلل كبير تعاني منه الحياة السياسية والبرلمانية والمتمثل بسيطرة الاحزاب التأريخية والتيارات التقليدية وتهميش المستقلين الذين يشكلون الغالبية العظمى من ابناء المجتمع العراقي والذين تم الالتفاف على وصايا الامام السيستاني بأستيعابهم يوم شكل الائتلاف العراقي الموحد. كانت نتيجة هذا التهميش هو غمط حقوق المستقلين ومن هنا جاءت فكرة (تحالف المؤتمر الوطني) لأستيعاب الكتل السياسية والمدنية المستقلة ذات التوجهات الليبرالية المعتدلة والاسلامية الرشيدة وبهذا يكون (تحالف المؤتمر الوطني) قد توفر على ميزة وخصوصية يفتقر اليها المعسكران الاخران اللذان يتكونان من تحالفات متطرفة اي اما علمانية محضة او دينية محضة وبالتالي فان خارطة هذه التحالفات ستؤدي بالنتيجة الى حالة من الاستقطاب الايديولوجي الحاد مما قد يولد لاسامح الله في المستقبل حالة من التصادم بين مكونات هذه التحالفات كما حصل في الستينيات من القرن المنصرم. ان الواقع السياسي العراقي الحالي لايتحمل مثل هذا الاحتكاك بل هو بحاجة الى خط عقلاني متزن يعيش الوسطية ويتحلى بالواقعية السياسية ويجنب العراق كوارث الانفلات السياسي والذي قد ينتج عن اصطدام محتمل بين المعسكرين الاخرين اي معسكر التطرف العلماني ومعسكر التشدد الديني. وتأسيسا على ذلك جاء (تحالف المؤتمر الوطني) ليشكل منهجا وسطا بين القطبين المتناقضين الممثلين بمعسكر العلمانية المتطرفة والاسلاموية المتشددة اي نستطيع القول انه الطريق الثالث بين طريقين وعرين. العالم يترقب اعلان ولادة هذا التحالف في الساعات القادمة اذا ما سارت الامور كما خطط لها والذي سيقوده السياسي احمد الجلبي بالمشاركة الفعلية مع حلفاءه القادمين من شرائح الشعب المختلفة وُجلهم من ابناء الطبقات المحرومة ومن جيل الشباب حيث سيشهد العراق ولأول مرة تولي المرأة مناصب عليا اذ يتضمن برنامج هذا التحالف اعطاء منصب نائب رئيس الحكومة لأمرأة. وسيضمن مشاركة حقيقة لعنصر النساء وسوف لن يؤتى بهن كديكور فقط بل ستكون المرأة والشاب في حكومة (تحالف المؤتمر الوطني) القادمة عناصر اساسية لا ثانوية ولعل هذا ما شجع الادراة الامريكية على دعوة الجلبي لزيارة واشنطن لأنها تتوقع انه سيكون اول رئيس وزراء منتخب في حكومة دائمة فهل سيتحقق هذا السيناريو؟ سؤال ننتظر الاجابة عليه منتصف شهر ديسمبر القادم.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |