الدكتور وليد محمود خالص العالم المتواضع

 

 

زهير كاظم عبود

لم يزل العراق يزخر بالطاقات والأقلام والعقول  التي تبحث في ثنايا اللغة و الدراسات والتحقيقات العلمية وقضية الثقافة  بصمت الكبار وتواضعهم  ، لم تزل الأسماء العراقية التي نقشت حروف أسماؤها فوق سماء العراق  وفي ثنايا قلوب اهله الطيبين بأحرف متوهجة ومضيئة ، لم يزل مصطفى جواد وأبراهيم السامرائي وأبراهيم الوائلي ومهدي المخزومي وعلي جواد الطاهر  وكاصد الزيدي وغيرهم من عمالقة اللغة حاضرين في أبحاث ودراسات تلاميذهم البررة .

الدكتور وليد محمود خالص أحد هؤلاء التلاميذ  ، وحامل مشعل هؤلاء  الكبار وبقيتهم فينا  ،  يتخطى فواصل الزمن ويكتب بلغة الكبار بصمت وتواضع جم ، وليد محمود خالص هذا الأسم الذي تنفلت من بين أصابعه نجوم الأبحاث الأدبية  وأزاهير اللغة العربية  يعطر بها زهو المدن التي يحل بهــا ، لايتوقف عطاءه ولاينضب معينه .

الدكتور وليد محمود خالص  التلميذ الأمين على ما تعلمه من أساتذته في طريقة أبحاثه التي تتسم بالعمق والتبسيط ، والتي أنجزها في فترات متباعدة والمكتبة العربية بأمس الحاجة لهذا الجهد الرصين ، والتي أنعكست على تلاميذه ومتابعيه .

ومن أروقة جامعة السلطان قابوس في عمان – كلية الأداب والعلوم الأجتماعية  قام الدكتور وليد محمود خالص وهو المتخصص بتدريس مادة النقد القديم ،  بتحقيق كتاب (( مقدمة الدرالفريد وبيت القصيد )) لمحمد بن سيف الدين أيدمر المستعصمي ت 710 هـ ، وهو فلك الدين أبو نصر محمد بن سيف الدين أيدمر بن عبد الله المستعصمي ، وبعد أكتمال تحقيق الكتاب  بالشكل الذي أوصله الى القاريء العربي قام بأهداءه في المقدمة التي كتبها الى الغائبين الحاضرين حقاً مصطفى جواد وأبراهيم السامرائي ، حيث أصبح تراث الأول مورداً  ينهل منه الاخرون دون ذكر أو شكر ، ورحل الثاني محروراً حزينا بصمت ، خدما لغة القرآن وأفنيا عمريهما في تبيان أسرارها والدفاع عنها ،  وتلك مفارقة نلمسها بألم دفين ، وأسماء مثل التي خطرت على بال الدكتور خالص أو تلك التي لم تخطر تشير الى جزء من حياة العراقيين وتباهيهم بهذه الأعمدة الرخامية الجميلة  في الأدب ،  وأشعل لهما لمسة من الذكريات مبللة بدموع الوفاء  ، وهي لحظات صدق باقية بأعناق العراقيين .

والكتاب المحقق ينتمي في سياقه التاريخي الى مراحل من حياة الأمة سميت جزافاً بالمظلمة ، وقبل الدخول في المادة المحققة تطرق المحقـــق الى حياة المؤلف ومكانة الكتاب وقيمته الادبية ، مع وصف النسخة المعتمدة في التحقيق وأسباب نشر المقدمة وحدها وتقييم عمله في التحقيق .

وضمن سياق التحقيق يتعرض المحقق الى أسباب الشعر وفصاحة اللفظ وأبداع المعنى وأصناف البديع وصدق التشبيه ومشاكلة التجنيس ومباينة التطبيق ووقوع التضمين ونصوص الترصيع وأتزان التسميط وصحة التقسيم وموافقة التوجيه وحدة الأستطراد وحلاوة الأستعارة ونظافة الحشو والترديد والتصدير وتأكيد الأستثناء وكمال التصميم والأيغال في التبليغ وفي الغلو وموازة المقابلة وسهولة التسهيم ودلالة التتبع وبراعة الأيتداء وتمكين القوافي وخلوص السبك .

والكتاب من أعلاق المكتبة العربية أعتمد على 201 مصدر من المصادر العربية ، وأورد المحقق ضمن فصوله أبياتاً من الشعر العربي التي تشير الى موضوعاتها .

فنقل عن الحطيئة :

هم القوم الذين أذا المت            من الأيام مظلمة أضاءوا

وعن أبي تمام :

جبال فوارغ ، غيوث هوامع         نجوم طوالع ، سيول دوامع

أما ثمرة العلاقة المستمرة بالأدب في منطقة الخليج العربي التي زامنها الدكتور وليد محمود خالص مدة تزيد على 20 سنة ، أقترب بها الباحث عن كثب من الحركة الأدبية في منطقة الخليج  العربي قديماً وحديثاً  ، فأنجز كتاباً يعد من الكتب الموسوعية والمهمة التي تبحث في قضايا الأدب في دول معينة من دول الخليج العربي ، فقد أنجز كتابه  (( الأدب في الخليج العربي – دراسات ونصوص )) والذي طبع من قبل المجمع الثقافي في أبي ظبي ، حيث تم تقسيم الكتاب الى ثلاثة أجزاء .

الأول عن دولة الأمارات العربية المتحدة ، حيث اختار الباحث قصص عبد الحميد أحمد – دراسة في البيئة المكانية ، ثم قصص محمد المر حيث أشار الى الخيط الرفيع الذي يربط الأجزاء المتناثرة للقصة ظاهرياً ،  والقصة القصيرة دراسة في المضمون والبناء ، ونقد الشعر في مجلة شؤون أدبية دراسة في المنهج والمادة ،  وجدلية المرأة والطبيعة في شعر سلطان العويس تجليات الرؤيا وآفاق التصوير  ، حيث تطرق الى الشخصية في القصة القصيرة والتي لايمكن الأستغناء عنها بالرغــم من الحيز الصغير لحركة القاص لنقطة التنوير .

الثاني عن دولة البحرين ، حيث تعرض الباحث الى حياة الشاعر الصلتان العبدي وماتبقى من شعره .

بالأضافة الى دراسة سيرة كمال الدين ميثم بن علي ميثم البحراني .

ومنهاج السلوك في معارج الملوك لمحمد بن أحمد بن محمد بن يوسف بن صالح البحراني ، بعده ديوان الشيخ محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف بن صالح بن خميس بن مخزوم  الأصبعي الأرالي البحراني .

الثالث عن سلطنة عمان ، نص في السلوك العماني للشيخ سعيد بن خلقان الخليلي ، دراسة في مخطوطة عمانية (( إ يضاح نظم السلوك الى حضرات ملك الملوك )) للشيخ ناصر بن جاعد الخروصي . حيث يؤكد الدكتور خالص ان حركة الثقافة الحديثة والمعاصرة في سلطنة عمان تحاول أن تجد لها مكاناً فاعلاً من خلال محورين الأول الاتكاء على التراث والانطلاق منه والثاني في الانقطاع عن التراث وطرح ثقافة بديلة يراها أهلها بديلا..

والمتابع لنتاج الدكتور خالص  وهو من رواد الفكر النقدي العربي ، بالرغم من مشاغله الأكاديمية وحرصة على واجبه في نشر الكلمة الطيبة واللغة الرصينة بين طلبته الذين يتابعون  الدكتور خالص فهو ينهل لهم من منهل الأولين الذين خطوا بعرقهم كل هذا العطاء  ، وجسد لهم ليس فقط العطاء والمعرفة والأمانة العلمية ، وأنما جسد لهم تلك الشخصيات العملاقة في مجالها العلمي التي بتنا نفتقدها في زماننا الحاضر .

مجموعة كبيرة من الدراسات والتحقيقات العلمية أستطاع الدكتوروليد محمود خالص أنجزاها ضمن الفترات المتباعدة التي كان بها في سلطنة عمان يعمل في أروقة جامعة السلطان قابوس في كلية الأداب والعلوم الأجتماعية ، أهتم اغلبها بتوثيق أجزاء مهمة  من الحركة الأدبية والعلمية في الخليج العربي ، وهي مهمة ليست باليسيرة ، بالأضافة الى الحاجة الماسة لها ضمن هذا السياق  ، حيث كان في العام 1992 قد أنجز تحقيق ديوان الشيخ محمد بن أحمد الأصمعي .

وحرصاً أكيداً على المستوى المعرفي العميق الذي يتمتع به الدكتور وليد محمود خالص فأنه لاينفك عن المتابعة والبحث والتقصي ،  وأرتياد حقول مدروسة سابقاً نبش في ترابها وقلب صفحاتهاوصقل معلوماتها  فحق لنا أن نسمية كتاباً جلياً واضحاً للجهد الذي طفح من عرق المثقفين والأدباء في تلك الدول ، ودرر مثل تلك التي يفكك الدكتور وليد خالص أسرارها ويمنحها للقاريء وللمستقبل زاهية ويجللها بتحليل يزيح عنها كوامنها ورموزها ، ويعرضها سهلة سلسلة لتكون بالأضافة الى ما أحتوته المكتبة العربية من نفائس المخطوطات التي تم تحقيقها رصيداً آخر .

وتحقيق الكتب المخطوطة من أكثر المهمات صعوبة ، مثلما أكثرها أهمية لأكتشاف بواطن الثقافة ضمن مراحل معينة هي الفترات التي كتبت بها هذه المخطوطات ، والتي يستلزم لأكتشافها وتحليلها وتحقيقها قدرة وسعة علمية ، توفرت في شخص الدكتور وليد محمود خالص ، فكان لها أهلاً ومتمكناً في التحليل والتحقيق .

وأذ نفتقد الأسماء الكبيرة في اللغة والتراث بعد أن رحل الكبار الى دار الحق ، وبعد أن هاجر غيرهم في بلدان الله ، لم يزل هذا العالم الجليل يخطو بثبات وثقة وهو يحمل مشاعلهم التنويرية ويسلك خطواتهم ليجسد وجودهم الأمين  من موقعه الأكاديمي في جامعة السلطان قابوس في عمان يهدي الى عشاق اللغة ومتابعي الثقافة العربية تحقيقات وتحليلات في خدمة اللغة وتبيان أسرارها والغوص في بطون الشعر لينهل منه قراء العربية ، فقد سلموه المشاعل ليكون أخر العمالقة في اللغة والتراث ، بأنتظار أن يتوالد عمالقة في اللغة في كل مكان من هذا الوطن الفسيح .

 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com