|
يوم الأستفتاء .. وتأثيره على أداء القوات المسلحة العراقية محمد الخضري خبير في شؤون الأمن والدفاع
لقد كان يوم الأنتخابات العراقية في تشرين الثاني الماضي يوماً غير عادي بالنسبة للمتتبع للأداء الأمني للقوات العراقية من جيش وشرطة وأجهزة أمنية فقد كان للأستجابة غير المتوقعة للشعب العراقي وأقباله على الأنتخابات بهذه الكثافة والشجاعة دوراً فعالاً في تغير الحالة الأمنية في الكثير من ربوع ومدن العراق. أن للشارع العراقي حس عسكري أو معرفة بالأمور العسكرية نتيجة الحروب الطويلة وحالة الأستنفار الدائمة التي عاشها المجتمع العراقي في ظل النظام البائد لذا تجد الفرد العراقي ينعكس عليه الأداء الأمني سواء بالسلب أو الأيجاب. وكل العراقيين يدركون الظروف العسيرة التي رافقت تأسيس القوات العراقية وما رافقها من أخطاء فادحة من قبل الأدارة المدنية الأمريكية في العراق نتيجة أستبعاد الطرف العراقي بالكامل أما بالنسبة للأمور الأساسية الرئيسية فلا يخفى على أحد أن أعداد القوات لاتتعدى نسبة العشرين بالمئة من الأعداد المطلوبة والمفترضة لبلد مثل العراق من حيث المساحة وكثافة السكان كما أن الجميع يدرك ان التسليح هو من المستوى الخفيف والمتوسط الخفيف ومن مخلفات الجيش السابق والتي هي في الأساس غير صالحة للأستخدام التعبوي. والعدة والعدد هما عمودان من ثلاث أعمدة رئيسية تقوم على أساسها الجيوش وأما العمود الثالث وهو العمود الأهم والذي من الممكن أن يعوض الكثير من النقص الحاصل في العمودين الأول والثاني وهذا العمود هو الثقة أو مايسمى بالمصطلح العسكري المعنويات وهذا العنصر كان مفقوداً بالمرة في المرحلة التي سبقت يوم الأنتخابات وسط أستغراب كبير ليس من الشارع العراقي بل حتى من القائمين والمشرفين على القوات العراقية فكم من مرة شاهدنا وسمعنا بأن عدد قليل من الأرهابيين لايتجاوز عدد أصابع اليد قاموا بقتل او أحتجاز عدد يفوقهم من الشرطة أو الجيش ويقوموا بعدها بحرق وتفجير المراكز أو المواقع بمحتوياتها وقد كان لهذه العمليات أنعكاسات عديدة ومختلفة فقد كانت تزيد من أنعدام المعنويات في صفوف القوات العراقية وتعطي مؤشراً للمجتمع العراقي بأن هذه القوات غير جديرة وغير مؤهلة بأن تحمي نفسها وبالتالي فأنها عاجزة عن حماية المجتمع وهذا أدى أن تخسر القوات أهم عنصر في طريق الأمن والأستقرار وهذا العنصر هو الفرد العراقي الذي وجد نفسه غير قادر على التعاون مع هذه القوات لأنه يشك في قدرتها على حمايته من القوى الأرهابية أذا ما أنكشف أمره وفي الوقت ذاته كانت المعنويات في الطرف الارهابي تزداد وهذا كان يشجعها على القيام بأعمال أرهابية أكبر وأوسع وهذا ماحدث بالفعل وأستمر الوضع على حاله الى يوم الأنتخابات والذي لايعد يوماً خالداً في التاريخ العراقي المعاصر فحسب بل يعد يوماً مهماً في التاريخ العسكري العراقي حيث أنقلبت الامور رأساً على عقب وتغيرت الموازين فقد كان للهبة الشجاعة والجريئة للشعب العراقي للمشاركة في عملية الأنتخابات دوراً كبيراً في التغير الذي حصل في أداء القوات العراقية حيث وهب الشعب العراقي قواته الباسلة جرعة كبيرة من المعنويات وجعل هذه القوات ترتقي بأدائها ليكون بذات الشجاعة التي عليها الشعب العراقي والذي سحق كل الأرهاب وتحدياته وخرج رغم أنف كل أعداء العراق وأمكانياتهم العالية وكانت لحظة التحول هذه أو البداية القوية للقوات العراقية هي عندما أحتضن أحد أبطال القوات العراقية أحد الأرهابيين والذي أراد ان يفجر نفسه في وسط حشود العراقيين في أحد المراكز الأنتخابية وكان أحتضان بطلنا العراقي للموت ليذود بنفسة قرباناً للحرية هي البداية التي نستطيع القول عنها البداية الفعلية لقواتنا البطلة وكانت الأشارة أو العلامة التي استدل منها الشعب العراقي بأن هذه القوات جديرة بأن تعبر بالعراق وشعبه الى بر الأمان وعندها كان التفاعل الكبير بين المجتمع العراقي وقواته البطلة وهذا كان هو السر الذي يكمن وراء الأداء والأنجازات الكبيرة للقوات العراقية بعد يوم الأنتخابات فكم من مرة شاهدنا هذه المرة أن تقوم أعداد قليلة من القوات بقتل أو أسر أعداد كبيرة من الأرهابيين واحياناً بدون أدنى مقاومة وكأن المشهد تغير بالكامل عما كان عليه قبل الأنتخابات وفي الفترة الواقعة بين يوم الأنتخابات ويوم الأستفتاء كانت هناك محطة عسكرية لابد من المرور بها ألا وهي عملية تطهير تلعفر من الأرهاب حيث تعد هذه العملية أوسع عملية للقوات العراقية منذ تأسيسها وقد بان للجميع أن هناك عقل وفكر عسكري عراقي جديد يعتمد على المهنية والتكتيك التعبوي الحديث وليس الفكر العسكري التقليدي وهذا بدا جلياً من خلال النتائج الباهرة مقارنة بالخسائر التي تكاد لاتذكر على الصعيد البشري أو المادي سواء في صفوف القوات أو صفوف أهالي تلعفر. وفي يوم الأستفتاء كانت هناك خطة أمنية شهدت أنصهاراً في الخطط والقوات والعمليات والمهمات بين وزارتي الدفاع والداخلية وهذا يحسب للسادة وزراء الدفاع والداخلية ومستشاريهم وأركانهم وأفرادهم كما أن هذه الخطة كانت بمثابة البداية الفعلية لأجهزتنا الأمنية حيث كان أثنا عشر ألف عنصر يرتدون الزي المدني يقومون بواجباتهم في كل أنحاء العراق بكل سرية وبتغلغل كامل بين صفوف المجتمع كما كانت هذه الخطة بمثابة البشرى للشعب العراقي وذلك بمشاركة القوة الجوية العراقية لأول مرة بعد طول أنتظار حيث قامت الطائرات العراقية بطواقمها العراقية بحماية المراكز الأنتخابية والطرق ومداخل المدن وأذا تعافت القوة الجوية واكتملت عدتها وتجهيزاتها الفنية فسيكون لهذا تأثير كبير على الوضع الأمني ربما لايتصوره الكثير من المراقبين ومن الأمور المهمة في الخطة الأمنية ليوم الأستفتاء هو أن هذه الخطة بدءت قبل يوم الأستفتاء بيومين من الأستفتاء وهذا فوت الفرصة على القوى الأرهابية أن تقوم بأعمال بربرية قبل يوم الأستفتاء من شأنها أن تدخل الرعب في نفوس العراقيين وتجعلهم يعزفون عن المشاركة في الأستفتاء كما أن الخطة الأمنية أنتهت بعد يوم الأستفتاء وهذا بدوره أيضاً فوت الفرصة على قوى الشر أن تقتص من العراقيين أنتقاماً من المشاركة الفعالة للشعب العراقي في الأستفتاء. الآن وقد مر يوم الأستفتاء بصورة باهية زاهية لم يكن يتوقعها أشد المتفائلين نعتقد أن هذا اليوم سيكون نقلة أيجابية أخرى في الأداء الأمني للقوات العراقية من جهة وسيكون كذلك نقلة أيجابية أخرى للمجتمع العراقي ومدى مشاركته الفعلية في الملف الأمني ورفده لقواته المسلحة بالمعلومات اللازمة لتحركات قوى الشر والظلام. وفي الختام نقول أن قواتنا الباسلة في الطريق الصحيح رغم الحرب الأعلامية الظلامية التي تشن ضد العراق وشعبه وبالتحديد قواته المسلحة لأن أعداء العراق والقائمين على هذه الحرب الأعلامية يدركون تماماً أن تطور القوات العراقية وأدائها معناه هو الوصول بالعراق وشعبه لطريق الأستقرار والأمن والأمان وهاهي قواتنا البطلة تقترب بنا من هذا الأمل وهذه حقيقة وليس خيال وأن غداً لناظره قريب والله ولي التوفيق.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |