هل من ضرورة لتحالفات وطنية ..؟!
هادي فريد
التكريتي
hadifarid@maktoob.com
عندما توجهت
الملايين من أبناء الشعب العراقي، في الانتخابات الأولى للإدلاء
بأصواتها، لم يكن يدور في خلد المواطن، أيا كان، سوى هدف واحد، وهو
أن يصوت ب \" لا \" للنظام الفاشي الساقط، و\" نعم \" للعراق
الجديد، بغض النظر، عمن سيحقق الفوز، أو كيف ستكون تركيبة الحكومة
الجديدة وتوجهاتها، وما هو البرنامج الذي ستنفذه ؟ من منطلق أن
الفترة، هي فترة انتقالية وتحتاج إلى اتفاق وطني، إن لم يكن إجماعا
وطنيا، تتفق عليها وحولها القوى السياسية العراقية، خصوصا وأن
المهام التي تعترضها، تؤسس لمرحلة بناء جديد لمؤسسات الدولة، لا
يمكن أن تنفرد بها جهة سياسية ما، مهما كان حجمها ومهما كانت
قدرتها على تخطي الصعاب، إن لم يكن، من البدء، تنفيذ خطوات رصينة
يساهم فيها الجميع، فلن تكون الخطوات اللاحقة تساعد على استقرار
البلد، وتوطيد الأمن فيه، ومعالجة ما يعانيه المواطنون من
احتياجاتهم المعاشية، فتشريع مسودة الدستور، والاستفتاء عليها، ضمن
ما هو مثبت في قانون إدارة الدولة، يشكل حجر الزاوية في ضمان الأمن
والاستقرار للبلد، بكل مكوناته القومية والدينية والطائفية . هذه
المهام لا يمكن تحقيقها، دون أن يكون هناك اتفاق وطني بين مكونات
قوى الشعب كافة، وهذا ما كان يتحسسه، على الأقل، هاجس القوى
الوطنية والديموقراطية وتشخيصها للصعوبات التي يمر بها الشعب
العراقي في هذه المرحلة .
بعد انتخابات كانون ثاني 2005، كان من المتوقع، أن يتم تشكيل حكومة
وحدة وطنية، من كل القوى السياسية العراقية الفاعلة في المجتمع
العراقي، بغض النظر عن موقعها في الجمعية الوطنية، لوضع حجر الأساس
لاستقرار البلد، وتحقيق حالة سلم وطني دائم بين مكونات الشعب
العراقي، وإيجاد حلول سريعة للمهام العاجلة، والمشاكل الآنية، التي
يعاني منها الغالبية العظمى من مكونات الشعب العراقي قبل وبعد سقوط
النظام . فتواجد قوات الاحتلال على الأرض العراقية، أحدثت خرابا
ودمارا مدمرين للشعب وللوطن، وقد أورثت هذا الخراب والدمار
للحكومات العراقية المتعاقبة، واصلاحه هو فوق قدرة أي حكومة
لوحدها، في الظرف الراهن، ضمن الواقع المضطرب . فإعادة بناء ما
تخرب بفعل الحرب والإرهاب، وعدم تعويض المتضررين من السكان، راكم
المشاكل وعقدها أمام أي حكومة قادمة . فما عاناه، ويعانيه، الشعب
والوطن من هموم ومشاكل كثيرة، حلها يطول إن لم يستعص على حكومة
بكامل الدعم المالي والاقتصادي من مجموع شعبها، فكيف الحال والوضع
كما هو معلوم ومعروف حاليا، إرهاب متعدد الأشكال والطوائف،
ومليشيات تستبيح كل المحرمات، وخزينة الدولة يجري نهب مدخولاتها
وتقاسمها، على الرغم من الشكوى في قلة مواردها المالية، وإدارة
مؤسسات وأجهزة حكم فاسدة ومرتشية، يطغي عليها شعور طائفي ذي اللون
الواحد، المشحون عاطفيا، بعقدة المظلومية والتهميش، طيلة ما يسمى
بالحكم الوطني، والشركاء في الحكم من القائمة الكوردستانية، هم
أيضا يعانون من الشعور ذاته، الذي يعاني منه حلفاؤهم، طيلة الفترة
المنصرمة نفسها، وهذا ما جعلهم ينصرفون لترتيب أوضاعهم
الكوردستانية الجديدة وتحصينها، وما عاد يعنيهم ـ وهم الشركاء في
حكم العراق كله وليس كوردستان لوحدها ـ كثيرا ما يجري في العراق
العربي، بقدر ما يعنيهم الاستجابة لتحقيق مطالبهم وأهدافهم، التي
تفاوضوا عليها مع ممثلي قائمة الائتلاف الشيعي، بعيدا عن الأضواء،
وبسرية، وبعد أن تمت الموافقة عليها، دخلوا بموجبها في تشكيلة
الحكومة، دون أن تنشر، في وقتها تفاصيل الاتفاق، ليطلع عليها الشعب
العراقي، وهذا ما ساهم مساهمة كبيرة في انفراد قائمة الائتلاف
الشيعي، في ترتيب أوضاع حكم وفق توجهاتها الطائفية، دون مراعاة
لكونها حكومة انتقالية، للعراق كله، ولها شركاء في السلطة، وهناك
شعب يهمه ما يجري في العراق كله، ما أوجد لاحقا حالة من عدم
الاتفاق والاختلاف على الكثير من قضايا الحكم، استوجبت حلولا
مبتسرة، آنية ومستعجلة، ولم يتم حسمها، لصالح غالبية الشعب
العراقي، على الرغم من وجود الجمعية الوطنية، التي هي الأخرى،
انشغلت بترتيب أمور تخص أعضاءها، أكثر مما تخص الشعب العراقي، الذي
فوضها في اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لإحلال الأمن والسلام بين
أبناء الشعب الواحد، وقطع دابر الإرهاب، ومعالجة ما يعاني منه
المواطن، من فقدان لضروريات الحياة، كالماء والكهرباء والوقود،
وتوفير العمل للغالبية العظمى من أبناء الشعب الذين فقدوه نتيجة
لتردي الأوضاع الأمنية، التي عمقتها تخبط الإجراءات الطائفية، في
اقصاءات لكوادر مهنية بحجج مختلفة، وتعيينات جديدة دون كفاءة أو
مؤهل، غير بطاقة المرور الطائفية أو الحزبية أو القرابة، وحرصا
منها على تحقيق نجاحات طائفية محققة، في الانتخابات القادمة، أقدمت
الحكومة على تمرير تعديل لقانون الانتخاب، السابق، الذي جاء بها
إلى السلطة، بما ينسجم والفكر الطائفي ـ المناطقي ( قوى الإسلام
السياسي بكل فصائلها وتوجهاتها السياسية، تستخدم ما تتيحه النظم
الديموقراطية من أساليب للوصول إلى الحكم، وبعد أن يتحقق هدفها،
تلغي أو تعدل كل القوانين التي تقر التعددية وتداول السلطة وحرية
المواطنين، وما أجرته حكومة الائتلاف من تعديل على قانون الانتخاب
يصب في هذا الاتجاه ) بحيث يضمن لها مركزا متميزا، بعيدا عن
الإلتزام بأي برنامج للحكم اللاحق، وبغض النظر عن محتواه وما يتعهد
به، سياسيا واقتصاديا ووطنيا للمجتمع، فبدلا من أن تسعى الحكومة
الانتقالية الجديدة إلى توسيع قاعدة الممارسات الديموقراطية،
وترسيخ نهج المشاركة الجماهيرية في الانتخابات، لجميع فئات الشعب،
دون هدر لصوت أي ناخب، في أي مكان بالعراق، ولتشمل كل الطوائف
والمذاهب والقوميات، التي شتتها السياسات العنصرية والفاشية
والطائفية بعيدا عن أماكن تواجدها الحقيقي، أقدمت على هذا التعديل
الذي يحقق لها حكما طائفيا، وهذا ما شكل تراجعا عن موقف متقدم،
أقدمت عليه هذه الحكومة، وبذلك دللت أنها غير حريصة على ما تم
الإجماع عليه فيما أقره، قانون إدارة الدولة، أولا، وثانيا، في ما
تضمنته مسودة الدستور الدائم، التي أقرت التعددية الحزبية والتداول
السلمي للسلطة، وإجراء كهذا، أضر بكل القوى السياسية ومكونات الشعب
العراقي، خصوصا في المناطق الجنوبية والوسطى التي يشكل فيها إرهاب
المليشيات السمة البارزة في الحياة العامة، لفرض الرأي الواحد
واقتلاع الفكر المخالف، ففي الجنوب من العراق حيث الميليشيات
الطائفية، جيش المهدي وأتباع حزب الفضيلة، من هيئات الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، وميليشيات بدر، كل هؤلاء يمارسون كل ما شأنه قهر
المواطن وإذلاله، والتأثير على حريته في ممارسة كل شأن من شؤون
طقوسه الدينية والمذهبية والفكرية، وحتى التدخل فيما يلبسه وما
يتجمل به، وفرض الحجاب على كل النساء، وإشاعة تقاليد غريبة عن
المجتمع العراقي، واتخاذ إجراءات عقابية قاسية بحق المواطنين غير
المنصاعين لأوامرهم، بما فيها التهجير والقتل والتهديد به والسيطرة
على أموالهم بالقوة، ويوضع في هذه الدائرة، كل من يخالف توجهاتهم
الطائفية أو عدم الإيمان بما هم يؤمنون به، وبأساليب لا تقل قسوة
وفاشية عما كان في نظام البعث الفاشي المقبور ..أما في المناطق
الوسطى والغربية، فالوضع أدهى وأمر، وحياة المواطن، تتقاذفها
إجراءات المحتل، وسلطته الغاشمة والمدمرة، و غياب كل أثر لسلطة
الدولة وهيبتها، غير سلطة الإرهاب الطائفي، المتبادل، يشكل واقعا
لا يمكن إنكاره، فتفخيخ السيارات وتفجيرها، وقتل المواطنين
بالأحزمة الناسفة وذبحهم على الهوية، واختطافهم من بيوتهم وأماكن
عملهم في وضح النهار، ورميهم بالرصاص في كل شارع وحارة، والتمثيل
بجثثهم، أصبح أسلوبا مألوفا، لتصفية حسابات ثأرية، في الكثير من
المدن، ولم يعد هذا الأسلوب حكرا ـ كما كان ـ على القوى الإرهابية،
بشقيها الطائفي والفاشي إنما أصبح نهجا تقوم به كل المليشيات
الطائفية، بشكل رسمي، بعد أن استوعبتها وزارة الداخلية ضمن
عناصرها، حيث صرح عضو الائتلاف الحاكم، نائب رئيس الوزراء د. أحمد
الجلبي، \" ..أكبر أخطاء الائتلاف تعيين باقر صولاغ وزيرا للداخلية
التي حولها إلى مركز شرطة يتولى عمليات الاعتقالات الكيفية ومطاردة
الناس بالشبهات ..\" هذا الواقع جعل العمل السياسي في محنة حقيقية،
فالشخصيات والقوى من الأحزاب الوطنية والديموقراطية والليبرالية،
التي تناهض الحكم لتوجهاته الطائفية، لا تستطيع أن تنتقده من على
صفحات جرائدها، كما أن هناك مناطق في العاصمة العراقية، التي هي
مقر الحكومة، يحرم على المواطنين دخولها دون هوية دخول موقعة من
قائد هذه المليشيات أو تلك، فكيف بممثلي هذا الحزب أو ذاك المناوئ،
إن ارتأى ضرورة عقد لقاء جماهيري، لشرح أهداف حزبه أو لطرح برنامج
قائمته، وهذا الواقع لم يكن دون علم الحكومة، إنما بدعم منها
ومساعدتها، حيث ممثلي هذه القوى يحتلون مواقع متميزة في الجمعية
الوطنية وفي الحكومة، وهم ويراهنون على عودتهم لموقع الحكم، بزخم
أكبر واكثر فاعلية في الانتخابات القادمة، وهذا ليس ممكنا فقط، بل
ومؤكدا حصوله، نتيجة لغياب سلطة محايدة تجري الانتخابات وتشرف
عليها، و تؤمن حياة المواطن وتضمن حريته، بغض النظر عن عقيدته أو
طائفته أو دينه، فنتيجة لمثل هذا لواقع، يصبح الدستور، حبرا على
ورق، تشهره الحكومة الطائفية بوجه منتقديها .. والمفوضية العامة
للإنتخابات، ولوائحها التي تنص على تنظيم هذه الانتخابات قد تتجاهل
مثل هذه الممارسات، كما تجاهلتها في الانتخابات السابقة، رغم دعاوى
المفوضية من اكتسابها الخبرة في معالجة الأخطاء والنواقص، ولكن
ماذا ستجدي تجربة المفوضية في معالجة حالات التزوير، والضغط على
الناخبين، والتدخل في سير العملية الانتخابية، إن هذا ـ التزوير ـ
حقق فوز مرشحي قوائم بعينها، هل ستكتفي بتغريم المخالفين بضع
دولارات ؟ إن معالجة مثل هذه الأمور ووضع حد لها يتطلب صرامة في
العقاب، لا يقل عن إلغاء كل الأصوات التي حصلت عليها هذه القائمة
التي يجري التدخل لصالحها، وبدون تطبيق وتنفيذ إجراءات عقابية
رادعة، يبقى مسلسل التزوير قائما، والوصول إلى الجمعية الوطنية سهل
المنال وبأرخص الأسعار ..!
لتصحيح مسار الفترة السابقة، وما أفرزته سيطرة القوى الطائفية على
الحكم، ومعالجة لنتائجها السلبية الخطيرة على الساحة العراقية
والمنطقة، عقد \" مؤتمر الوحدة الوطنية \"، بين قوى وشخصيات سياسية
عراقية، وطنية ديموقراطية وليبرالية، تم تقييم لمواقفها السابقة،
منفردة ومجتمعة، واتفقت على البدء بمعالجة ما تم تشخيصه من أخطاء
وممارسات في المرحلة المنصرمة، لا بد من تجاوزها، والعمل على تشكيل
قائمة انتخابية، تضم مختلف الأحزاب والقوى السياسية، على أساس
المواطنة وبرنامج عراقي وطني، وليست على أسس طائفية أو عرقية
وقومية، لتلافي المخاطر التي تهدد العراق من كل حدب وصوب، وهذا ما
سأعالجه في القسم الثاني من هذه المداخلة.
العودة الى الصفحة الرئيسية