|
فرنسا ... وحصاد الهشيم ياسر سعد / كندا
فرنسا تحترق, باريس عاصمة النور والجمال تتحول الى بؤر مشتعلة وسيارات محترقة وكتل دخانية متصاعدة. الاحداث المتدافعة والتطورات المتسارعة في فرنسا اصابت البلاد بل وحتى اوروبة بالفزع والهلع, بل إن السياسي الفرنسي اليميني ماري جان لوبوان ذهب الى ان فرنسا يتهددها شبح الحرب الاهلية. الحالة الفرنسية إستدعت الكثير من إهتمام المراقبين والباحثين السياسيين والمعلقين والمحللين والذين تناولوها من جوانب متعددة وزوايا مختلفة, غير أنني اود التطرق وبإختصار الى بعض الاشارات والمؤشرات الجديرة بتأملها والتوقف عندها. · الاحداث الفرنسية والتي فجرتها سياسات غير معلنة من التمييز والعنصرية والتي زاد أوارها وصف وزير الداخلية ساركوزي لقطاع عريض من أبناء فرنسا بالرعاع والحثالة. قبل ذلك أتهمت السلطات الامريكية بالعنصرية فيما يتعلق بعمليات اغاثة ضحايا إعصار كاترينا ومن ثم إنتشار عمليات السلب والنهب والاغتصاب والتهديد بإطلاق النار بغرض القتل على عناصر الشغب. كل ذلك يشير بوضوح إلى إفتقار القوى السياسية المتحكمة على الساحة الدولية لكثير من القيم الاخلاقية والانسانية والتي همشتها القيم المادية السائدة وهشمتها العولمة الموغلة في التوحش. · دأبت وسائل الاعلام الغربية في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر على تصوير الارهاب بأنه التحدي الاساسي وربما الوحيد لإمن الغرب –والعالم- وإستقرارهما. وتم إستخدام الحرب على الارهاب كذريعة لسن قوانين غاية في الصرامة تعتدي على الحقوق الاساسية للمواطنين من إصول عربية وإسلامية بشكل خاص كما تم إستثمار تلك الاجواء المحمومة للتدخل السافر في شؤون الدول العربية والاسلامية ووضعها تحت الوصاية الفكرية ومراقبة وتعديل المناهج التعليمية ومحاربة الجمعيات الخيرية الاسلامية. ألان يكتشف العالم أن المبالغة في توصيف الارهاب – الناشئ إبتداء كردود فعل خاطئة على سياسات ظالمة- كان نوعا من الهروب للامام. فعند الغرب من المشاكل والالغام الشئ الكثير ولعل أبرزها بروز وصعود التيارات اليمينية والعنصرية والنازية الجديدة. · فرنسا تعاملت مع مواطنيها ومواطناتها من الجيل الثاني والثالث من المهاجرين بإسلوب قمعي يستهدف ادماجهم بالقوة وبسيف القانون والذي تشرعه النخبة الفرنسية البعيدة عن معاناة الطبقات المسحوقة والتي تعيش في ضواحي بائسة دون ان يكون لها ممثلين في البرلمان يحملون همومها ويدافعون عن طموحاتها. خذ مثلا قضية الحجاب والتي سنت الدولة الفرنسية لمحاربتها قانونا جائرا والذي أدى الى حرمان يانعات في أعمار الزهور من حقهن في التعليم إذا ما ألتزمن وتمسكن بحقهن الشخصي في لبس الحجاب. إن سياسة القمع والكبت حتى وإن كانت مقننه ستؤدي إلى الانفجار دونما الحاجة لذلك الانفجار وتبعاته من أن يَحكمها قانون أو تحتكم إليه. تمنيت على الطبقة الفرنسية الحاكمة ان تستفيد من تجارب الدول العربية في تجنب السياسات التي تؤدي بالمجتمع إلى العنف والاضطراب غير أن السيد ساركوزي ورئيسه شيراك على مايبدو ارادا ان يستفيدا من تجارب انظمة عربية في القمع فوصف شيراك الحجاب في زيارته الرسمية لتونس بالعدوانية فيما يستخدم وزير داخليته المصطلحات العنيفة والقبضة الحديدية العربية في التعامل مع مواطنيه. · تدخلت الدولة الفرنسية وبشكل سافر في شؤون المسلمين من مواطنيها وعملت على تنظيم مساجدهم ومراكزهم بطريقة واسلوب يضمنان للدولة اليد الطولى والمراقبة شبه الكاملة وصنعت تيارات أسلامية مرتبطه بالحكومة الفرنسية والتي تتحكم بها وتكون صدى لقراراتها وإن خالفت المعلوم من الدين بالضرورة كمسألة الحجاب. الحكومة الفرنسية إقترفت نفس الخطأ الذي ارتكبته وما تزال كثير من الدول العربية والتي نجحت في تدجين كبار العلماء والفقهاء وإحتوائهم ليرتبطوا بالمؤسسة الرسمية ومن ثم ليسقطوا من عيون الشباب ومن نفوس قطاع عريض من الشعب والذي يرى فيهم نماذج للشياطين الخرس. هذه السياسة أدت إلى بروز تيارات التكفير والتفجير والتي كانت وما تزال –وبكل اسف- تستحوذ على تعاطف قطاع عريض من الشباب كما يظهر من خلال منتديات الانترنت. المؤسسات الاسلامية الفرنسية ناشدت الشباب المسلم التوقف عن أعمال الشغب وأصدرت فتوى محقة بتحريم الاعتداء على الممتلكات العامة. غير أن تلك الفتوى وذلك الموقف لم يلقيا آذانا صاغية من الشباب بعد أن نجحت الحكومة الفرنسية في نزع الهيبة والمكانة من تلك الجمعيات وحدّت من تأثيرها وأنشطتها. معالجة الازمة الفرنسية لا يحتاج إلى حزم او إنزال للجيش او حظر للتجوال, فذلك علاج قد ينجح لتسكين الالآم وبشكل مؤقت ولكنه سيزيد من حدتها بعد حين من الزمان, على فرنسا ان تعترف بأخطائها وعلى النخبة الفرنسية أن تتخلص من عُقد الاستعلاء والفوقية وان تعامل أبناءها وتتعامل معهم بشكل متساو وان تعترف بتجاوزاتها التي ارتكبتها بحقوق الدول التي استعمرتها والتي ينحدر من أصولها, الغالبية الثائرة والساخطة من الاجيال الفرنسية المهمشة والمفتقدة الى الهوية والمفتقرة الى الانتماء. على فرنسا ان تحترم خصوصيات المسلمين وغيرهم وان لا تحاول ان تفرض رؤية طبقة معينة على جموع مواطنيها تحت مسميات مختلفة تعيد إليها عقلية العصور الوسطى والتي حسبناها قد إنقرضت وللابد. الدور الفرنسي على الساحة الدولية سيتأثر كثيرا من تداعيات الاحداث المشتعلة على اراضيها وإذا لم تنجح فرنسا في الامتحان الاخلاقي فقد تكون الامة الغربية الثانية التي تسقط وبشكل مريع في إمتحان القيم والمبادئ بعد السقوط الامريكي الكبير في غوانتناموا وابوغريب والقائم وتلعفر وغيرهم.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |