|
هل هي الهزيمة أمام الإرهاب؟ حمزة الجواهري أريد من التحليل السياسي أن يخترق حواجز التعتيم السياسي ليكشف الأهداف السياسية الحقيقية، ولكنه في الحالة العراقية، بالتأكيد لا يوصل إلى كامل الحقيقة، لأن هناك أستار لا يستطيع العقل أو التحليل السياسي اختراقها في وقت ضيق تنشط به زوابع التمويه على الحقيقة، لأن الحرب خدعة كما يقال، ولولا التمويه لما بقي ساتر يخفي وراءه حقيقة. لكن لابد من تفسير لما يدور بخلد الناس بفهم أمور بدت كما الأحاجي. الحكومة التي منحها الشعب ثقته، وأتذكر جيدا!!!! أنها جاءت من أجل توفير الحد الأدنى من الخدمات للناس، كالماء والكهرباء والصرف الصحي، نسيت هدفها هذا، بل أصبحت هذه الخدمات تعتبر اليوم من الكماليات الغير ضرورية التي لا يأبه بها أحد، بحيث يأس العراقي من الحصول عليها، حتى أنها سقطت من قائمة أحلامه الوردية!!! نفس الحكومة التي منحها الشعب ثقته الكاملة لكي تضرب الإرهاب والإرهابيين بيد من حديد، لم نسمع لحد الآن أنها أعدمت إرهابيا واحدا، وقضاتها يحكمون على الإرهابي الذي قتل عشرات الأبرياء بالسجن لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات، ولم نكد نسمع خبر ذلك الإرهابي حتى يكون في الواقع قد افرج عنه لحسن السيرة والسلوك، ليعود يمارس حياته الطبيعية بالقتل من جديد!!! بحيث تطور مفهوم القتل في العراق من مرحلة الذبح على الهوية إلى ذبح الرضع، والحكومة لا تملك سوى أن تعيد الناس للبكائيات الحسينية!!! وبالأمس يخرج علينا أحد المدعين العاميين وهو يطالب بمحاسبة الجنود الذين الهزيمة بالإرهاب والإرهابيين! فأي حكومة هذه وأي عدالة هذه؟! مظاهر عجز الائتلاف السياسي الأكبر والأوسع، والذي مازال يحكم العراق خلال المرحلة الانتقالية الحالية، كثيرة ولا يمكن حصرها، فقد يحتاج المرء إلى ألف إصبع لكي يستطيع الإشارة لها، فهو يتفكك ويتخلى عن أكثر الأعضاء كارزمية وقوة فيه! ويخضع لابتزاز شلة من الأولاد العابثين دون أن يضمن أصواتهم في الانتخابات القادمة! ولا يتفوه ببنت شفة، ولا يحرك ساكنا، وهو يرى أن الجريمة قد بلغت مداها الأبعد، والخروج على القانون صار سنة من سنن العراق الجديد! بل هو من يتستر على الخارجين عن القانون في الوقت الذي يفترض أن يكون هو من يحمي القانون ويعمل باسمه ويمتلك قوته منه! أما الأكثر غرابة من هذا وذاك، هو أن الكثير من الأحزاب التي لها مليشيات تنتشر في الغرب والجنوب وتحمل مختلف أشكال الموت للناس، تريد الدخول لخوض معركة الانتخابات الديمقراطية وهي مازالت تشهر السلاح، وسوف تسوق العراقيين للتصويت لقوائمهم رغما عن الجميع، والحكومة بالذات! كل هذا يتزامن مع عملية قيل أنها سياسية، وهي من حيث مضمونها إقرار بالهزيمة أمام الإرهاب والخضوع المطلق لمنطق القوة الغاشم!! ففي الوقت الذي بدأ الإرهاب فيها يترنح على أرض الرافدين من شدة الضربات التي وجهها له الشعب، بالأصابع البنفسجية، أو السكوت على الضيم أملا بالنجاة، أو بشد الأحزمة على البطون كي لا ينهش الطوى أمعاء الجياع، تأتي الجامعة العربية بمشروعها الذي كان مؤجلا إلى حين، حيث تصفه صحيفة الأهرام العربي القاهرية وتصف الوضع العراقي بالشكل التالي: "في نفس الوقت قامت المقاومة المسلحة العراقية الوطنية من ناحية والجماعات الإسلامية المسلحة العراقية الأخرى بسلسلة عمليات أحدثت هزائم وفضائح متعددة لقوات الاحتلال وللقوات الحكومية العراقية وميليشياتها وشرطتها وجيشها، إضافة لازدياد رفض جموع الشعب العراقي للوضع القائم" هكذا تصف الأهرام العربي الأعمال الإرهابية والإرهابيين في العراق، وتعتبر شلة من السلفيين وأيتام النظام المقبور من البعثيين هم ""جموع الشعب""!!، وهكذا أيضا تصف الأهرام لحظة نضوج المشروع على أنه بلوغ الإرهاب في العراق مداه الأبعد، ولكن مع ذلك قبلت ورحبت به حكومة العراق المنتخبة!! وتستمر الصحيفة في مجافاتها للحقيقة لما يجري فعلا في العراق، لكن بذات الوقت تكشف لنا عن الحقيقة كاملة بهذا الشكل: "ونتيجة لضغط عربي وإقليمي، عبر عنه حديث وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، حين زار الإدارة الأمريكية، وتم إبراز تصريحاته علي مستوي الإعلام الأمريكي، التي قال فيها إن السياسة الأمريكية الحالية في العراق تقود إلي هيمنة إيران". فالخوف الحقيقي إذا يأتي من التدخل الإيراني، وهو ما كنا نعرفه وحذرنا تيار الإسلام السياسي العراقي من مخاطره، فأمريكا ما عبرت القارات لكي تقيم ولاية الفقيه في العراق، لكن الإصرار كان، ومازال، أعمى من قبل عمائم ولاية الفقيه في العراق، فهم يعتقدون أن باستطاعتهم تحدي أمريكا على أرض العراق، لأنها أرضهم، ونسو أو تناسوا أن الأرض العراقية محتلة من قبل أمريكا، وهي اللاعب الأقوى وستبقى كذلك لعقود. ولكي لا نتهم بالتلفيق من أجل إسقاط مشروع الإسلام السياسي في العراق، نعود لمقال الأهرام القاهرية عن محاضر اجتماعات عمرو موسى في العراق الذي صدر بعد زيارة الأخير للعراق، فيه تقول الصحيفة أيضا: "بعد هذه التصريحات، أي تصريحات الوزير السعودي، وما خفي كان أعظم أمريكيا وعربيا، حدث تحول180درجة، وقامت الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفاؤها باكتشاف العامل الإقليمي العربي فجأة وسلمته مسئولية تنفيذ خريطة الطريق لحل القضية العراقية". في الواقع، وكما نفهم نحن، ليس كما تفهم الأهرام، لم تكتشف أمريكا هذا الأمر فجأة من تصريحات الأمير السعودي، فهي من سمح له بإطلاق هذه التصريحات، ذلك بعد أن تأكدت من حقيقة أن الإسلام السياسي العراقي ماض إلى الأمام في مشروعه السياسي، لا يلوي على شيء، ولا يلتفت لأحد رغم أنهم والآخرون قد حاولوا جاهدين وقف هذا الاندفاع الجنوني نحو إيران كونها موئل هذه الفئة من الناس وصاحبة المشروع السياسي الحقيقي. وما زاد الطين بلَة هو بروز عامل مهم للغاية وهو تنصيب محمود أحمدي نجاد رئيسا لإيران، الرجل يبدو وكأنه من أصحاب الكهف، بدأ فترة حكمه يرفع شعارات عفي عليها الزمن، حتى أنه راح يدعوا لإزالة إسرائيل من الأرض! في الوقت الذي نسي به غلاة الشعب الفلسطيني هذا الهتاف! ظنا منه أنه سوف يكسب تعاطف الشارع العربي بهذه الشعارات المستهلكة ويقبل العرب بمشروعه، وراح أيضا يوسع من دائرة الخلاف مع العالم بالمضي قدما بمشروع القنبلة الذرية الإيرانية لإرضاء العرب، لكن في واقع الأمر زاد من تشنج وعداء الأنظمة العربية ضده وضد مشاريعه. وهكذا كان لبروز نجاد أثره الكبير في هذا التحول الذي وصفته الأهرام بتحول180درجة. قد يتصور المرء أن لطول الحدود مع إيران أثرا بالتدخل الإيراني في العراق، أبدا، إيران لن تستطيع أن تفعل شيء في العراق، فهي لا تستطيع أن تخطو خطوة واحدة ما لم يبني لها رجال الإسلام السياسي العراقي جسرا لدخول البلد. كانت الحكومة الإيرانية التي سبقت نجاد قد أنجزت جزءا كبيرا من المشروع ليتسارع بشكل جنوني بعد مجيء الأخير للسلطة كخادم مطيع للفقيه الولي الذي انتقاه من بين الآلاف في إيران، فراح يدفع بكل ما أوتي من قوة للسيطرة على الجزء الجنوبي والأوسط من العراق، والحكومة تتستر على ما يفعل، حتى وصل الأمر إلى حد يفوق التصور، وصارت الشرطة العراقية تتلقى أوامرها من طهران بدلا من بغداد. ربما يتصور البعض إني أحمل ضغينة لأحد من خلال مصلحة أو أيديولوجيا معينة حين أحمل على الحكومة بهذه الشدة؟ أبدا، فمنذ اليوم الأول الذي بدأ به نظام المقابر الجماعية يترنح أمام ضربات قوات التحالف، تحرك رجال الإسلام السياسي يحدوهم الأمل بأن يحققوا ما لا يمكن تحقيقه، أو ما هو مستحيل تحقيقه في العراق، ذلك الحلم الأخرق، وقد حذرنا وقتها وبكل اللغات من مغبة التمادي بهذه السياسة والعمل عليها، فلا الشعب بغافل عما يجري ولا العرب الذين ترتعد فرائصهم خوفا من وجود إيراني في المنطقة العربية بغافلين، ولا أمريكا، ولا حتى الأغبياء بغافلين عما يجري في العراق. ويبقى السؤال الأكبر قائما، مادمتم لا تستطيعون تحيق حلمكم بولاية الفقيه في العراق، لماذا تضيعون حلم العراقيين بعراق آمن ولقمة عيش هنيئة بعد إملاق طال أمده؟ بل ولماذا تضيعون العراق برمته بهذه الهزيمة النكراء أمام الإرهاب؟! هذه هي حقيقة المشهد العراقي، وهذه هي الأرضية الجديدة التي يتحرك كل شيء في العراق على أساس منها، فلا يجب أن نستغرب حين نرى ونسمع عن كل ما هو غريب ومريب ومبهم في العراق، فصراع الإرادات قد وصل إلى نهاية الطريق، ولابد لمن يمتلك القوة النفوذ أن يكون له حضور في المشهد العراقي ويقف بوجه هذا الإعصار المدمر القادم من الشرق. لكن الثمن غال جدا على الشعب العراقي، لأن أمريكا ليس أمامها سوى القوة الغاشمة الأخرى التي تحمل العداء لإيران وتمتلك سبل الوقوف بوجهها في العراق، فراحت تعيد تأهيلها حتى لو كلف الأمر سنوات أخرى طويلة من عذاب العراقيين. هكذا وجدت أمريكا أن مشروع الجامعة العربية هو البديل الوحيد أمامها وأمام العناد الغبي لتيار لا يفرق بين أحكام السياسة وأحكام الوضوء. فمن الذي يتحمل المسؤولية الكبرى في هذه الهزيمة، هل هي أمريكا أم الإسلام السياسي العراقي وإيران؟ وهل هو نصر حقيقي للإرهاب في العراق أم هزيمة نكراء لمشروع ولاية الفقيه في العراق؟
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |