هل من ضرورة لتحالفات وطنية ..؟! (القسم الثاني والاخير)

هادي فريد التكريتي

hadifarid@maktoob.com

خاضت القوى الدولية ، الإشتراكية والرأسمالية ، المتعارضة في أهدافها وتوجهاتها ، الحرب العالمية الثانية، بجبهة موحدة متحالفة مع بعضها ضد دول المحور ، من أجل هدف واحد لا غير ، هو إنقاذ العالم من النازية والفاشية ، التي كانت تهدد أمن واستقرار العالم أجمع ، بأساليب حكمها اللاإنسانية ، وبنظريتها العرقية التراتبية ، وبعد الانتصار ، ذهب كل معسكر يخطط لما يسعى ويهدف إليه ..
وعندنا في الوقت الحاضر ، تدعو الحاجة الوطنية ، إلى قيام تحالف انتخابي ، من قوى سياسية مختلفة ، شيوعية وديموقراطية وقومية وليبرالية ، تتقاسم الفهم في نظرتها للإنسان والوطن ، تقر مبدأ الوطنية والمواطنة في توجهاتها ، لتشكيل كتلة سياسية برلمانية ، تسعى لتحقيق برنامج وطني ديموقراطي ، كما تهدف لمعالجة السياسات الخاطئة التي مارستها الحكومة \" الجعفرية \"نتيجة انفرادها بالحكم ، ووسمها مؤسسات الدولة بسمة طائفية ، بعيدا عن أي نهج وطني أو مسعى ، موحد لقوى الشعب ومكوناته ، وبالضد من تقاليد الشعب العراقي ونضالاته الوطنية ، حاولت قيادة الدولة ومؤسساتها نحو تأسيس حكم ديني ـ طائفي ، ينحو منحى دكتاتورية فاشية بصبغة دينية ، لا تقل نتائجه ، لو تحقق لها ذلك ، عما أسفر عنه حكم البعث الساقط من نتائج كارثية عمت العراق والمنطقة والعالم .
تهدف الانتخابات القادمة وتهيئ لفترة حكم مستقر ودائم ، يستوجب حل الكثير من المعضلات التي تتطلب حلولا وطنية وديموقراطية ، عجزت عن حلها حكومة الائتلاف الطائفي ، والضرورة تقتضي حلها لصالح جماهير الشعب ، بكل توجهاته الفكرية والسياسية والدينية والقومية ، بعيدا عن الحزبية والقومية والطائفية . أسفرت نتائج الانتخابات السابقة ، عن نتيجة مؤسفة للقوى اليسارية والديموقراطية والليبرالية بشكل عام ، وللحزب الشيوعي العريق بجذوره الوطنية بين مكونات الشعب العراقي بشكل خاص ، نتيجة لتبعثر القوى الوطنية المتعددة الاتجاهات ، وتشرذم التيار الديموقراطي واليساري . تميزت الأوضاع الحالية ، منذ تشكيل الحكومة الانتقالية الثانية ، بالتردي على كل الصعد ، السياسية والأمنية والمعاشية ، وبرزت الحاجة ماسة لتشكيل تحالف جديد ، يخوض الانتخابات القادمة ، بقائمة موحدة ، مناهضة للتوجهات الفاشية ، سواء أكانت قومية أم دينية ، من أجل حل المشاكل القائمة ، التي فشلت في حلها الحكومة السابقة ، والمتمثلة في توفير الأمن والاستقرار للبلد ، نتاج تصاعد العمليات الإرهابية والطائفية ـ الشيعية والسنية على حد سواء ، وضرورة الحد من نشاطاتها بداية ، والقضاء عليها لاحقا ، ومعالجة أزمة الماء والكهرباء والوقود والبطالة ، ثم معالجة النواقص والثغرات التي تبنتها مسودة الدستور ، من تعديل لبعض مواد تتعلق بالحريات العامة ، وحقوق الإنسان ، والمرأة ، ومساواتها بالرجل في كامل حقوقه ، وتحجيم الغلواء الطائفي ، وإبعاد الدين عن المعترك السياسي ، وضمان ممارسة الحريات الدينية لكل الطوائف والأديان ، وغيرها الكثير مما احتواه الدستور ذي النفس الطائفي ، وبعبارة واحدة ما يطلبه الشعب العراقي :هو أن يعيش العراقي كمواطن له ما لغيره من حقوق في المواطنة الحقة ، وعليه ما على غيره من واجبات ، في مجتمع متآخي يسوده الأمن والسلم ، متمتعا بخيرات بلده ، ومساهما في بنائه ، بما يملك من قدرة وطاقة ليعوض ما خسره البلد ، خلال ثلاثة عقود أو أكثر ، من حكم قومي فاشي سابق ، وقومي ـ طائفي آني .. كما تقع على عاتق هذا التحالف العمل على إنهاء تواجد قوات الإحتلال بصيغة تضمن أمن واستقرار البلد .
لا شك أن دخول الحزب الشيوعي العراقي في قائمة تحالف انتخابية هي \" القائمة العراقية الوطنية \" يثير الكثير من النقد والتساؤلات ، من منطلقات كثيرة ومختلفة ، وقبل أن نخوض في أي حديث عن الحزب الشيوعي ، أهدافه ، برامجه ، والآفاق التي تحدد مسيرته ، علينا أن نقر ونعترف أن العراق خربته الفاشية ، بكل ما تعني هذه الكلمة ، ثم أن العراق لا زال محتلا ، وقوات الاحتلال ، ( تلعب بالبلد شاطي باطي )كما تقول الحكمة الشعبية ، ولمستشاريه القول الفصل في كل الوزارات والمؤسسات السيادية وغير السيادية ، وزادت من خراب البلد ، شركاته المتعددة الجنسية ، التي ساهمت بنهبها للمليارات التي ُقدمت كمساعدات لإصلاح بعض ما خربته هذه القوات ، وما عادت للعراق حتى مؤسسات دولة بالمفهوم الواقعي ، فكل شبكات البنى التحتية مخربة ، و الركائز الاقتصادية التي يديرها مئات العمال والفنيين ، من صناعة وزراعة وخدمات عامة، ما عادت تصلح للعمل نهائيا ، فالبطالة إذن تضرب في العمق ، وهذا ما يعيق تنفيذ أي برنامج للحزب الشيوعي آنيا ولاحقا..من كل ما تقدم أقول ، أن الحزب الشيوعي ليس واردا في نضاله أن ينفذ أي برنامج إصلاحي ، وليس حزبيا ، لوحده في الظرف الراهن ، مهما كان قصير الأجل ، فعليه إذن أن يفتش عن حلفاء من حوله يشاركونه بعض توجهاته في الإصلاح ، وللبدء في معالجة الخراب الذي يضرب في عمق الواقع ، ولا حليف له سوى القوى التي تتبنى المفاهيم الوطنية ، بدلا من العنصرية والطائفية ، من أي اتجاه كان . إذا كانت هذه هي آفاق عمل الحزب ، فمن أي شيء نخاف على مبادئه وبرامجه ، نعم هناك خوف واحد أساسي ومصيري على الحزب ، وعلى كل قوى اليسار والديموقراطية والوطنية ، أن يحذروه ، وهو مجيء الطائفية بكل ثقلها وتنوعها إلى الحكم ، لتفرض الفاشية والديكتاتورية من جديد ، ومن أجل أن لا نرى مثل هذا اليوم ، تصبح التحالفات الوطنية ، قصيرة الأمد أو الطويلة ، ضرورة وطنية ، وعلى اليسار ، كل اليسار بمختلف توجهاته ، عليه أن يدعم هذا التوجه ، وليس الهجوم عليه . فإذا ما سيطرت فاشية قومية ـ عنصرية ، أو دينية ـ طائفية ، مسلحة بالإرهاب ، وبمليشياتها الظلامية كيف سيتعامل هذا اليسار ، الخارج من رحم الحزب الشيوعي والذي يسعى لأن يكون البديل في تحقيق شعاراته ؟ هل سيحمل السلاح ، وقد جرب هذا في ظروف أفضل وفشل في تحقيق غرضه ، فكيف به الآن ؟ وهل عند هذا اليسار من بديل في الوقت الحاضر ، لصد الهجمة الطائفية بشقيها ؟ وإذا عادت الفاشية مجددا ، يحملها الإرهاب المتعدد الأشكال والصور ، كيف سيتصرف هذا اليسار الرافض لكل الحلول ؟ وحتى اللحظة لم يقدم أي حل بديل غير كلمة \" لا \" للتحالفات بكل أشكالها المختلفة . إن التحالفات في الوقت الحاضر بين القوى السياسية الديموقراطية والوطنية ، أيا كان نوعها ، تهدف إلى تحقيق هدف وطني مشترك ، وإشغال مواقع في جهة إصدار القرار ، يخدم توجهات وأهداف المتحالفين ، فهم غير قادرين على تحقيقه بشكل مبعثر لقواهم ، ولن تتوفر لهم إمكانية المناورة مع الغير المختلف ، لو ساهمت في العمل بصورة منفردة ، لظروف شتى ، كالحال الذي عليه الحزب الشيوعي ، على الرغم من سعة وتأثير أفكاره وبرنامجه على الواقع الإجتماعي ، كما أن كل التحالفات لا تشكل واقعا ثابتا ومستديما للقوى المساهمة فيها ، إنما هي متغيرة ومتحركة ، مرهونة بظرفها ، فإن تحققت شروط أفضل في ظرف آخر يحقق أو يؤسس لواقع متقدم ، لا بد من الانتقال إليه وتأسيس تحالف جديد ، على أسس جديدة وبرنامج جديد يخدم التوجهات المستقبلية . كل تحالف مرهون بظرفه ، ولا يمكن القفز على الواقع ، وحرق مراحله ، أو الإنشداد إلى تجارب سابقة ، ونتائجها سلبية كانت أم إيجابية . فالحياة متغيرة واحتياجات الناس ومطالبها متغيرة كذلك ، وعلى ضوء هذا الواقع تتغير الأفكار والمواقع ، والانغلاق على الذات وعدم التفاعل مع الواقع ومكوناته تتجاوزه الحياة . فنجاح قوى التحالف الجديد ، في تحقيق مواقع متقدمة في الانتخابات القادمة ، مرهون بمدى صدقية المتحالفين وحرصهم على تنفيذ البرنامج المتفق عليه ، وعدم التدخل في الشأن الداخلي لهذه القوى .
عندما فشل الحزب الشيوعي ، في احتلال مواقع أفضل في الانتخابات السابقة ، أثار الكثير من الجدل ، وتوجهت للحزب ولقيادته الكثير من الانتقادات ، من أطراف عدة صديقة وعدوة ، باعتقادي أن كل هذا ، هو ظاهرة إيجابية ، لصالح الحزب ، لما يتمتع به من سمعة وطنية عالية بين جماهير الشعب ، والشعب هو رصيده ، وهو المعني بكل ما يقدم عليه من خطوات في المعترك السياسي ، وكل ما يحققه من نجاحات هو بفضل دعم الشعب له وتمسكهم به وبتاريخه النضالي على مر العهود ، وفشله وانكساراته في الماضي والحاضر ، تمثل خيبة أمل للشعب كذلك ، ومن هذا الواقع تتوجه الأنظار إلى الحزب ، من الخصوم قبل المؤيدين والأنصار . والحزب في كل تاريخه النضالي والوطني سعى , ويسعى ، لأن يحقق الوحدة الوطنية بعيدا عن المكاسب الضيقة ، وما كان يفكر بتحسين أوضاعه المادية ، وتحقيق مكاسب لرفاقه في الحزب ، كما هو حاصل اليوم لقوى الحكم ، على حساب أي فئة من فئات الشعب ، فمقولة : أول من يضحي وآخر من يستفيد ، تنطبق عليه بالكامل . فدخوله لهذا التحالف ، ليس على نمطية ونهج التحالفات السابقة ، التي انتهجها الحزب في الماضي ، فبعضها كان تحالفا مع السلطة ، وهذا ما أضر كثيرا بالحزب وسمعته على امتداد عقود ، وتسبب في خسائر جسيمة ، إلا أن ما يميزه في هذه المرة ، أنه تحالف لقوى سياسية ، في داخل العراق ، ذات طبيعة وطنية لمرحلة بناء العراق المخرب ، تحالف هذه القوى من خارج السلطة ، تسعى لغرض محدد ضمن فترة محددة ، أيدت هذا التوجه ، كما يقول سكرتير اللجنة المركزية للحزب \" ..غالبية مطلقة تؤيد خيار الحزب بشأن الائتلاف العريض ، ...ولا ندخل في تحالفات لآفاق بعيدة المدى بل لدينا مشتركات لمرحلة آنية \" .نعم هناك ضرورة وطنية ، ولها القول الفصل في هذا التحالف ، فليقدم كل منا ما يقدر عليه من دعم لهذا التوجه ، فهناك الكثير مما نخسره إن عادت الفاشية مرة أخرى بأطر وأشكال جديدة ..!
 

العودة الى الصفحة الرئيسية 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com