ما يجمع الجلبي بالطوشي!

سهر العامري

aslam326@hotmail.com

 

كثيرة هي أوجه الشبه ما بين السياسي أحمد الجلبي، وبين الممثل السوري المعروف، غوار الطوشي، وأول وجه من هذه الوجوه هو إجادة تنفيذ المقالب أو ( المئالب ) بلفظ إخواننا أهل الشام، وذلك بشرط أن يتوفر للاثنين مخرج له معرفة بحركة الممثل على خشبة المسرح .
وإذا كان غوار الطوشي معروفا عند الكثير من العراقيين والعرب بشكل حسن فإن الجلبي، وفي جوانب كثيرة منه، لا يزال غامضا عليهم، خاصة في كرهه الشديد للعرب بوجه عام، وهذا الكره، على ما يبدو، يعيش في نفسه وراثيا، ومنذ أن كان الأتراك يخيمون بظلمهم على العرب في بلادهم شرقا وغربا، وقد ظل هذا الكره في نفوس من تبقى من هؤلاء الأتراك في البلدان العربية بعد زوال الإمبراطورية العثمانية في مطلع القرن المنصرم، نتيجة للحرب العالمية الأولى، فقد نقل الكاتب العراقي، حسن العلوي، عن زوجة عبد المحسن السعدون، رئيس وزراء العراق في العشرينيات من القرن الماضي، والتي كانت هي من أصول تركية، قولها، وهي تطرد طراق باب دارها من العرب في بغداد : بيس عرب ( أي عرب خره )، ويبدو أن هذا الكره هو الذي حمل الجلبي بأجنحته نحو إيران، ويكذب من يقول أن الجلبي يجمعه هوى التشيع مع حكام إيران، وليس الكره الوراثي المتأصل في نفوس الطرفين، وهذا هو السبب الذي يفسر التشاور المستمر ما بين الجلبي والحكام أولئك، وهو السبب ذاته الذي يدفع الجلبي الى تقديم خدمات تجسسية مجانية لهم، مثلما تكتب الصحف الغربية عن ذلك، خاصة في حادثة ( الشفرة ) المعروفة . والجلبي، بعد ذلك، وفي الوقت نفسه، يسعى من وراء خدماته تلك للحصول على سند إقليمي ينأى بالعراق عن بقية جيرانه، خاصة الدولة العربية المجاورة له، والتي لا يستطيع الجلبي، مهما حاول أو فعل، أن يهرب بالعراق عن تلك الدول جغرافيا أبدا، وهذا التوجه المريض هو الذي سيمنعه من اعتلاء كرسي رئاسة الوزارة العراقية .
لقد نجح الجلبي من قبل في سعيه الحثيث من أجل الوقوف على رأس السلطة في العراق بتحويله للشيعة فيه الى كيان طائفي في الانتخابات البرلمانية التي جرت بداية السنة الماضية، وذلك بتشكيل الائتلاف العراقي الموحد، ذلك الائتلاف الذي طالما تبجح الجلبي بصناعته، والذي أراد من وراء صناعته تلك ركوب الإئتلاف ذاك كرئيس للوزراء، لكن تهديد الجعفري بتهديم البيت على رؤوس ساكنيه، إن لم يكن هو الرئيس، أجبر الجلبي على القبول بمنصب نائب رئيس الوزراء، وبمهمة مهنية صرفة، وبذلك انقلب المقلب الذي صنعه بنفسه عليه، وليس له كما خطط وسعى، ولكنه، مع ذلك، لم يقنط، واستمر يحوك مقلبا آخر هذه المرة، تمثل بخروجه من الائتلاف العراقي الموحد الذي صنعه، وراح يذم حكومة الجعفري التي قامت على المحاصصة الطائفية والقومية، ويستعرض في مؤتمرات صحفية أوجه فشلها، مع أنه كان ولا يزال عضوا متحركا في جسد تلك الحكومة، كما أنه شنع في الوقت نفسه بحملات القمع التي تمارسها شرطة صولاغ، وزير الداخلية، وأحد أضلاع البيت الذي أشاده هو .
ومع ذلك فإن المقلب الجديد الذي جاء به غوار الطوشي ( الجلبي ) للعراق والعراقيين يستهدف أمور عدة، يدرك العراقيون أغلبها، ومنها أن الجلبي يريد أن يكون على رأس القمة في السلطة بالعراق، وهذا الهدف لم ينفهِ هو نفسه في المقابلات الصحفية التي جرت معه مؤخرا، ولتحقيق هذا الهدف لا بد للجلبي من إقناع الجانب الأمريكي به، فهو يرى، ومثلما صرح بذلك قبل أيام، أن هذا الجانب هو المسيطر على كل شاردة وواردة الساعة في العراق المحتل، ولكي يدفع ثمن الإقناع هذا فقد حرص هو أن يثبت للأمريكان أن إيران ستقف الى جانبه، مؤيدة له، حين يتولى رئاسة الحكومة العراقية المقبلة، هذا التأييد الذي أكدته بعض وسائل الإعلام، حينما فرغ الجلبي من محادثاته مع المسؤولين الإيرانيين، وبذلك سيقول هو للأمريكان إن التدخل الإيراني الفظ في الشؤون العراقية، الذي تتشكون منه أنتم وحلفاؤكم البريطانيون، سيزول حال استلامي لمقاليد السلطة بالعراق، وإياكم إياكم من دعم رئيس الوزراء العراقي السابق، أياد علاوي من أجل العودة الى رئاسة الوزارة في العراق ثانية، فهو غير مرغوب به من الإيرانيين، وبناء على هذا سيستمر عملاء إيران في العراق على خلق المتاعب لكم، مثلما حاصل هو الآن، كما أنني، يضيف الجلبي، قد خلعت الجبة، وطرحت العمامة، وطلقت الإئتلاف بالثلاث، ولا أسعى لقيام حكومة دينية شيعية في العراق، تلك الحكومة التي حرم وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر، قيامها فيه، ذاك التحريم الذي نطق به هنري كيسنجر في اجتماعه الأخير، مع حلفاء أمريكا من الأوربيين في مقر الحلف الأطلسي في بروكسل .
ومع كل هذا يبدو أن جهود الجلبي تلك لم تفلح في تقريب وجهات النظر بين الإيرانيين من جهة، وبين أمريكا وحلفائها في العراق من جهة أخرى، رغم أن الجلبي قد وصل به هوس المنصب الى الحد الذي دعا فيه، وهو في حضرة الولي الفقيه من طهران، الى تشكيل لجنة من الأمريكان والبريطانيين والإيرانيين مهمتها التحقيق في المناوشات القتالية التي تدور بين الفينة والفينة ما بين الانجليز وعملاء إيران في البصرة، والجلبي باقتراحه هذا قد تخطى كل أركان الحكومة في العراق، ومجلس رئاستها، ورئاسة برلمانها، مثلما تخطى رئاسة الجمهورية وأعضاء البرلمان فيه، ويبدو أنه كان يهدف من وراء اقتراحه ذاك الى دغدغة عقول الإيرانيين من أجل الحصول على تأييدهم في الوصول الى كرسي رئاسة الوزراء في العراق بعد أن جعل لهم كلمة تقال في الشأن العراقي الذي عاد وفق مفهوم الجلبي بضاعة تباع وتشترى، لكن، وعلى ما يبدو، أن مقلب الجلبي هذا لم يسعفه حظ من نجاح يذكر، ففي الوقت الذي كان فيه هو في أمريكا كان جند منظمة ثأر الله الإيرانية في البصرة يصبون نار صواريخهم على القنصلية البريطانية فيها هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد كان وزير الدفاع البريطاني، الذي تزامنت زيارته مع زيارة الجلبي لأمريكا، يدلي بتصريحات يتهم إيران فيها بتورطها المباشر في الأحداث التي تقع في تلك المدينة، وأمام وزير الدفاع الأمريكي، رامسفيلد، وفي مقره بوزارة الدفاع الأمريكية .
أما المقلب الذي ابتدعه الجلبي في الوقوف بوجه القائمة العراقية الوطنية731 فقد تجسد بحرص الجلبي على أخذ ما يمكن أخذه من أصوات العراقيين الذين يٌحتمل أن يدلوا بأصواتهم لتلك القائمة، هؤلاء العراقيون الذين هم في الأساس يتكونون من الشيعة العلمانيين، والشيعية الأكاديميين، والشيعة المستقلين، والذين لا يرغبون بالتصويت لصالح قائمة الائتلاف العراقي، بعلامة الخمسات الثلاث : 555! وفي أية حال من الأحوال، ولهذا أعد لهم الجلبي مقلبا خاصا، فقائمته هو، وبعد خروجه من كتلة الائتلاف الشيعي، صارت بابا واسعا للعلمانيين من الشيعة، ومثلها قائمة علي الدباغ القادم من ايران، والحاقد على العلمانيين العراقيين، فقد عادت محطة للأكاديميين الشيعة والمستقلين، وهكذا، وحين تضع معركة الانتخابات أوزارها سيلتم شعث هذا الجمع، بعد أن شتته الجلبي بمقلبه، كنواب متحالفين، وليس كقائمة مؤتلفة، وبذلك ستخسر القائمة العراقية الوطنية أصواتا مهمة كان من الممكن أن تذهب لها في حال لو ظل الائتلاف الشيعي على حاله، ودليلي على ذلك ما صرح به رئيس الوزراء الحالي، إبراهيم الاشيقر الجعفري بقوله : إن ( من لا ينضم الى الائتلاف في قائمته الانتخابية سينضم اليها مستقبلاً في البرلمان . )، وبتصريح الجعفري الصريح هذا يظهر المقلب المعد مسبقا لخروج بعض الأطراف من قائمة الخمسات الثلاث، والذي يهدف بالأساس الى سلب أصوات كانت ستذهب الى قائمة الديمقراطيين العراقيين 731، ولكن هذا المقلب الذي أعده الطوشي، الجلبي، لن ينطلي على العراقيين الطامحين بنظام ديمقراطي حقيقي بعيدا عن التلفيق في التصريحات، وعن الضحك على ذقون الناس في العراق، هؤلاء الناس الذين ملوا زيف أحاديث صدام ومقالبه من قبل، مثلما ملوا مقالب الجلبي ووعوده لهم بجنة تتدفق منها في بيت كل واحد منهم عين من نفط، وليس أنهرا من لبن وعسل تجري من تحت قطوفها الدانية!!
 

 العودة الى الصفحة الرئيسية 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com