مغزى مبادرة الجامعة العربية

د. لميس كاظم

lamiskadhum@hotmail.com

 

قل الحديث عن مبادرة الجامعة العربية في الأونة الأخيرة المزمع أجرائها لإنقاذ المشهد السياسي العراقي من مأزقه المريع وكان مسك ختامها، زيارات مكوكية الى العراق من قبل قادة الجامعة العربية لإنجاحها.

جائت هذه المبادرة المتأخرة، عرجاء، ضعيفة، فاقدة لفعلها الزمني، وغير مستندة الى جاذبية عراقية سياسية. إذ وافق عليها بعض قادة الحكومة والقوى السياسية العراقية من باب رفع العتب والبرتكول السياسي لكن بشروط صارمة أحرجت السيد رئيس الجامعة العربية نفسه. فلأول مرة تكبل مبادرة الجامعة بإتفاق، يحدد صلاحية المبادر ويسجن حواراته بين قضبان غليضة حددتها القوى العراقية الحاكمة. إذ تم التوصل الى أتفاق مع الجامعة العربية  سميّ  «اتفاق مبادئ مع وفد الجامعة العربية» لإشراك القوى العراقية في مؤتمر الحوار التمهيدي ينص على: 

 1ـ ان يكون المشارك في المؤتمر من «المؤمنين بالحوار والوفاق، وصاحب موقف ايجابي من العملية السياسية.

2ـ ان يكون للحزب أو الحركة المشاركة وجود حقيقي على الأرض.

3ـ أن يكون الحزب مؤمناً بأن العملية السياسية تتم بطرق سلمية.

3ـ أن يناضل من أجل عراق واحد وشعب واحد، بعيداً عن الطائفية والعرقية.

  شروط هذا الاتفاق هي شروط وطنية وليست تعجزية لكنها ستلُزم كل الأطراف المتحاورة بالانضباط بسقفه ويحق لكل طرف الأنسحاب من الحوار فيما إذا أخل بالأتفاق.

 فالشرط الاول سيلغي حضور كل الذين رفضوا العملية السياسية في العراق وعلى راسهم فلول النظام السابق والعصبات الأرهابية الملثمة التي تسمي نفسها مقاومة.

والشرط الثاني سيتسبعد كل الاسماء العراقية الطنانة التي لا تمتلك حضور سياسي كما يستبعد من الحضور كل الأحزاب السياسية الغير علنية في محاولة ذكية من المشترط  لمعرفة من هم الأحزاب التي تسمي نفسها بالمقاومة العراقية لتثبيت علنيتها ومعرفة برنامجها السياسي ولكي يتم الفصل الواضح والعلني بين المقاومة العراقية ضد المحتل وبين الارهاب على الشعب العراقي.

أما الشرط الثالث هو أن وجدت مقاومة فهي ملزمة أن تكون مقاومة سياسية سلمية، علنية، فقط في محاولة لألغاء أي وجود مسلح لأي حزب سياسي. هذا الشرط سيكمل الشرط الثاني وستحاول القوة المفاوضة رفض الأعتراف بكل تلك الفلول التي تحاول أن  تلغي العملية السياسية الديمقراطية السلمية الجارية في العراق.

أما الشرط الأخير فهو لألغاء النفس الطائفي البغيض الذي تحاول بعض القوى السياسية التي ولدت من رحم النظام الجديد ان تجهز على مكتسبات الشعب العراقي السياسية وتلغي دور الأحزاب السياسية العراقية الوطنية العريقة التي ناضلت منذ أكثر ثمانية عقود من تاريخ العراق السياسي لتحقيق عراق ديمقراطي وطني يعيش فية كل ابناء العراق بسلام وعدالة أجتماعية.

هذه الشروط هي بحد ذاتها هي عقبات جدية امام القوى الرافضة للحوار وقد تربك حضور الكثير من الشخصيات العراقية المتخبئة تحت اسم المقاومة الطائفية والمحتمية بكل اشكال الارهاب الوحشي والعصابات المنظمة والفلول الخارجة عن القانون التي تحاول ان تصادر قوة سلطة القانون وتأخر في  بناء عراق ديمقراطي حر.

 لكن هذه المبادرة العربية جائت بعد أن رافق المشهد السياسي العراقي، في الفترة الأخيرة، الكثير من التجاذبات والأتفاقات العراقية بين أبرز التيارات السياسية العراقية من الاحزاب السنية والشيعية والكردية والقومية والليبرالية والعلمانية، وتجلى ذلك في أكثر من مناسبة، كان باكورتها هي الجلوس المشترك على طاولة المفاوضات في لجنة صياغة الدستور، وثانيها هو مؤتمر الوحدة الوطنية وثالثها هو موافقة المشاركة على خوض الانتخابات القادمة.

 لذلك فالأحزاب العراقية قد تلاقت مع بعضها في أكثر من مناسبة وكاد ان يكون هناك اتفاق عام لولا الدعم اللاوطني من قبل قوى ترى أن من مصلحتها بقاء العراق ضعيفا مشتتا، متحاربا.

 جائت هذه المبادرة المتأخرة، المريضة بعد ان أدرك الكثير من الخائفين والمغيضين والحاقدين على المشهد السياسي العراقي بأن العراق بات واثق الخطوة يمشي ملكا، مثلما تغني أم كلثوم، نحو ترسيخ دولة القانون والمجتمع الديمقراطي. فأنطلق الأعدقاء (الأصدقاء الاعداء) في تفعيل المبادرات العربية في محاولة، لسكب اجمل قطرات الزيوت العربية الغنية بموادها الحارقة على النار العراقية التي بدء ينطفأ قلبها المتقد.

 جائت هذه المبادرة بالدرجة الاولى لتأخر العملية السياسية العراقية وليس العكس. فهذا المؤتمر الذي سيحضره 40 ـ 50 شخصية عراقية من ممثلي بعض الكتل سياسية وهم:  المجلس الأعلى للثورة الاسلامية، وحزبا «الدعوة» و «التيار الصدري» وهيئة علماء المسلمين.  كان اختيار هذه الاحزاب بالتحديد هو لتفعيل النفس الطائفي وفي محاولة يائسة لإلغاء قرارات ودور مؤتمر الوحدة الوطنية الذي عقد  في بغداد في 17. 10. 2005  والذي حضره أكثر من 600 شخصية عراقية وطنية وضم أكثر من  152 حزب ومنظمة سياسية عراقية لها حضور سياسي مؤثر في الساحة العراقية وقسم منهم مشارك في العملية السياسية الحالية وصاحب الحق في أقامة نظام ديمقراطي فيدرالي عراقي موحد. إذ خرج المؤتمر بتوصيات وقرارات، إن فعلت بشكل صحيح، لتجاوز العراق محنته الطائفية ومأزقه السياسي.

 لكن تفعيل دور مبادرة الجامعة العربية لتعرقل تنفيذ قرارات مؤتمر الوحدة الوطنية الذي انطلقت من معالجات سياسية وطنية لمشاكل البلد لتحل محلها معالجات عربية نَفَسها تفريقي وتمثيلها  طائفي في محالة أغراق كل الأنجازات الوطنية بزورق طائفي مقيت يرفضه الشعب العراقي.

كما تحاول هذه المبادرة  تفعل دور الخلايا النائمة من ممثلي الأرهاب السياسي التي تراهن على بقاء دوامة العنف الاغتيال السياسي في العراق وبالوقت نفسه تبعث هذه المبادرة الروح في عودة قيادي فلول الحقبة الصنمية الى مسرح الاحداث، ممن فروا من المشهد السياسي، كالفئران المرعوبة من الموت، أمثال محمد الدوري وناجي صبري والصحاف، الذين اتخذوا من العواصم العربية ملاذا لعودتهم الى مراكزهم القيادية المترفة.

 لذلك انا أعتقد ان هذه المبادرة هي محاولة جديدة لخلخلة الاستقرار السياسي القادم في العراق ولا أرى مبرر واقعي لمثل هذه المبادررة العربية في هذا الوقت بالذات. فرئيس الجامعة العربية، حفضه الله، لازال يخلط  بين صلاحية النظام الصنمي المنحل وبين النظام الجديد، الدستوري، الديمقراطي الأنتخابي الذي يلغي كل أشكال المساومات والأتفاقات السرية.

 جائت هذه المبادرة بعد أن أدركت جميع القوى السياسية العراقية أن العراق القادم سيحكم بقوة صناديق الإقتراع وصوت المواطن هو الذي سيحكم العراق وأن الدستور الدائم الذي ثبت اركانه هو الذي سيحدد طبيعة الحكومة القادمة. فالقانون الانتخابي القادم لن يسمح بتشكيل حكومة توافقية من ممثلي الطوائف والقوميات، كما راق للبعض في الفترة المنصرمة، وإنما ستكون حكومة تحالفية بين القوى صاحبة القوة التصويتية الفائزة. هذه الدلالة الدستورية أستوعبها جميع القوى السياسية العراقية وبادر الجميع الى تشكيل قوائمهم الأنتخابية التي ستدخل الأنتخابات بمشاريعها وبرامجها الوطنية العراقية التي ستجذب الناخب العراقي.

 لقد انتهى عقد الصفقات والمساومات التي تجري وراء الكواليس وفي الغرف الضيقة للظفر بكراسي الحكم الوفيرة التي تنعّم بها أصحاب الأرستقراطية والوجاهة السياسية التي تتمثل في فلول صغيرة من فئات المجتمع العراقي. فصوت الناخب العراقي هو الذي سيحدد طبيعة الحكومة القادمة وسيلغي دور كل الاسياد والاغنياء والنبلاء والاقطاعيين والسراكيل والتجار وسماسرة الحروب والقادة العسكرين الذين اعتادوا ان يسرقوا قوة المواطن وثروة الشعب لصالح مصالحهم الضيقة، وبالمقابل سيعزز الناخب دور ونفوذ الفقراء والكادحين والكسبة والمثقفين وكل الوطنيين الذين ضحوا بحياتهم قربانا للوطن ويعطيهم الحق للظفر بكرسي الحكم إن كانوا جديرين.

 إن شرعية القانون الانتخابي الجديد لا يحتاج الى جلسات سرية ومفاوضات تجري على مستوى الامم المتحدة وزعماء الجامعة العربية، وأصحاب المقامات الرفيعة بل يحتاج الى ميثاق شرف وحوار جماهيري وطني صريح بين الناخب والمرشح، إذ  يتعهد المرشح بموجبه أن ينفذ كل البرنامج الأنتخابي الوطني الذي سيؤمن العدالة الأجتماعية والقانونية للمواطن وحياة أمنة مستقرة وسيلبي حاجته اليومية. كما سيبقى المرشح طيلة فترة عمله متفانيا من اجل أرضاء المواطن وتوفير افضل الخدمات اليومية ولقمة العيش النزيهة،النظيفة ومستقبل للطفولة والامومة ليحس الناخب بمشروعية وجود هذا المرشح النزية الذي قد يفكر أن يعطيه صوته في الدورة الانتخابية القادمة.

لقد غير العراق الديمقراطي الانتخابي ادوار المشهد السياسي وقلب المعادلة رأسا على عقب.  فلغاية سقوط الصنم  كان المواطن العراقي هو العبد الذليل، المنتهك، المصوت بنعم للحاكم، والذي ينفذ كل اوامر الحكام بدون قيد او شرط وتمتهن كرامته من كل الجهات. لكن المواطن ما بعد الانتخابات سيكون هو الحاكم الذي سيسقط كل الحكومات والنواب والبرلمانات التي لا تنفذ مطاليبه وبرامجة الحياتية والمستقبلية وسيكون المواطن هو الذي سيجبر الحاكم الى الاستماع الى همومه ومطاليبه وليس العكس.

إن عهد المؤمرات والظفر اللامشروع بكرسي الحكم والحيل السياسية وقمع حرية المواطن سوف يتلاشى دورها مع نجاح العملية الأنتخابية المزمع أجرائها في الشهر القادم وهي ستطوي الصفحة الاخيرة من كتاب الصنم الذي كتبه من سجنه وسماه * أخرج منها يا ملعون*  لذلك الروائي الفاشل، قلما وفكرا، والقابع في زنزانة الموت منتظرا صدور حكم الشعب العادل بحقه. 

  

 العودة الى الصفحة الرئيسية

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com