خطاب الأسد وقراءة الغد

الدكتور طالب الرمَّاحي

info@thenewiraq.com

من يدقق من أصحاب الخبرة في خطاب الرئيس السوري الأخير ويتمعن في نبراته وتقاسيم وجه ملقيه سوف يخلص الى الحقائق التالية، أولاً: أن النظام السوري اصبحت لديه قناعة من أن العالم يمتلك كل الأدلة الدامغة ومن خلال تقرير ديتليف ميليس بما يمتلكه وما سوف يتوصل إليه من وثائق مادية وأدلة مسجلة واعترافات شخصية أن رجال المخابرات السورية ومن الوزن الثقيل متورطون حد العظم في اغتيال رفيق الحريري  وهذا ما جعل الرئيس السوري يتكلم بلغة الواثق من أن الإدانة العالمية واردة لا محالة وأن عواقب هذه الإدانة أصبحت مسألة وقت لا غير، دعونا نقرأ ما قاله الأسد في ذلك : (  مهما قمنا باعمال ومهما تعاونا سيكون في النتيجة بعد شهر ان سورية لم تتعاون .. يجب ان نعرف هذه الحقيقة اعجبتنا ام لم تعجبنا. يجب ان نكون واضحين لا يجوز ان نطمر رأسنا في الرمال ولا نرى الحقيقة ) . وأن هذه الحقيقة قد فهمتها وسائل الإعلام العربية فاعتبرت هذا الخطاب هو خطاب تعبئة للشعب السوري من أجل أن يتهيأ لمرحلة صعبة تبدأ بحصار اقتصادي وسياسي وتنتهي بما انتهى إليه النظام العراقي السابق .

ثانياً : أن النظام السوري ورأس سلطته لم يستوعبوا الدرس العراقي، ولم يدركوا أو أنهم تجاهلوا معرفة ما يحصل في العالم من توجهات نحو الديمقراطية وحرية الشعوب واحترام الإنسان، فراحت الحكومة السورية تتعامل مع العالم وكأنها تعيش في السبعينات أو ثمانينات هذا العصر عندما كانت الحكومات الشمولية والديكتاتورية تمتلك ( حصانة دولية ) فيكون خطابها للعالم وتعاملها مع شعوبها من وحي هذه الحصانة، وحتى خطابها الداخلي يصاغ بوحي من قوة مخابراتها وسطوة رجال أمنها. وهكذا كان خطاب الرئيس السوري يذكرنا بالخطب التي كان يلقيها ( صدام ) على الشعب العراقي، حافلاً بالمصطلحات الثورية والعبارات المثالية، والوعود النظالية والطاقات الكبيرة والتي لا وجود لها إلا في رأس صاحب الخطاب، ظناً منه من أن هذا الإسلوب في الخطابة سوف يشحذ الهمم ويقوي الجبهة الداخلية ضد أي هجمة خارجية، طمعا في تحقيق النصر إذا ما أجبرت الدولة في الدخول في صراع ما .

ثالثاً : أن تعامل الأسد الإبن مع الأزمات يختلف تماما عن تعامل الأسد الأب، فبقدر ما كان الأخير حكيما في إدارة الأزمات وامتصاص غضب الأخرين فإن الإبن تنقصه الحكمة وليس لديه أي قدر من القدرة على استيعاب غضب الآخرين بالشكل الذي يضمن سلامة الشعب السوري وتجنيبه كارثة ما، وكلنا رأينا كيف استطاع الأسد الأب أن يكسب رهانا كبيرا في تعامله مع الحرب العراقية الإيرانية حيث خرجت كل دول الخليج وبعض الدول العربية الأخرى والتي كانت تدعم النظام الصدامي خاسرة بل ودفعت ثمنا باهضا لموقفها السلبي ذلك فيما كانت سوريا في ظل حافظ الأسد الرابح الوحيد، وكذلك عندما حصلت الأزمة التركية السورية فقد تجلت لدى الرئيس الأسد آنذالك حكمة أطفأت نار الفتنة من غير خسارة لأي من الطرفين . أما سوريا في ظل الأسد الإبن فقد تميزت بمواقف سياسية غريبة ليس فيها مصلحة للشعب السوري ولا للعرب، ولذا فإن موقف الحكومة الرافض للتغير في العراق كان بداية التخبط في السياسة السورية، فهي تطلب من الشعب العراقي المستحيل، وتطلب من القوات الدولية والقوات الأمريكية ما هو مستحيل أيضا، فشعب العراق الذي سحقة النظام البعثي الصدامي طيلة ثلاثة عقود وجاءت القوات الدولية لتستنقذه فإن الحكومة السورية تريد من هذا الشعب أن يقاتل الأمريكيين ليعود الجلاد من جديد . والأمريكيون الذين جاؤوا من وراء البحار ببوارجها والترسانات الضخمة ثم أعطت خسائر مادية وبشرية كبيرة يطالبهم السوريون ( بسذاجة) بالإنسحاب من العراق . وهكذا اعتمدت السلطات السورية برئاسة بشار الأسد سياسة سلبية متطرفة اتجاه الشعب العراقي والوجود الأمريكي، وليتها اكتفت بالجانب الإعلامي أنما قادتها مواقفها الى إجراءات حمقاء ففتحت حدودها للإرهابيين واجتهدت في تدريبهم ورعايتهم ووفرت لهم كل المساعدات ( اللوجستية ) قبل أن تُهيأ لهم سبل التسلل الى العراق ليقتلون المئات من الأبرياء ويروعون الشعب العراقي في كل يوم.

إن عملية اغتيال رفيق الحريري كانت امتدادا للحماقات التي ارتكبتها سورية في ظل رئاسة بشار الأسد، وأن الخطاب الأخير الذي افتقد الى الحكمة وامتلأت فقراته بالتهديد الصريح والمبطن للآخرين وخاصة الى لبنان ورئيس وزرائها ( السنيورة ) بالذات يدل بما لايقبل الشك من أن النظام البعثي في دمشق يقود الشعب السوري الى كارثة حتمية كتلك الكارثة التي قاد صدام الشعب العراقي إليها عندما غزا الكويت وبقي سادرا في غيه ومواقفه حتى حصلت الكارثة .. فاالنظام السوري أمامه خيار واحد من أجل أن ينقذ الشعب السوري وهو أن يسارع الى تغيير قيادته وبالسرعة الممكنة وأن يغير خطابه المثالي الذي يحفل بثوريات مزيفة وتهديدات فارغة وأن يغير من خطابه الإعلامي الذي يذكرنا بالإعلام الصدامي الذي كان له الدور الأكبر في حصول الكارثة .

إن طوق النجاة للشعب السوري هو التغييرات السياسية الجذرية التي يجب أن تتزامن مع الإعلان عن إستعداد سوريا المطلق للتعامل الشفاف والصريح مع القاضي ( ديتليف مليس )، وأنا أحب أن انبه الشعب السوري أن ( سنخ ) حزب البعث السوري هو نفس ( سنخ ) حزب البعث في العراق وسوف لن ينصاع لمقررات مجلس الأمن ولا للغة العقل ولا للدعوات المتكررة ممن يحرصون على سلامة الشعب السوري من العاصفة القادمة لأن الإنصياع الكامل وقبول دعوات التغيير يعني نهاية حزب البعث في سوريا وهذا ما لم يقبل به النظام السوري وهذا ما يعنيه بشار الأسد في خطابه من أن سورية لما تزل تمتلك ارادة المقاومة والاستعداد لتقديم الاستجابة الفاعلة للتحدي الذي تمثله الجوانب المعلنة والخفية للقرار1559 .....ه

 

العودة الى الصفحة الرئيسية 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com