الأسباب الحقيقية وراء تفجيرات عمان

حمزة الجواهري

hjawahri@hotmail.com

كنت نشرت في الثامن من تموز هذا العام مقال بعنوان "لماذا قتلت المقاومة اللقيطة إيهاب الشريف"، ذلك الحدث الذي تلاه عدة أحداث في العراق لها بعد عربي أيضا كاختطاف الدبلوماسيين الجزائريين ومحاولة اغتيال السفير البحريني وأحداث شرم الشيخ في مصر. كانت جميع تلك الأحداث تشترك بسبب واحد، هو نفس السبب الذي كان وراء تفجيرات عمان بالأمس واختطاف المغاربة الدبلوماسيين قبل أيام واغتيال الدبلوماسي السوداني. وقت صدور المقال، كانت تلك الأحداث لم تحصل بعد، كما أسلفت، وهذا ما أعتبره دقة بتشخيص الأسباب، وما حدث بعد ذلك وما يحدث الآن، هو بالتأكيد دليلا ماديا وصادقا على صحة التحليل. يجد القارئ رابطين للمقال بحيث يمكنه الرجوع إليه وقتما يشاء. عموما، في هذا المقال سوف أمر سريعا على تلك الأسباب مع مستجدات كانت في علم الغيب آن ذاك، لكنها الآن أصبحت حقيقة لا ريب فيها.

البعث بلا شك هو من يقف وراء الأعمال الإرهابية في العراق، وما يقوم به التكفيريين في العراق، ما كان ليحدث لو لم يتبنى البعث ويحتضن هؤلاء المجرمين، لا يستطيعون القيام بعملياتهم لولا مساعدة البعث ودعمه لهم بالمال والرجال والدعم اللوجستي وتوفير الملاذ الآمن والدعم الإعلامي، بالطبع إن البعث يهدف من ذلك أن تندرج أعمالهم جميعها ضمن أعمال ما يسمى بالمقاومة وأهداف أخرى معروفة للجميع، أما ما هو بشع من هذه الأعمال ولا يقبله عقل ولا عرف ولا أخلاق، يكون من فعل السلفيين التكفيريين، فهم يتحملون مقابل هذه الدعم البعثي وزر الأعمال الأكثر قذارة وتدميرا واستهدافا للأبرياء. هذا الأسلوب بعثي بامتياز، حيث من خلاله دائما يلقون بوزر قذارتهم على الآخرين، لأن كلا الطرفين يقوم بعملياته وهو ملثم، فمن الذي يستطيع التمييز بين القاعدي السلفي أو البعثي؟ لكن بعد أن أندمج البعث والعرب في المنطقة الغربية من العراق بالعملية السياسية، أصبح من الصعب على هؤلاء التكفيريين البقاء بحضانة ورعاية البعث وهو الحزب الذي عرف عنه الغدر عبر تاريخه في أي مكان عمل به، لذا أصبح لزاما على التكفيريين مواجهة هذه العملية السياسية العربية بقيادة جامعتها ورئيسها عمرو موسى بشتى الوسائل، وأهم هذه الوسائل هي محاولات إفشال العملية باستهداف من يقف خلفها ومن يدعمها بقوة سواء كان عربيا أو غير عربي. لهذا السبب بالذات حصلت الأعمال الإرهابية التي استهدفت الشريف والدبلوماسيين الجزائريين والدبلوماسي البحريني، ولكن توقفت العملية السياسية للجامعة العربية بسبب عوامل عراقية داخلية، وعادت الآن ونشطت العملية من جديد فتم استهداف الدبلوماسيين المغاربة والسوداني ومن ثم تفجيرات عمان، والقادم ربما سوف يكون أسوأ.

سواء فشلت محاولات القاعدة وأذرعها من التنظيمات التكفيرية الإرهابية أو نجحت في شل العملية السياسية، سوف يكون لهم في الساحات العربية شأن جديد، حيث هذه المنظمات لها هناك أيضا من يدعمها، ولها خلاياها النائمة والنشطة في آن واحد في كل ركن من أركان ما يسمى بالوطن العربي والعالم الإسلامي. وبالرغم من أن الدول العربية بدأت تبتز المواقف السياسية المعادية والمنددة بالأعمال الإرهابية التي تقوم بها التنظيمات السلفية التكفيرية في بلدانهم، وهذا ما شاهدناه في مصر والمغرب والأردن والجزائر والبحرين والسعودية، حيث أن الشخصيات والتنظيمات السلفية وأحزاب الإسلام السياسي في هذه البلدان تجد نفسها الآن مضطرة لتقديم الدعم للحكومات التي تعيش بظلها في حال تعرض بلدانها لعمليات مشابهة لما يجري في العراق، إلا أن هذا الدعم لن يستمر بأي حال من الأحوال وسوف تجد الحكومات نفسها في مواجهات، أحيانا لا قبل لها بها، لأن معظمها دولا فقيرة ولا تمتلك الدعم العالمي العسكري كما يحدث الآن في العراق. إن هذه البلدان وغيرها من البلدان العربية قد نشأت فيها تيارات تكفيرية واسعة خلال القرن الماضي، لكنها نشطت وتوسعت إلى حد بعيد في السنوات الثلاث الأخيرة، وكذا نشأت بها تيارات سياسية تدعم التكفيريين، ساهم بخلق هذه الحالة الإعلام العربي المظلل والذي يعكس الحقائق لما يجري في العراق وقبله ما كان يجري في أفغانستان من أحداث، فخلق رأيا عربيا عاما لا يمت للواقع بصلة وألهب المشاعر العربية التي لم يقدر الساسة العرب لحد الآن مدى خطورتها وتأثيرها على أمن بلدانهم. كل هذه العوامل تجعل من الساحات العربية مخيفة، بل مرعبة في المستقبل القريب جدا فيما لو استمرت ونجحت العملية السياسية التي ترعاها الجامعة العربية في العراق، لأن الإعلام العربي قد هيأ البيئة اللازمة لذلك بدعم من الحكومات العربية ضنا منهم أنهم سوف يفشلون العملية السياسية في العراق، ومازال الإعلام العربي مستمر بهذا التظليل للجمهور، خصوصا ذلك التظليل الرخيص الذي تقوم به فضائية الجزيرة الأكثر إثما وضلوعا بهذه الفتنة العربية الكبرى. أما لو ترك أمر العراق على ما هو عليه من فوضى في حال فشل محاولات الجامعة العربية، بلا أدنى شك سوف ينتهي الأمر يوما ما إلى نشوء حالة معقدة جدا، أعقد بكثير مما نحن فيه الآن، وربما تنشأ دويلة أو إمارة طالبانية جديدة في قلب المنطقة العربية، وهي التي سوف تكون مسؤولة عن توفير الغطاء السياسي واللوجستي المطلوب للإرهاب عربيا ودوليا، وسف تبتز أموالها التي تسير هذه الإمارة من الدول الأغنى والأضعف في الحلقة السياسية على المستوى العربي، حيث أن هدف القاعدة إقامة دولة الخلافة الأولى، وتلك هي الطامة الكبرى عربيا، وهذا يعني ضرورة الاستمرار بالعملية السياسية العربية في العراق مهما كانت النتائج، لأنها في أسوأ الأحوال ستكون أقل كلفة من وجود إمارة سلفية في أي مكان من المنطقة العربية.

نعود الآن للوضع في العراق ومستجداته، بالرغم من أني من الكارهين لمشروع الجامعة العربية في العراق لأنه يعيد بعض من كوادر البعث للسلطة من جديد، لكن مما لا شك فيه أن العرب في غرب العراق قد اندمجوا في العملية السياسية وحزب البعث بالذات قد اندمج أيضا وانظم لهذه العملية، أي بمعنى أن الأرض التي يقف عليها التكفيري السلفي في العراق بدأت بالتحلل والتلاشي من تحت أقدامه والسماء بدأت تدلهم لتتحول في القريب العاجل إلى ظلام دامس، أي لا سماء ولا أرض لهم في العراق بعد كل الجرائم التي ارتكبوها وغدر الحليف الراعي والحاضن لهم، ولا أمل لهم سوى دول الجوار الأقرب والأبعد.

من المستجدات التي حدثت بعد التحليل الأول حول اختطاف الشريف وقتله، هي أن الدستور العراقي قد أصبح واقعا بعد الاستفتاء عليه بنسبة79% وهو الحلقة الأهم من العملية السياسية العراقية لإقامة نظام ديمقراطي، وهذا يعني إن العملية ماضية فعلا بثبات مطلق دون أن تتراجع ولو خطوة واحدة نحو الخلف، وهو الهدف الذي بقيت القاعدة تعمل على إفشاله منذ أن وطأة أقدامها أرض العراق، بمعنى كل ما جنوه من أعمال الإرهاب هو الخيبة والخذلان والعزل،  وأصبح الخوف مما ستفعله التنظيمات السلفية والإسلام السياسي في البلدان العربية أمرا لا ريب فيه، وإن الجمهور المظلل هناك سوف يدعم أعمالهم هناك بلا تحفظ.

ومن المستجدات ذات الأثر الأكبر في الآتي من الأيام هو صدور قانون مكافحة الإرهاب بعد أن أقره المجلس الوطني وصادقت عليه الرئاسة وأصبح نافذ المفعول، لذا فإن التكفيريين أدركوا أن عمليات تصفية الإرهاب والإرهابيين في العراق مستمرة وهي أكثر مضاء وقوة مما كانت عليه، وسوف تقضي عليهم تماما فيما لو استمروا بالعمل في العراق فقط، خصوصا بعد أن يفقدوا الدعم البعثي لهم في المناطق التي يعملون فيها الآن.

لكن القاعدة، بالرغم من ذلك، نقلت مركز عملها للعراق، ولابد أنها كانت مطمئنة بعض الشيء لمواقع تعمل فيها وتنطلق منها للقيام بعملياتها في العراق والمنطقة المجاورة له مثل الأردن كما حدث بالأمس، لكنها سوف تفكر بتعديل هذا القرار وسيكون المكان للقيادة في البلد الأضعف بلا أدنى شك، وغدا سوف تنشط عملياتهم الجبانة في أماكن أخرى من المنطقة العربية، لأن رجال القاعدة لا يجدون فرقا بين نظام عربي وآخر، ويعتبروها جميعها كافرة، ولا تريد القاعدة أن تعمل تحت وصاية أي منها كما ورد في رسالة الظواهري الأخيرة للزرقاوي.

السؤال الأهم هل أن بلدانهم مستعدة لمواجهة ما يحدث الآن في العراق؟

إذا فالمفاوضات التي تجري الآن في العراق وكواليس الجامعة العربية لابد تفضي لواقع جديد لا مكان به للتكفيريين السلفيين، وإن الأمريكان جادين بلا ريب في وضع نهاية لهذه الفئة الضالة، وفي كل الأحوال سوف لن يكون لهم مكان مهما كانت أساليبهم عنيفة وقذرة، لكن تبقى هناك نقطة واحدة يجب أن ننتبه لها، وهي أن مبدأ تصدير الثورة الإيراني والذي يؤمن به الطرف الثاني من الإسلام السياسي، أي طرف ولاية الفقيه، هو الآخر عليه أن يفهم أن لا مكان له عربيا ولا عراقيا مهما كلف الأمر من دماء، وعليه أن يتعقل ويتخلى عن طموحه الأزلي بإقامة تلك الدولة التي تمنحهم جميع حقوق الله سبحانه وتعالى والحديث بالنيابة عنه، كما يريد الزرقاوي أن يفعل بالضبط.

 

العودة الى الصفحة الرئيسية 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com