أعراس ارهابية تزف فنادق عمان

د. لميس كاظم

lamiskadhum@hotmail.com

 

كان المساء رافضا لذلك الأحتفال المشين الذي زفت عائلة البنا، في مدينة السلط الاردنية، ابنهم الأرهابي رائد البنا، الذي فجر نفسه في سوق الحلة والذي راح ضحيتها أكثر من 275 قتيل وجريج. ففرح اباه بهذا التفجير العربي وهلهلت امه زغاريد الفرح لهذا النحر الجماعي الذي فتك بحياة البسطاء من العراقيين الذين افترشوا الأرض بروحهم الزكية طلبا للرزق. كانت عائلة البنا القميئة تعلن بان أبنها شهيد وسيدخل الجنة، لكنها نسيت تلك العائلة الكافرة التي قبضت ثمن روح ابنها سلفا، أن أبنهم المارق لا يمت للشهادة بصلة لا من قريب ولا من بعيد، وكل الانبياء والرسل والأديان متبرئة من أمثال هؤلاء الكفرة النجسين الذين يخبئون أفعالهم الدنيئة تحت خيمة الفتاوي الكافرة التي يطلقها أمراء وخلفاء لم يجتهدوا في دراسة كتاب الله وسنته النبوية، إنما أجتهدوا في أعمال النهب والتجارة الممنوعة والسلاح وخرجوا عن عرف القانون الدنيوي والسمائي. أنهم سيّصلون بنار جهنم التي ستعذبهم عن كل جسد برئي تقطع بسبب فعلهم الخسيس الذي لا يقترب من أية قيم نضالية أو جهادية أو اسلامية. 

 صمت الكثير من الأردنيين كغيرهم من العرب عن هذه وغيرها من الجرائم الوحشية التي أرتكبت بحق شعب لم يرتكب أية جريمة سوى انه بارك لمن أنقذه من سفاك زهق حياة ملونين عراقي في غضون ثلاثة عقود ونصف من فترة حكمه. كان ذلك الصمت السلبي والأيجابي هو الذي شجع الكثير من الشباب المغرر بهم للتوجه العراق ليتطوعوا في بؤر الارهاب المنتشرة في طول البلاد وعرضها وليتحولو خلال أيام الى جثث متفسخة دفاعا عن أرض لا يمتلكون منها شبرا واحدا وعن شعب لم يطلب منهم الدفاع عنه وعن ثروات نهبوا القسم الكبير منها ودمروا القسم الأخر.

 لقد شجعهم الكثير من تجار الثقافة والمضِللين وخطباء الجوامع والمساجد والقيادات السياسية والأعلامية الحاقدة على مستقبل العراق الديمقراطي حتى تحول العراق الى اهم بؤر الارهاب في المنطقة العربية وتحولت بغداد مدينة الحب والسلام الى مدينة المتفجرات والألغام. وبات المواطن العراقي هو الفريد في العالم الذي يتشاهد على روحة كل يوم عشرات المرات. كان يتشاهد عندما يودع عائلته ويحلل ويوهب أثناء ذهابه الى العمل او التسوق او حتى أثناء التنزة. حتى أطفال العراق لم ينجوا من تفجيراتهم اللئيمة فارسلوا لهم هدايا ولعب اطفال مفخخة تنفجر حال مسك يد الطفل لتلك اللعبة. أنهم يفجرون اطفال العراق الذين هم أنفسهم بالأمس القريب ذرفوا دموعا ساخنة دفاعا عن بقائهم. هؤلاء الأوباش يحاولون أن يسرقوا البراءة من وجوه الاطفال الذين نطقوا كلمة الموت قبل ينطقوا كلمة ماما أوبابا ورضعوا الدماء قبل الحليب. 

 كان مساء الاربعاء هادئا، فرحا حين دخلت الزفة الأردنية الى صالة فندق راديسون ساس في الدوار الثالث في وسط العاصمة عمان. دخلت الموسيقى والهلاهل والفلكلور الاردني الى قلب صالة الفندق الباهية ورقص الجميع بمرح ومتعة. كان الكل يتمنى أن تكون ليلة دخلته مباركة، مبتسمة وهائنة مثل هذه الليلة. لكن بعد دقائق سحبوا كل تمنياتهم بعد ان تحول هذا العرس الجميل الزاهي بالملابس الانيقة والوجة المعطرة، الى مأتم مريب، تكدست الجثث على بعضها وصمت الجميع. إذ  شيعت فيه روح العريسين الى عالم الخلود بدون ذنب يذكر. ولمت اشلاء الجثث البرئية التي لم تعرف سبب زهق روحها.

إن كان هذا هو الجهاد الذي يدعو اليه التيارات التكفيرية، فهينئا لكم ايها القتلة على جهادكم الذي تهدرون الروح البرئية التي حرم الله قتلها. لكن الحقيقة باتت تنجلي وسوف لن نتوقف عن محاربتكم الى يوم الدين لانكم ببساطة شديدة اصبحتم الطاعون الذي سيفتك بكل من تعز عليه نفسه. أنكم عار الأئمة العربية والاسلامية التي تلوثت سمعتها بسبب تطرفكم السادي.

  لكن العرسين الأردنيين ومعهم اكثر من 65 قتيل ونحو 300 جريح لم يكونوا متضامنين مع الشعب العراقي ولم يوافقوا على الوجود الاجنبي ولم يحاربوا الأرهاب. أنهم مواطنين صالحين حاولوا ان يدخلو التأريخ من بوابته الفارهة، الانيقة حين حجزوا أفخر صالة لقضاء ليلة عرسهم بشكل حضاري. استشهد العريسين ولم يكملوا نصف دينهم او يدخلوا ليلتهم المباركة والادهى من ذلك كله انهم  لم يعرفوا انهم سيدخلون التاريخ شهدين برئيين بفعل أنتحاري جبان لا يقفه سبب قتله لهؤلاء الناس الأبرياء.

 لقد حذرنا مرارا من بأن لا تحفروا حفرة دموية لاهل العراق ، اهل الانباء والأئمة الصالحين،  ولا تقفوا صامتين على نحر رقاب العراقين، ولا ترسلوا لنا البهائم البشرية المفخخة التي مستعدة ان تفجر نفسها في الجوامع والمعابد والأضرحة وكل بيوت الله الحرام.  لكن البعض كان متفرجا، صامتا، متشفيا على أعراس الدم العراقية، بل راح مرتزقة الثقافة العربية المأجورة تبرر هذا الفعل المشين بمنطق تمويهي مبطن.

 لقد تظاهرتنا حتى تعبت أصواتنا، ووقعنا نداءات تضامنية ضد الارهاب حتى امتلت صفحات الجرائد والأنترنت، وكتبنا ضد الارهاب حتى جف حبر اقلامنا وتعبت اصابعنا، محذرين من هذا الصمت العربي السلبي على جرائم الارهاب في العراق وجاهرنا علنا بأن الارهاب لا يعرف دين أو بلد أو قومية. لكن بعض القادة الافاضل كانوا ينأوا بأنفسهم عن المشاركة في محاربة الارهاب بل تحول قسم منهم الى حاضنة وسخروا معسكراتهم وحدودهم في مساعدة وتدريب أقزام الارهاب بحجة محاربة الغزاة. لكن الغزو الارهابي بدء يطول العواصم العربية الواحدة تلوا الأخرى وبدء الشباب يفجر نفسه في وسط ابناء شعبه وبات اقتلاعهم من جذور الجوامع والمساجد والمدارس الدينية والجمعيات الخيرية واقبية التجمعات السرية يتطلب أنظمة حياتية جديدة تختلف أفكارها ونظمها وممارساتها عن ما أنتم تفعلونه. أن الغزو الأرهابي بات يشكل أخطر طاعونا بشريا سيلحق الضرر المدمر في عموم الامة العربية والعالم أجمع أن لم تتخذ الأجراءات الوقائية المضادة ضده.

وانا اكتب هذه المقالة نُشر خبر عن مقتل 35 عراقي في مطعم قدوري على شارع ابو نؤاس في بغداد. هذا المطعم المشهور بوجبته الفقيرة من الباقلاء والخبز المشرب بالدهن. يأمه الزبائن العراقية من الكسبة والكادحين الذين يجدون الجودة والنفس البغدادي الناهي في هذه الوجبة الشعبية. كان هذا المطعم يزدحم بالزبائن الذين سحقت عربة الحياة قوتهم وسلب الوطن حقوقهم المهنية والمستقبلية. ولم يسلموا هؤلاء الفقراء من الموت طيلة حصارات الحياة وجبروت الصنم ونازعوا ظلمه وطغيانه عشرات السنين لكنهم ماتوا، بعد سقوطه،  شهداء في سبيل العراق الجديد.  

 لن يتوقف الأرهاب طالما هناك دعائم من الاعلام والمثقيفن العرب المأجورين الذين ينشطون مع كل جرم ارهابي ليبرروا أفعال هؤلاء الكفرة الضالة من البشر بحجج سخيفة ومنطلقات فلسفية واهية يطلون بها عبرالقنوات الفضائية التي تمويلها مليارديرات عربية حاقدة على مستقبل المنطقة الديمقراطي. لكن مهما اجتهدوا وبرروا وتمنطقوا بأكاذيبهم المنمقة فعجلة الديمقراطية لن تعود الى الوراء ولن تخاف من الانظمة الشمولية والبطريكية. فالعالم العربي سيولد من جديد وبأفكار وانظمة جديدة ولن يجدوا المارقين والمشعوذين من  النخب المثقفة المأجورة التي قطعت عنها الكوبونات النفطية سوقا لمنتوجهم الادبي. لكنهم سيلبسون وجوه جديدة باحثين عن مستثمرين جدد يبهجون قلوبهم المريضة ليسددوا نفقات فواتير قصورهم الفارهة في أرقى الاحياء البريطانية والأوربية ويدفعوا بدلات انتساب ابنائهم في أفضل المدارس الخصوصية الأوربية والامريكية الكافرة.

 لن يتوقف الارهاب ومنابر التكفير مستمرة وهتاف الواعضين الفادسين منتشرة علنا ومحمية بالقانون في عموم العالم العربي. هذه الحناجر المأجورة التي تُسخر بعض النصوص الدينية لمصالحها الخاصة وتحارب الحضارة والتمدن بلغة مقدسة تخاطب ضمير الشباب العربي بذكاء شديد وفتاوي كاذبة وتستميل عقولهم بأسم الدين لتبرير أعمالهم الأرهابية القذرة بحق الشعوب المسالمة تحت ذرائع واهية مصدرها نابع من عقم الفكر الوهابي والسلفي المحارب لكل القيم الوطنية والمدنية والأخلاقية.

 لن يتوقف الارهاب وجيش الشباب العاطل عن العمل يملء مقاهي وجوامع و شوارع العواصم والمدن العربية. هذه الثروة المهدورة التي لو سخرت خيرات بلدهم لبناء كيانهم الأكاديمي والأجتماعي لأمتلكنا أبار من الثروة بشرية المعطاة، تغنينا عن كل الثروات الطبيعية والمعدنية، وسنشيد بهم مجتمعات تضاهي تطور مجتمعات الدول العظمى.

يبقى هؤلاء الشباب حاقدون على انظمتهم الجاحدة التي تكتنز خيرات بلدهم في حساباتهم الخاصة وتسخر ثروات بلادهم لبناء أمبراطورياتهم الخالية. يبقى هؤلاء الشباب بعيدين عن  الوطن الذي لم ينعموا من عدالة دستوره وقوانينه الضامنه لحقوقهم المدنية والأجتماعية.

 يبقى هؤلاء الشباب ، مجندين، محتجين سرا ما دامت أرادتهم مسلوبة وشخصيتهم مهانة وحقوقهم ممتهنة وطنيتهم مبعثرة واصواتهم مهملة وشخصيتهم مضطربة. مما يجعلهم فريسة سهلة الأصطياد من قبل الجماعات الضالة المدربة والمحنكة بعناية فائقة التي تعرف كيف تعزف على أوتار أوجاعهم.

 لن يتوقف الارهاب بمجرد ألقاء القبض على شبكة أو مجموعة أرهابية أو غلق حدود العاصمة او البلاد. بالعكس فهؤلاء التكفريين النائمين والصائمين والفاسقين، متواجدين في كل حي وشارع وزقاق وفي المقاهي والمراقص والبارات وفي كل بيوت الله. يتلونون مع كل مكان وزمان وينامون مع كل أنواع المنشطات والمسكرات والمواعض ويطربون على كل الاغاني والراقصات ويتغنون بكتب الله توبتا ونفاقا من أجل أن يزرعوا الحقيقة الكاذبة في قلوب الشباب المغرر بها.

 لن يتوقف الارهاب طالما هناك أرهاب فكري مسلط على أفواه واقلام المواطن الوطني والمدافع عن الحقوق الأجتماعية المدنية. بالوقت الذي يفسح المجال باوسع ابوابه لممثلي الارهاب السياسي والفكر التكفيري أن يستخدموا منابر الاعلام والمناصب الحكومية في محارب الحضارة والتمدن بحجج أنها منافية للعادات والتقاليد العربية وبعيدة عن التعاليم الأسلامية. بالوقت الذي يروجوا لثقافة تهديم الفكر العربي بمفاهيم خاطئة عن الجهاد وتسميم العقول الشابة بأفكاره مريضة ، هدامة ، حاقدة على الانسانية والتقدم الاجتماعي.

 لن يتوقف الارهاب طالما هناك حواجز ديمقراطية ضد رغبات الجماهيرية وبالوقت الذي توسع ممارسة ديمقراطية النخب التي تتصدق على الدستور والقانون بقطرات من الديقراطية المحدودة جدا والتي لا تلبي طموح الشباب وعموم المواطنين. بل تحفظ مكانة النخب السلطوية وتقوي أمتيازاتهم وتبعدهم عن شعبهم وتقرب طاقمهم المصفق، المبجل لأنجازاتهم.

 لن يتوقف الارهاب طالما هناك نسبة عالية من الجهل والأمية في صفوف الناس والتي تجد القوى الضالة مناخا سهلا بينهم لبتث الافكار الأرهابية الهدامة. هذه الافة الاجتماعية التي كانت ومازالت الصخرة التي تكسر كل عجلات التحرر والديمقراطية والتقدم الاجتماعي.  

  

 العودة الى الصفحة الرئيسية

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com