|
الاحداث المتلاحقة والتطورات المتلاطمة تعصف في المنطقة والتي شهدت تسارعا في الوتيرة، –خصوصا في مرحلة ما بعد جريمة اغتيال الرئيس الحريري- أظهرت النظام السوري على حقيقته مسقطة الاقنعة والسواتر التي كان يحتمي بها ويقف من خلفها: نظاما أرعنا يعتصم بالغوغائية ويعتمد الديماغوجية ويلوك الاوهام ويجمع من حوله زُمر المطبلين والمنتفعين والذي سيقفز اكثرهم الى الجانب الاخر حين تتمايز الصفوف -ان تمايزت- ليعددوا مثالب النظام وتجاوزاته كما يلوكون الان انجازاته المزعومة ويشيدون بحكمة قراراته, تماما مثل ما حصل في العراق المحتل. حفلت المواقف السورية الرسمية في مسألة إغتيال الحريري بالتناقضات الحادة والتباينات الكبيرة. فالسلطات السورية تؤكد براءتها المطلقة وتعتمد على ذلك بمعادلة بسيطة ان إغتيال الحريري وتداعياته لم تكن في مصلحة سورية. غير ان هذا الطرح يتلاشى سرابا اذا افترضنا ان حسابات النظام كانت هنا كما في مواقع كثيرة خاطئة وطائشة. ثم منذ متى والنظام في تصرفاته ومواقفه يحسب حساب المصلحة السورية؟ سياسة النظام كانت وستبقى وحتى رحيله المأمول تحسب حساب مصلحة العصابة الحاكمة والعائلة المتسلطة والتي دخل الكثير منها عالم الاثرياء اصحاب المليارات فيما القطاع العريض من الشعب السوري يعاني الامرين فقرا وقهرا. إذا كان النظام موقن ببراءته فلماذا شكل لجنة قضائية للتحقيق ولماذا تم تشكيلها بعد خروجه من لبنان ولم تكن قبل ذلك حين كانت له من السلطات والامكانيات ما يؤهله لمحاولة كشف الجناة حقيقة ان لم يكن هو القاتل والجاني؟ ولماذا لم يتم التحقيق مع الضباط الستة سوريا الا من بعد ان طُلبوا للتحقيق دولياً؟ في مقابلته مع المحطة الامريكية سي إن إن بدا بشار الاسد كتلميذ مشاغب يتلقى اسئلة التحقيق الصعبة والقاسية من مديرة مدرسته والتي تشكك في سلوكياته وإدعاءاته, في ذلك الموقف خوّن بشار أي سوري يثبت تورطه في جريمة إغتيال الحريري ومن بعد عاد في خطابه الطويل والممل ليتراجع عن ذلك وليدعي أنه أسئ فهمه! في المقابلة التلفزيونية ذاتها وفي رده عن سؤال عن بطء الاصلاحات يتكلم بشار عن الامكانيات المحدودة والقدرات الضعيفة لسورية الاسد وعن حاجتها للمعونة والمساعدة من الغرب وفي خطابه في جامعة دمشق يقول بشار اذا كان الغرب صادقا في حرصه على سورية فعليه ان يقدم مساعدات اقتصادية حقيقية وليست صغيرة او شكلية. هنا يدين بشار الاسد وبشكل مباشر النظام الاسدي والذي حكم فيه الاب حكما استبداديا مطلقا فالاحوال الصعبة والامكانيات ضعيفة والحاجة ماسة للتسول من الغرب المساعدات المادية والدعم المعنوي للسير في طريق الاصلاحات المزعوم، كاشفا الانجازات الحقيقية لحكمه وحكم ابيه, الفقر والقهر بل وحتى العجز عن الاصلاح. ثم إذا كان بشار الاسد يعترف بحاجة سورية الاسد الماسة للمساعدات الغربية فكيف له بعد ذلك الادعاء بأنه اختار طريق المقاومة وهو المحتاج لعون من يريد مقاومتهم؟ بشار الاسد يقول ان عصر الوصاية قد انتهى وفي نفس الخطاب يعلن استعداده التام والمخلص للتعاون مع حكومة الاحتلال الامريكي لضبط الحدود العراقية السورية ولأن من مصلحة سورية كما يقول ان يكون العراق – تحت الاحتلال- آمنا, فكيف يرفض الاسد الوصاية الاجنبية على سوريا اذا كان يدعم الوصاية كما يقول على العراق. الرئيس السوري يتحدث عن صفقات مع امريكا ويزعم ان لا صفقات تحت الطاولة وان ما يوافق عليه الشعب السوري سيوافق عليه. فمنذ متى يتعامل النظام الاستبدادي في دمشق مع الشعب بهذه الشفافية ومتى وكيف شارك الشعب في القرارات, سياسية كانت ام اقتصادية؟ لقد دمر نظام عائلة الاسد سورية اقتصاديا وهمشها سياسيا وجعلها دولة مكروهة اقليميا ومنبوذة عالميا. اصبح السوري في لبنان وفي غيره عاملا يعمل في المهن التي يأباها ابناء البلد وغدت سورية الشام مرتعا للشباب العربي الطائش العابث كما لغيره في حاناتها ومراقصها مستغلين سوء احوال الناس الاقتصادية بعد ان كانت سورية مركز اشعاع عربي علميا وادبيا. وهاهو النظام يضع سورية شيئا فشيئا تحت الوصاية الدولية نتيجة سياسات خاطئة وممارسات مشينة محليا وخارجيا. لقد توقعت من النظام السوري وعلى لسان رأسه بشار الاعتذار من الشعب السوري على الحالة التي أوصل إليها حكم عائلة الاسد البلاد والعباد في خطابه الاخير وإطلاق سراح سجناء الرأي مع الاعتذار لهم وتعويضهم من دون استخدام كلمة العفو الممجوجة. غير أنه من الواضح ان النظام السوري عصي على الاصلاح, وإنما يكون صلاح الوطن والمواطن في رحيله وإنهاء تسلطه. على النظام السوري ان يستمع جيدا الى مبادرة المعارض السوري رياض الترك ويتنحى عن الحكم طائعا لعله بحسن تصرفه في هذا الوقت الحرج يكفر عن اخطائه وخطاياه السياسية وغيرها الكبيرة والكثيرة ومن بعد ذلك فليخض غمار الحياة السياسية كغيره تيارا في اجواء من الديمقراطية والشفافية ليرى وعلى المحك وزنه في منظار الشعب والذي لا يتوقف ذلك النظام عن المتاجرة به وبمعاناته والتي كان وما يزال النظام السبب الاساسي لها. اما السيناريو الثاني المأمول فيكمن في سوار ذهب سوري يقوم بانقلاب ابيض لانقاذ سورية وجيشها من التدمير والتمزيق وليقدم المجرمين والقتلة الى محاكم دولية كانت او محلية وليتم من بعدها الاعداد لانتخابات ديمقراطية في سورية لا تستثني احد بما في ذلك حزب البعث بعد توقيف الفاسدين فيه من الذين نهبوا اموال البلاد او ولغوا في دماء العباد. على الطائفة العلوية مسؤولية كبيرة ونحن ندرك تماما ان بعضا من ابنائها كانوا من جملة ضحايا النظام والذي مارس اشتراكيته في القهر والاذلال على جموع الشعب في مجمله, الطائفة العلوية مطالبة بتحديد مواقف صريحة وواضحة من النظام حتى لا تتحمل مسؤولية تدمير الوطن ولا تقف في الجانب الخاسر في الاحداث القادمة وحتى تسود في سورية اجواء الشفافية وقيّم العدالة بديلا عن مفاهيم الثأر والانتقام.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |