كوندليزا في الموصل وسترو في البصرة!

سهر العامري

aslam326@hotmail.com

تظهر الزيارتان الخاطفتان، المتزامنتان، اللتان قاما بهما كل من وزيرة الخارجية الأمريكية، كوندليزا رايس، ووزير خارجية المملكة المتحدة ( بريطانيا )، جاك سترو، القلق العميق الذي تشعر به إدارتا البلدين، وعلى رئسيهما جورج بوش في واشنطن، وتوني بلير في لندن، وذلك نتيجة لتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية للسكان في العراق في ظل حكومة رئيس الوزراء، إبراهيم الإشيقر الجعفري، تلك الحكومة التي ضاق العراقيين ذرعا بعجزها التام عن معالجة الوضع الأمني، والمعيشي الذي بلغ مستويات ما كانت تخطر على بال الناس في العراق، والى الحد الذي جعل السستاني الذي بارك تلك الحكومة، وعلى لسان ممثله في محافظة كربلاء، أن يقول صراحة، وأمام الناس فيها : ( ان السياسات التي تتبعها الحكومة العراقية الحالية عاجزة عن توفير الخدمات الأساسية للعراقيين و هذا مما أفقدها مصداقيتها بين شرائح واسعة من المجتمع العراقي ) و حذر من ( أن هذه الحكومة ستخسر الكثير من رصيدها الشعبي في الانتخابات المقبلة اذا بقي الوضع على ما هو عليه الآن. ) وأضاف ( ان الفئات المحرومة من الشعب العراقي لازالت تعاني من الوضع المعاشي الصعب و عاجزة عن توفير لقمة العيش الكريمة ولا زالت مجموعات كبيرة من العراقيين تفتقد الى مسكن تأوي اليه. ) وأضاف ( ان ذلك اصاب قطاعات الشعب بحالة من الإحباط و اليأس و اللامبالاة وعدم الرضي عن هذه الحكومة، مؤكدا انه اذا بقي الأمر على حاله فأن هذه الكيانات ستخسر الكثير من رصيدها ولن يبقى الحال كما كان عليه في الانتخابات السابقة حيث بدأ البعض التحول من تأييده لهذه الكيانات نحو جهات أخرى. ) جاءت هذه الخطبة لامتصاص نقمة الناس في كربلاء على تلك الحكومة، وذلك بعد يوم واحد من مظاهرة ضخمة للجياع المعدمين في المدينة نفسها، احتشدت أمام مبنى المحافظة، قام بها عدد من شباب المدينة العاطلين عن العمل، والذين رفضت طلباتهم في الحصول على وظيفة شرطي، تلك الوظيفة التي كانت لوقت قريب ينفر من مزاولتها الكثير من العراقيين، وقد جاء في هذا الخبر نفسه أن سلطات المحافظة أرادت تشكيل فوج من الشرطة قوامه 800 ثمانيمئة شرطي، فتقدم لشغل هذه الدرجات الوظيفية أكثر من واحد وعشرين ألفا من المتطوعين بدافع العوز والفقر، رغم أنهم يرون بأم أعينهم كيف يتساقط الشرطة في شوارع العراق صرعى كل يوم .
حالة العراق المتردية، والمتدهورة هذه هي التي حملت الوزيرة الأمريكية، والوزير الإنجليزي الى العراق، وذلك من أجل أن يتقروا تلك الحالة عن كثب، وينظروا لها من قرب، بعيدا عن التقارير المرسلة، وبعيدا عن ما ينقله لهم بعض من الأطراف العراقية، فهم، على ما يبدو، لا يريدون تكرار تجربة أحمد الجلبي، تلك التجربة التي شنعت بها أمهات الصحف الانجليزية والأمريكية، فقد كتبت صحيفة نيويورك تايمز تقول ( إن نائب رئيس الوزراء العراقي، أحمد الجلبي، لا يعد سياسيا انتهازيا فحسب، بل إنه أكثر عراقي مسؤول عن جر الحكومة الأميركية لارتكاب خطأين فادحين في حرب العراق، الأول تبرير الحرب اعتمادا على معلومات خاطئة بأن صدام حسين كان يمتلك أسلحة دمار شامل، والثاني تصور أن الشعب العراقي سيستقبل القوات الأميركية بحفاوة وفرحة . ) وأضافت الصحيفة ( أن تأثيرات الجلبي المدمرة لم تتوقف عند هذا الحد، بل قام بدور رئيسي في حث السلطات الأميركية بعد اجتياح العراق على إصدار قرار بإبعاد كافة أعضاء حزب البعث السابق بمن فيهم الأطباء والمحامين والمدرسين وغيرهم من المهنيين عن العملية السياسية في البلاد. ) وأعربت نيويورك تايمز عن اعتقادها ( أن هذا القرار ساهم في إقصاء الطبقة المتوسطة من العرب السنة. ) وقالت إن الجلبي ( لا يزال يعارض الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة وبعض الأحزاب العراقية في سبيل الوحدة الوطنية. ) ونبهت الصحيفة إلى أن ( بعض أعضاء الحكومة الأميركية يتهمون الجلبي بأنه أخبر طهران أن وكالات الاستخبارات الأميركية تمكنت من فك رموز رسائلها السرية، إلا أن الجلبي ينفي هذه الاتهامات بشدة على حد قول نيويورك تايمز. ) بيد أن الصحيفة قالت ( إن مسؤولين في وزارة الخارجية ووكالات الاستخبارات ممن يعرفون الأوضاع في العراق لا يثقون بالجلبي. ) وخلصت إلى القول ( إن الجلبي أصبح من العراقيين المفضلين لمسؤولي البيت الأبيض ووزارة الدفاع أثناء فترة تحضير حكومة بوش لاجتياح العراق لأنه أخبرهم ما يودون سماعه. ) مما كتبته الصحيفة تلك يظهر أن أحمد الجلبي ما عاد موضع ثقة عند أرباب نعمته من الأمريكان الذين كانوا يغدقون عليه في الشهر الواحد أكثر من ثلاثمئة وأربعين ألف دولار في الشهر الواحد لقاء تجسسه على نظام صدام العميل السابق لأسياد الجلبي أنفسهم، لكن الجلبي، على أية حال، قد اشترى بنصف مليون دولار من أموال التجسس هذه سيارة مارسيدس لا يخترقها الرصاص للسيد مقتدى الصدر ( طاب بهاؤه ) وعلى أساس من عدم الثقة هذه، تركت كوندليزا رايس الجلبي في واشنطن وراءها بعد أن استقبلته لنصف ساعة دون أن يحصل على توديع منها، وعلى ذمة وكالات الأنباء، تركته وشدت الرحال الى الموصل من العراق، لتبلغ الجعفري وحكومته بإملاآت السيد الأمريكي التي لا تقبل الرد والنقاش، فأمريكا أصبحت على دراية واضحة بكل ما يقع في العراق من شماله حتى جنوبه، وقد كانت الإملاآت هذه، وأنا هنا ليس بصدد مناقشتها كثيرا، هي :
1- لا لحكومة دينية، سواء أكانت شيعة أم سنية في العراق بعد الانتخابات المقبلة .
2- يجب أن يندمج العراق في محيطه العربي، وفي ذلك اشارة واضحة لفسح المجال أمام جهود الجامعة العربية في شدة لحمة النسيج العراقي الذي تراخى نتيجة للحرب . وعلى الضد من رغبة بعض المسؤولين في الحكومة العراقية من عدم إعطاء الجامعة العربية كلمة في الشأن العراقي، ومن هؤلاء المسؤولين أحمد الجلبي وغيره من أتباع الولي الفقيه في طهران .
3- إبلاغ المسؤولين المحلين في محافظة الموصول، والحكومة العراقية على وجوب أن يشارك السنة بكثافة في الانتخابات القادمة، ولهذا خصت كوندليزا رايس تلك المحافظة بزيارتها تعبيرا عن الرغبة الأمريكية الحارة في المشاركة تلك، ومن أجل عزل الارهابيين الصداميين عنهم، وفي عقر مراكز تواجدهم .
4- تريد حكومة الولايات المتحدة ( عراقا تشعر فيه المجموعات الرئيسية الثلاث الاغلبية والاقلية بالامن والتكامل. ) وفي ذلك إشارة واضحة الى أصحاب نظرية ( الفوز الساحق ) التي عبر عنها عبد العزيز الحكيم ذات يوم قبل أن تفشل حكومته هذا الفشل الذريع الذي تعيشه الآن، الفشل الذي أذى عموم الناس في عموم العراق .
5- التأكيد على وحدة العراق، وعدم تقسيمه الى دويلات على أساس عرقي أو طائفي، وفي هذا الإملاء تتحقق الرغبة العربية التي عبر عنها وزير الخارجية السعودية، سعود الفيصل، في آخر لقاء له مع نظيرته رايس، وفي مقابل هذا ترى رايس أن السعوديين لديهم الكثير من الصلات العشائرية وغير العشائرية التي يمكن أن يستخدموها لحث العرب السنة في العراق على المشاركة في الانتخابات القادمة، تلك المشاركة التي يهدف الأمريكان من ورائها الى خلق توازن سياسي في الحكومة العراقية القادمة ! وفي البرلمان المرتقب . كما يريد الأمريكان من المملكة السعودية، ودول الخليج الأخرى توظيف أموال طائل في السوق العراقية، خاصة وإن قسما كبيرا من الأموال التي خصصتها الحكومة الأمريكية لإعادة البناء في العراق قد التهمته العمليات الأمنية، وجيوب الفساد المشرعة في الجهاز الإداري الأمريكي والعراقي على حد سواء، هذا الفساد الذي وصل الى الأموال المتحصل عليها من مبيعات النفط العراقي كذلك . ولهذا فقد وصفت الزيارة التي ستقوم بها كوندليزا رايس الى المملكة العربية السعودية في جولتها الحالية بـ ( استراتيجية ) . كما طمأنت الولايات المتحدة السعوديين والعرب عموما من خلال اقناع كورد العراق بالتخلي عن مطلبهم القديم في أن تكون مدينة كركوك النفطية المتنازع عليها بين أكثر من طرف من الأطراف العراقية عاصمة لإقليمهم، والاستعاضة عنها بمدينة أربيل كعاصمة للفدرالية الكوردية، وهو مطلب يلبي رغبات بعض من الفصائل السياسية العراقية في الوقت نفسه، كما يلبي رغبة الأمريكان والانجليز كذلك .
يضاف الى كل ما تقدم أن زيارة الوزيرة والوزير المذكورين تهدف كذلك الى الاطلاع على الجانب الأمني في العراق بشكل عام، وفي البصرة بشكل خاصة، حيث تواجه القوات البريطانية فيها تحدي طهران وعملائها، هذا التحدي الذي تجسد في ضرب القنصلية البريطانية في تلك المدينة بالصواريخ، ومقتل مدير مخابرات شرطة البصرة بواسطة عبوة ناسفة زرعت على طريق البصرة-أبو الخصيب، هذا السلاح الذي طالما اتهمت القوات البريطانية العاملة في تلك المدينة إيران كمصدر رئيس من مصادر توريده للعراق . والى جانب ذلك يريد الوزيران الاطمئنان على سير العملية الانتخابية التي لم يتبق على أجرائها الكثير من الوقت، ولهذا فقد وعد جاك سترو بتوفير المراقبة الدولية من أجل سلامة سير الانتخابات المقبلة، وعدم تعريضها الى عمليات تزوير، مثلما حدث في انتخابات السنة الماضية، ولهذا الغرض حل السيد كوفي عنان، الأمين العام للأمم المتحدة، في العراق، وبصورة مفاجئة، في الدقائق التي يرسم بها كاتب أحرف المقالة هذه !


العودة الى الصفحة الرئيسية 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com