أدرك،وبحسه الفني المرهف، ومن خلال نظرته الإنسانية الشاملة المتنورة أن هناك خللا,،وشيئا ما يحصل بشكل خاطىء,لذلك حاول المخرج العالمي الراحل مصطفى العقاد ومن خلال فيلمه الرسالة، تقديم الإسلام بصورة تتسم بالانفتاح ،والرحمة,والتسامح ,والاعتدال.لكن وبكل أسف يبدو أن رسالته،كانت عصية، ولن تصل ،أبدا، لبعض الناس.ولذا يحاول القتلة ,أيضا ,من خلال فيلمهم الأردني المرعب الأخير أن يرسلوا رسالة ما لعموم الناس ,ويكرسوا تلك الصورة المشوهة التي رسمها رسل الإرهابي العالمي ليس في عقول الغربيين فقط ,بل في عقول المسلمين أيضا,ويبعثوا برسالتهم الخاصة معبرين عن رؤيتهم الضيقة فقط ،عن الإسلام والمسلمين ودورهم في الحياة.ولعل إحدى مآسي هذه الخسارة الكبيرة لهذا النجم السوري الساطع،تتجلى،إضافة لفقدان مواطن وإنسان بهذا الشكل المأساوي الفظيع،فهي خسارة لمنبر عالمي هام،وصوت مسموع، كان من الممكن من خلاله أن نوصل عشرات الرسائل "الحضارية" البيضاء إلى كافة الناس في مختلف أصقاع الأرض،في الوقت الذي يحاول فيه بعض قصار النظر أن يرسلوا الآن رسالة إلى خارج حدودهم بعدة أمتار فيفشلون على الدوام.وإذا صحت الأنباء عن فشل الراحل الكبير في إيجاد ممول لفيلمه الجديد صلاح الدين ،ذي الرؤية الجديدة أيضا،فسندرك عمق المأساة التي نعيش،وسنعرف من الذي ساهم أيضا في تكريس تلك الصورة النمطية السوداء،عندما تنفق المليارات على قنوات العهر ,وتبدد الثروات في المواخير والكازينوهات، وتكدس ،وتسفح بين أفخاذ الحسناوات،أو تهرب إلى بنوك العم سام لتأتيها بعد ذلك فرمانات العم بوش معلنة مصادرة ،وتجميد كل تلك الأموال السحت ،الحرام.
لم يكن العقاد من "الروافضة" ،ولا النصارى،أو اليهود، والمشركين الكفار،ولا من أي من الطوائف المغضوب عليها والتي يُحلل دمها،وعرضها،ومالها ،بل كان من المؤمنين بالله ,،وكان مسلما ملتزما ,ومن أسرة سورية حلبية محافظة،وأهداه المرحوم والده مصحفا ،وهو ييمم وجهه شطر العالم الجديد حاملا معه الهموم مثلما الأحلام،وظل ذلك المصحف مرافقا له حتى آخر لحظات حياته.وهذه رسالة أخرى يرسلها القتلة بأن لا أحد معصوم،أو مستثنى من يد الإجرام،وحين تتحرك نوازع الإجرام والقتل في نفوس الأشرار،وتتعطش للدماء،فلا يهم عند ذاك إن كانت "فريستها" من المسلمين أو الزنادقة "الكفار"، (حسب أدبياتهم).ولقد أثبت استهداف العقاد ،ونهايته المأساوية،شمولية المعركة التي يخوضها الإرهاب،وبلا هوادة،وحقدهم الأعمى، ضد الإنسانية جمعاء.
ويتضح من خلال ما تقدم أحادية خطابهم ،وتفرده ،ورفضه لكل الرسائل، وأن لديهم أجندتهم الخاصة،التي لا تعترف بأية أجندات أخرى، ولاتفرق بين مبدع خلاق، وعابر سبيل,وعامل فندق متعيش يعيل "دزينة" من الأطفال،أوعريس حاول أن يكمل نصف دينه مثل كل الناس. رسالة واضحة يرسلها القتلة لجميع الناس في الشرق والغرب،وللحكومات،وللمسلمين وغيرهم على السواء،ولكل عشاق الحياة أن لاتعايش مع هذا التيار ،وأن لا لغة لديهم سوى لغة الدم والموت والدمار ،وثقافة السيف وقطع الرقاب،وأن رسائلهم الدموية لا تفرق بين أحد من الناس ،ولا عصمة عندههم لجنس،أو عرق ،أو لون ،أو دين على الإطلاق. والسؤال هنا ،هل تتقاطع مصالح القتلة ،مع مصالح الأعداء والفجار في تصفية التميز والإبداع والإبقاء على حالة الأمية ،والجهل ،والضلال؟رسالة واضح مدى تناقضها مع الرسائل الأخرى التي يحاول المخلصون والشرفاء أن يوصلوها للرأي العام في كل مكان،ولكن مع وجود هذا النوع من الناس يبدو أن كل الخطوط ستكون مقطوعة,وكل الجهود ،والرسائل ستكون عبثية ،وبلا جدوى أو طائل ،وستذهب هباء.
القتل هو القتل ,والإجرام هوالإجرام ,واستباحة الدماء هي جريمة منكرة في كل الأعراف سواء ارتكبت باسم الثورة,أو العروبة,أو اليمين ,أو اليسار ,أو أي دين من الأديان,ولن يعفيها تلبسها للشعارات ولو كانت من سابع سماء,وستبقى مدانة دائما ,وأبدا عند كل الناس.
نحن إذن أمام رسالتين متناقضتين تحاول كل منهما أن توصل فكرة للناس.رسالة تحمل الحب للإنسانية يحملها أصحاب العقول النيرة والرواد من الناس ،وأخرى تحمل الموت والكراهية العمياء وتعرفون جيدا من يحملها.وما لم تتضافر كل الجهود الخيّرة،وتتكاتف الأيادي البيضاء,ويعم الوعي بين الناس وبمؤاورة الحكومات عبر سبل كثيرة,ستبقى رسائل الخير تلك ضعيفة، وذات مردود قليل على العامة من الناس،ولن نسمع عندها سوى أصوات المفرقعات ،والأحزمة الناسفات التي تسفك الدماء،وتنثر الأشلاء الآدمية في الهواء، كما في تلك الليلة العمّانية الشنعاء.
والرسالة الأهم من كل ذاك لماذا يجد المبدعون ,والعباقرة الأذكياء عند الغرب "الكافر" كل ذاك التأييد ،والتشجيع ،والنجاح ،ولِم تَمُتِ المواهب،وتخنتق الأصوات وتدفن العقول المعطاء في هذه الأصقاع؟ولم تتساقط العصافير المهاجرة ،واحدا بعد الآخر،هكذا بعيدا عن أعشاشها وفي حلوقها حرقة،وغصة ،لحلم موؤود ومستحيل بعناق التراب الطاهر بعد طول غياب؟والرسالة "الخالدة"الأخيرة، لم تبق هذه الأوطان المنكوبة ملاذا، ومرتعا تسرح، وتمرح فيه الوطاويط ,والقتلة ,والمافيات،وعشاق الظلام,ولا تستقبل أبناءها البررة،إلا جثثا هامدة صماء، مسجاة بالتوابيت، والأكفان؟
إنه موسم إرسال الرسائل،وفي كل الاتجاهات ،رسائل كثر موجودة هنا وهناك,ولكن,وبكل أسف، من يكلف نفسه عناء قراءة تلك المفردات؟