بغداديات .. ( هيّه بقت عالسقه)
بتوقيع : بهلول الكظماوي
bhlool2@hotmail.com
يحكى أن شاباً احبّ بنتاً من بنات محلته , و لكنه كان لا يعرف عن أخلاقها و تربيتها أي شيء يذكر , سوى انه اعجب بحسنها و جمالها فسلبته لبّه و طار بها صوابه و وقع في حبّها .
أرسل صاحبنا لطلب يدها , ولما كان ذو جاه و ثروة و حسب و نسب سهلت له عملية الخطبة ثم تمّ له الزواج .
بعد أيام من الزواج دخل على العروسين بيت عم الفتاة العروس ليباركوا لهم زواجهم الميمون , وإذا بالزوج يجد زوجته تأتي لاستقبال ضيوفها سافرة بدون أن ترتدي الحجاب و لا تكترث لوجود ابن عمها التي يجب أن تتحجّب أمامه.
و بعد خروجهم سألها زوجها عن السر في عدم ارتدائها الحجاب , فأجابته : بأنهم ( هي و ابن عمها ) كانوا قد نشئوا سوية في بيت واحد منذ الصغر و حتى كبروا و بالتالي فهي لا تفرقه عن أخيها .
وبعد أيام أتت لهم عائلة ثانية لتبارك لهم زواجهم , و كانوا هذه المرّة ( بيت خالتها ) و حصل مع ابن خالتها أنها لم ترتدي منه الحجاب أيضا , وبعد خروج الزوار تذرعت لزوجها بنفس السبب و أنها ربت و نشأت معه وهو أيضا بحكم أخيها .
و بعد ذلك بيومين أتت عائلة كانت مجاورة لبيت أهلها للمباركة , وكان أبناء هذه العائلة الشباب الذكور قد أتوا مع بقية عائلتهم , و حدث من الزوجة العروس أن تصرفت بنفس التصرف و تعذرت بنفس الأعذار لعدم لبسها الحجاب منهم .
و تمر الأيام , وإذا بيوم يأتي ليطرق الباب ( سقّه المحلة ) السقاء الذي يجلب الماء من النهر ليملئ ( الحب ) الزير بالماء الذي يجلبه لهم من النهر حيث لم تكن أنابيب إسالة الماء قد دخلت البيوت آنذاك , وكان هذا السقاء شيخاً طاعناً بالسن يخدم في تلك المنطقة منذ سنين طويلة و منذ أن كانت هذه البنت العروس صغيرة تلعب بالطرقات .
و لكنها بدلاً من أن تدخله مباشرة إلى البيت , أمرته أن يتوقف و ينتظر بالباب حتّى تذهب و ترتدي عباءتها و تتحجب .
فعندها غضب زوجها و صرخ بها قائلاً ( هيّه بقت عالسقّه ) أي هل توقف حجابك على هذا السقاء العجوز ؟ و ألان عزيزي القارئ الكريم :
الكثير منا من يستصغر صغائر الأمور و يتساهل بها , وشيئاً فشيئاً تتحول هذه الصغائر إلى اكبر الكبائرالتي يستعصي حلها !
عزيزي القارئ:
لا يزال مثلاً مرادفاً لقصتنا ( السقة ) كان يردده صديق للمرحوم والدي, لا يزال صداه يرنّ في اذني مفاده : ( الفقير كاعد بباب جهنم ) و ترجمته إن الذي لا يستدرك تقاعسه و تبطره على النعمة التي تسبب بزوالها , مثلاً حينما تفوته تجارة نتيجة تقاعسه فيقول مبرراً : فلتذهب إلى ( جهنم ) الجحيم , أو يفوته الربح نتيجة سوء تصرفه فيقول : إلى جهنم و بئس المصير ,فيبرر لكل سوء تدبير يصدر منه بقوله إلى جهنم ... إلى جهنم فيفتقر إلى الحكمة والكياسة وحسن التصرف و يطلق عليه تعييراً له ( انه قاعد في باب جهنم ) .
و نحن في موقفنا اليوم يتوجب علينا أن لا نتهاون تحت ذريعة الحرية الفكرية أو الديمقراطية أو حرية التعبير عن الرأي و الانفتاح على الآخرين ( وان كان هؤلاء الآخرين بعثييين أو إرهابيين تكفيريين تلطخت أيديهم بدماء الشعب العراقي ) فسيكون حتماً مصيرنا كمثل الفقير القاعد على باب جهنم .
وياترى هل استغلال دعوات المصالحة و الوفاق التي تطلقها الجامعة العربية و التي تلقى تجاوباً من قوات الاحتلال الانكلوامريكي و واجهته المتمثلة بالأمم المتحدة هل المراد منها المساوات بين الجلاد و الضحية ؟ و إذا كانت فعلاً لمصلحة الشعب العراقي , فأين تكمن هذه المصلحة عندما يدعى إليها من يمثل فصائل القتلة التي تسمى زوراً و بهتاناً مقاومة للاحتلال في حين إنها تغازل الاحتلال و تتفاوض معه على المشاركة بالحكم التي خسرته بالأمس القريب ؟ أي مقاومة هذه التي تفجر المؤسسات الحيوية و تهدم البنا التحتية للبلد و ترسل مفخخاتها الى المطاعم و المقاهي الشعبية و تقتل الأبرياء من النساء و الأطفال الذين لا دخل لهم لا بالسياسة و لا بدوائر الحكم و الدولة ٍ؟ انهم يستهدفون الأسواق الشعبية والمارة من الناس الآمنين , فأي مصالحة مع الفصائل السبعة لما يسمى بالمقاومة و التي يدعي وزير الكهرباء السابق بأنه يمثلها ؟ وزير الكهرباء هذا هو الذي اجهز على ما تبقى من اجهزة توليد الطاقة الكهربائية التي سلمت من تخريب حزب البعث العفن و من قصف قوات الاحتلال و سرق ميزانية اعادة اعمارها بمشاريع وهمية لا وجود لها و حرم العراقيين الذين لا يزالون يعانون من انقطاع الطاقة الكهربائية لحد ألآن !
فيا ترى هل بقيت هي ( المصالحة ) متوقفة على صدام حسين كما بقيت متوقفة على السقة صاحب حكايتنا البغدادية أعلاه ؟ الأسماء التي أوردتها الأنباء تفيد بان ممثلي قتلة شعبنا العراقي مدعوون بأسمائهم لحضور مؤتمر المصالحة, فما المانع أن يحضره صدام حسين شخصياً و هو الذي لا يزال مدللاً يقبع في أرقى إقامة و يتنعم بالرفاهية عند أسياده الانكلو امريكان و لكن تحت تسمية معتقل تماماً مثل ما يسمى قتل الناس الأبرياء مقاومة ؟ أليس من الأجدر أن يحضر سيدهم بدل أن يمثله أذنابه ؟ و دمتم لأخيكم : بهلول الكظماوي امستردام في 15-11-2005.