عروبيون يفسرون العلاقة البراغماتية الامريكية ـ الكوردية!

نزار جاف

nezarjaff@gmail.com

 

حين وصل الدوق ولنجتون في اللحظات الحاسمة الى ساحة معركة واترلو التي كانت تشهد تفوقا لصالح نابليون بونابرت، فقد غير مجرى التأريخ تماما في ذلك المقطع المهم من تأريخ القارة العجوز، وبعد أن هزم نابليون و تم تطبيق مبدأ وزير خارجية الامبراطورية النمساوية مترنيخ"إرجاع القديم الى قدمه"، فإن تلك السياسة وإن تفوقت على العقلية العسكريتارية لنابليون لكنها لم تستطع الصمود أمام المبادئ التي بشرت بها الثورة الفرنسية ولذلك فإن مبادئ الثورة لم تبتلع سياسة مترنيخ على صعيد فرنسا لوحدها وإنما على صعيد القارة الاوربية برمتها. والذي يجب الإنتباه إليه هنا هو أن قوة تلك المبادئ كانت متواجدة على الارض ولم تكن في الكتب التي فوق الرفوف و لا في الرؤوس التي تبعث بها الخمرة في زوايا الحانات، ومن هنا كان سر إنتصارها على سياسة مترنيخ، وهو أيضا نفس السبب الحقيقي لهزيمة الامبراطور الفرنسي المغرور الذي حاول السباحة ضد تيار التأريخ فغرق في الشطآن الضحلة لواترلو وكان سيغرق قطعا حتى لو إنتصر في تلك المعركة ذلك إن سنن و نواميس التغيير في التأريخ عندما تكتمل شروطها فهي تجتاح البلدان كإجتياح تسونامي أو أشد. إن تناول البعض من الكتاب العرب لمسألة العلاقة الكوردية بأمريكا ومحاولة وضعها في أطر محددة تتماشى مع رؤى غير واقعية تجنح الى الخيالية و الإنفعالية هو أشبه بسعي مترنيخ لوقف الحركة التغييرية لعجلة التأريخ بإتجاه معاكس. والذي يدعو للتعجب و حتى السخرية أن هؤلاء النفر المعروفين بحسهم العرقي و الطائفي يحاولون البناء على زيارة خاطفة للسيدة كونداليزارايس للعراق والتي نزلت الطائرة التي تنقلها في مطار الموصل وليس أربيل، وإنها إجتمعت بالعرب ولم تجتمع بالكورد وهاتان الدلالتان"بحد زعم هؤلاء"كافية للتبشير بإنعطافة في السياسة الامريكية نحو إتجاه مضاد للكورد! إنها حقا قراءة في منتهى السذاجة لما يجري، وهو أشبه بالنظر الى النصف الفارغة من الكأس فقط. السيدة رايس التي إستقبلت في "دارها" بالولايات المتحدة الامريكية القادة الكورد و تباحثت معهم في أدق التفاصيل، وعليه لم تكن في حاجة للإجتماع بالكورد في الموصل ناهيك عن أنه ليست هنالك أية نقاط إختلاف بين الجانبين كي يتباحثا بشأنها كما هو الحال مع العرب السنة الذي يحاول هؤلاء النفر جعلهم قميص عثمان في حربهم على الكورد و الشيعة على حد سواء. كما أن تقرير مصير علاقة أستراتيجية للشعب الكوردي بأمريكا من خلال تغيير مطار الهبوط يبين بحق بؤس تلك العقليات و إفتقارها لفهم واضح ودقيق لمسار الخطوط السياسية في العراق. إن واشنطن حين دعمت الكورد و منحتهم تلك الحماية، فذلك الامر يعود الى حقيقة مهمة على الارض وهي أن الشعب الكوردي برمته ينظر للأمريكان كفاتحين وهم كذلك حقا وأن الجندي الامريكي في المدن الكوردية بشهادة الاعلام الامريكي الذي هو أفضل الشهادات و أكثرها مصداقية، يشعر كأنه في بلده. وشعب يحمل مثل هذه الاحاسيس تجاه الامريكان، هو الذي دعى بالرئيس بوش لإستقبال كل من الزعيمين الكورديين الطالباني و البارزاني بتلك الحفاوة التي لفتت أنظار المراقبين ولم تلفت أنظار هؤلاء النفر الذين يبدو أنهم يراقبون أدق التفاصيل و يتغافلون أو حتى يتغابون عن أكبرها وأهمها. هؤلاء يتناسون أن الامريكان الذين لم يأبهوا لحليفتهم تركيا حين سمحوا بدخول القوات الكوردية المحررة لقلب و قدس كوردستان مدينة كركوك ودكت فيها أوكار البعث البائد، كما أنهم يتناسون الضوء الامريكي الاخضر الذي أضئ للكورد المرحلين عن كركوك وسمح بعودتهم في فترة قريبة جدا من إنتخابات مهمة ولماذا لا يقرأون الحقائق التي تحشر نفسها خلف تلك الحركتين الامريكيتين اللتين أطارتا عقل الساسة الترك وأصابتهم بالدوار . السياسة الاصوب و الاكثر نجاحا هي التي تعتمد على أسس واقعية على الارض لا تلك التي تضرب أوتادها في المخيلات القلقة و المنفعلة، وإن التركيز على الكورد و الشيعة في الآونة الاخيرة ومحاولة رسم فواصل و حواجز وهمية بينهم و بين واشنطن، هو عبث لاطائل من ورائه سوى تسطير تلك التعابير الخاوية و الجوفاء سياسيا، ذلك أن هذين التيارين"الكورد و الشيعة"موجودان على الارض و يشكلان حجر الزاوية في السياسة الامريكية بالعراق. أنا في الواقع في حيرة من هؤلاء النفر الذين يخلطون بين كتابة الإنشاء و بين كتابة التحليل السياسي، فهم ينظرون في مقطع معزول عن الحركة العامة و يتصورون إستنباط بضعة إستنتاجات معظمها إفتراضية بمثابة بديهيات لاتقبل النقاش. هؤلاء الذين يتصورون أن هناك تراجعا للكورد، أقول لهم بالامس القريب حين زار الرئيس مسعود البارزاني ألمانيا، كان في الفترة نفسها قد حاول السيد رجب طيب أردوغان الحصول على موعد زيارة مع مستشارة ألمانيا الجديدة، إلا أن برلين ليست لم توافق فقط على تلك الزيارة وإنما أرفقتها بإستقبال خاص و حار للبارزاني من قبل السيدة أنجيلا، كما أن نظرة أخرى على ذلك الاستقبال الحافل للرئيس النمساوي للبارزاني ترسم في ثناياها تنامي الدور الكوردي على الساحة الدولية برمتها وليست في واشنطن فقط، وهذا الامر هو بالطبع بمباركة من واشنطن نفسها خصوصا وأن حليف تركيا القوي في ألمانيا السيد غيرهارد شرويدر قد أخلى الساحة لخصومه الذين يؤيدون السياسة الامريكية في المنطقة. ومجمل القول أن العلاقة الكوردية ـ الامريكية تعتمد على ثوابت واضحة و هي تشهد مرحلة تداخل و تشابك في المصالح تظهر تجلياتها  و تداعيتها على الساحة السياسية في العراق و المنطقة و العالم، إنه عصر المبادئ البراغماتية أيها السادة وليس عصر الحماس و التصفيق و الإنفعال الذي جنى على معظم شعوب المنطقة قبل أن يجني على حكامها.

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com