|
ماذا بعد تفجيرات عمان الإرهابية حمزة الجواهري استكمالا لما طرحناه في المقالة السابقة بعنوان "الأسباب الحقيقية لتفجيرات عمان"، لابد من طرح حقيقة الحالة العربية تحديدا بما يتعلق بالإرهاب بعد هذه التفجيرات. لقد انطلقت صفارات الإنذار في التاسع من تشرين الثاني الجاري مدوية في عمان أولا ومن ثم باقي العواصم العربية والإسلامية بعد أن كانت قد أطلقت في شرم الشيخ قبل بضعة أشهر فقط من هذا التاريخ، انطلقت لتعلن أن الآتي من الأيام سيكون عصيبا ومخيفا على من دفع بالإرهابيين إلى العراق وشجعهم ومولهم وسخر لهم أجهزته الإعلامية وعلاقاته الدبلوماسية ونفوذه السياسي والاقتصادي لكي يعملوا في العراق من أجل إجهاض العملية السياسية بإقامة نظام ديمقراطي تعددي فدرالي، ومازالوا يفعلون الشيء نفسه، ولم يدركوا خطورة ما أقدموا عليه ولا عواقبه الوخيمة عليهم وعلى شعوبهم التي هي الأخرى وقعت ضحية لهم مرتين، مرة لأنهم ظللوها بشتى الوسائل لكي تكون بصفهم في هذا الجهد الجماعي الباغي على الأبرياء من شعب العراق والأطفال منهم بالخصوص، ومرة أخرى لأن هذه الشعوب ستكون المستهدف من الأعمال الإرهابية في المستقبل القريب. فإذا كان العراق بلدا من أكثر البلدان في المنطقة العربية والإسلامية حصانة من دخول التكفيرية السلفية له، فإن بلدانهم هشة وحاضنة خصبة للإرهاب السلفي التكفيري بكل أنواعه، لكنهم فعلا تمكنوا من خلق حالة الفوضى وعدم الاستقرار الأمني منذ سقوط النظام البعثي الدموي البغيض ولحد الآن. برأي المتواضع أن العراق ليس الأرض الصالحة لاستمرار أعمال الإرهاب السلفي التكفيري، وذلك لأن الشعب من حيث تكوينه يرفض هذه الجماعات رفضا قاطعا، فلو رجعنا للخارطة الديموغرافية في العراق نجد أن المسلمين الشيعة يمثلون الغالبية العظمى للسكان، وهم يمثلون ما يزيد على الستين بالماءة من العراقيين، سواء كانوا علمانيين أو متدينين، مسيسين أم مستقلين، هؤلاء جميعهم كفار بنظر الجهادية السلفية التكفيرية، وهم اليوم وقودا لأعمالها الإرهابية التي ألهبت الشيعة وشوت أجسادهم بنيران سياراتها المفخخة وأحزمتها الناسفة. هذه الفئة من العراقيين، أي الشيعة، لا يمكن أن تكون يوما ما سلفية تكفيرية بأي حال من الأحوال. كما وإن الكورد والتركمان وهم من أهم الأطياف العراقية بعد العرب المسلمين الشيعة، أيضا لديهم شيعة، ومعظم أبناء هذين المكونين من العلمانيين ولهم أحزاب علمانية قوية ومؤثرة في الساحة إلى حد بعيد. هذين المكونين وجميع المسيحيين وباقي الطوائف والأديان العراقية الكثيرة أيضا، أبعد ما يكونوا عن السلفيين التكفيريين ومن ألد أعدائهم، فمن بقي من العراقيين غير أبناء المنطقة الغربية من العراق؟ وحتى أبناء هذه المنطقة معظمهم رهائن بأيدي السلفيين، ديارهم ملاذا آمنا لهم بقوة السلاح، وأجسادهم دروعا بشرية عندما يواجهون خطر الموت، فهم إذا من أكثر الناس تضررا، وبالتالي كرها وحقدا على الجهادية السلفية التي فرضها عليهم أشياخ هيئة العلماء، وفلول البعث المهزوم، ومهربي خيرات العراق من شيوخ العشائر هناك، وأموال تدفقت عليهم من كل حدب وصوب، وإعلام عربي، مجرم وخبيث، قد سوغ لهم الجريمة وصورها على أنها فعل من الإيمان بالله وتقربا له، فإن أبناء هذه المنطقة من العراق هم شعب مغلوب على أمرهم ويعدون الساعات والأيام بفارغ الصبر لليوم الذي يتخلصون به من هذه التنظيمات الجهنمية الشيطانية التي انتشرت عندهم كما البلاء الذي لا دواء له، وإذا سمعنا أحدا يتعاطف معهم ويمجد أعمالهم على إحدى الفضائيات العربية، فهي الخشية من بطشهم الذي لا يرحم أحدا، وغيهم الذي تجاوز حدود المعقول واللا معقول. على هذا الأساس نستطيع القول أن العراق لا يمكن أن يعد الحاضنة النموذجية للسلفية الجهادية بأي حال من الأحوال، لأن أكثر من تسعة أعشار الشعب أعاء ألداء للسلفيين التكقيريين، وسرعان ما سيعود العراق إلى طبيعته بعد أن يخرج الأغراب عنه، وهذا اليوم قريب بلا ريب، لأن العراق بالنسبة لهم هو أرض الهجرة التي بعدها يعودون إلى مكة من جديد في عملية استحضار للماضي البعيد يوم نشأة دولة الخلافة الأولى للإسلام. وهذا يعني أنهم عائدون من حيث أتوا ليباشروا عملهم هناك بعد أن تهيأت الظروف الموضوعية لذلك، وهذا ما سنأتي على ذكره. اليوم، وبعد أن سارت العملية السياسية في العراق بثبات وحققت حسب أجندتها كل المستلزمات الضرورية لبناء العراق الديمقراطي، وانخراط البعث، الغير صدامي!! كما يقال، في العملية السياسة وانخراط معظم شيوخ العشائر الذين يوفرون الملاذ الآمن للإرهابيين مع باقي أبناء العراق في عمليتهم، ومع استمرار العمليات العسكرية على أوكار الإرهابيين وضربهم بمنتهى القسوة، وبعد أن أصبحت مساهمة العرب، دولا وجامعة، في العملية السياسية العراقية وعملية القضاء على الإرهاب واضحة، أصبح من الضروري أن يكون القصاص كرد فعل طبيعي من السلفيين الجهاديين على العرب، فبدأ الانتقام في شرم الشيخ، وبالأمس في عمان، وغدا في أكثر من ركن من أركان البلدان العربية، إذ لابد لهم من العودة لمكة كما أسلفنا، فقد آن الأوان للهجرة المعاكسة بالنسبة لهم. الإسلام السياسي لم يضيع الفرصة التي ما كان يتمناها أبدا، وهي أن البلدان العربية وإعلامها يقفون بصفهم، فتسارعت وتائر التنظيم في جميع البلدان العربية لتكون لهم هناك تنظيمات واسعة جدا، وفي أحدث عملية استطلاع للرأي جرت أخيرا، لهم حاليا في الأردن55%من الشعب يتعاطفون مع هذه المنظمات السلفية التكفيرية، ومثلها في أي بلد عربي آخر أو أكثر. الإعلام العربي الذي كان ومازال في صف المنظمات الإرهابية، حيث كان له الأثر الأكبر في التسويق لهذه الفئة الشاذة من البشر، وهو الذي بشر لها وسوغ أعمالها. لهذه المنظمات التكفيرية شركاء موجودين أصلا ضمن نسيجها السياسي والاجتماعي، حيث جميع منظمات الإسلام السياسي تتعاطف معهم بشكل أو بآخر، حتى تلك المنظمات اليسارية الغبية قد وجدت لها في الإرهاب السلفي التكفيري ما يروي غليلها من الإمبريالية الأمريكية! اتسعت مساحة التنظيمات السلفية في الأردن وباقي الدول العربية التي لا تختلف عن بعضها البعض في هذا المجال، حتى أصبح من الصعب أن تجد مدينة، أو حتى زاوية من زوايا مدنهم، تخلوا من هذه التنظيمات، حيث تطور عملهم خلال السنوات الثلاثة الأخيرة إلى حد إننا نجد بعض المدن قد أصبحت مغلقة بالكامل لهم، وليس أدل على ذلك أكثر من لجوء الإرهابية العراقية إلى مدينة السلط واختبائها هناك قبل أن تمسك بها السلطات الأردنية. إذا كان الذين فجروا الفنادق في عمان من العراقيين، فزعيمهم ابو مصعب الزرقاوي أردنيا، ومازال يجد لنفسه المبررات الكافية ليفجر العراقيين الأبرياء، فلن يكون بمنأى منه أي إنسان آخر في أي بلد عربي أو مسلم، لأن الجميع بنظر السلفيين كفار. أساليبهم خبيثة وتعلموا الكثير من تجربة العراق، فهم يختبئوا خلف الأبرياء كدروع بشرية لهم، ويتخذوا من بيوت الضحايا ملاذا آمنا، وهم أيضا الرعية لإمارتهم أينما كانت سواء كانت الإمارة حقيقية أم وهمية. الإمارة لديهم هي وجود الأمير أولا، وعلى الجميع أن يطيع، وهم لا يحتاجون إلى انتخابات، ولا إلى نظام، ولا إلى شرعية، بل هم من يمنح الشرعية باعتقادهم، والانتخابات من المحرمات ولا يقرها إسلامهم، ونظامهم قائم منذ زمن بعيد، أي بمجرد استحضار الماضي لأيام الإسلام الأولى يعود كل شيء على ما يرام. مدارسهم جميع الجوامع، وإذا أغلقت بوجوههم، فالبيوت والشوارع وأي زاوية أينما وجدت هي المدرسة، وكل ما يحتاجون له من أدوات هو مجموعة من الأحاديث التي لا أسانيد لها، النقل كدليل كاف جدا، ولا مكان للعقل في فقه السلفيين، وهو الذي يقود إلى الضلالة، فهو إذا أداة غير مرغوب بها، أما اللحية والثياب القصيرة هي الرمز الذي لا يخطئ بتشخيصه أحد، وهو الرداء الذي لو لبسه أحد، أول شيء يفقده هو العقل ويتحول إلى آلة للدمار. ربما يكون رجال الأمن في الكثير من البلدان العربية من ضمن النصف المتعاطف معهم، وهنا الطامة الكبرى التي لا تستطيع الأنظمة مواجهتها بأي حال من الأحوال. كل الملوك والرؤساء بنظرهم كفار، وكل من يعمل لصالح نظامه من موظفي الدولة الكافرة هو مجرم وكافر وزنديق ويحق عليه القتل ما لم يتعاون معهم. إذا كان تعقيد الآلة العسكرية في الجيوش الحديثة يهدف من حيث الأساس الفتك بالعدو وبذات الوقت توفير أقصى قدر ممكن من الحماية للمحارب، فإن جيشهم ليس بحاجة إلى الآلة العسكرية المعقدة، هم لا يحتاجون إلى دبابات، ولا آلات عسكرية متطورة، أدواتهم بسيطة لكنها فعالة، فالموت لديهم هو الغاية والمبتغى، لأنه يعني الشهادة، وفي النهاية جمع من حور العين، بلا شك، سوف يحتفين بالقادم الجديد إلى عالم الخلود. هكذا نجد أن لديهم الآن إمارات جاهزة في الكثير من المدن العربية، التي أصبح البعض منها مغلقة لتنظيماتهم، وسوف تعلن هذه الإمارات في ساعة الصفر التي يحددوها، وهي التي سوف توفر لهم الغطاء الكافي للتوسع بأي اتجاه. العراق إذا سيكون يوما ما في القريب العاجل خاليا ونظيفا من هذه التنظيمات الكافرة، لكن البلدان العربية والإسلامية سوف لن تكون كما العراق أبدا وهي التي ستكون المتضرر والخاسر الأكبر منهم. إن أحداث عمان جاءت بمثابة الصدمة للعرب الغافلين عما يجري بتشجيع منهم، لذا كان الخطاب الأردني مرتبكا متناقضا هزيلا من شدة الصدمة، منهم من راح يتشفى بالضحايا كما فعلت توجان الفيصل، أما الأمير حسن فقد نسي اللغة والبيان الذي تعلمه كأمير كان يفترض أن يكون ملكا، ولأن الأمير يعرف الحقيقة كاملة كما نعرفها، لذا لم يجد العبارات المناسبة لوصف الحالة، لأن كل ما يريد أن يقول يتناقض مع الحقيقة التي هو الأكثر حرصا على نقلها للناس، حتى أن عباراته أصبحت مبهمة فارغة من أي معنى خلال مقابلة له مع فضائية الجزيرة، والبعض الآخر راح يكيل اللوم على الحكومة العراقية ويطالبها أن تضبط حدودها مع الأردن! وكأن الإرهابي أبو مصعب الزرقاوي ليس أردنيا! وليس هو المسئول الأول عن التنظيم الذي ضرب في عمان! أما أغرب خطاب سمعته عن وصف الحالة الأردنية بعد التفجيرات، هو استغراب ودهشة عبد الباري عطوان، فهو لم يكن يتوقع من القاعدة أن تضرب في عمان، وكأن هناك فرقا بين عمان وبغداد أو شرم الشيخ أو أي مكان في السعودية! ومن يستمع لعبد الباري عطوان يتلمس من خطابه أن الطفل العراقي هو العدو الأكبر للأمة العربية! وهو الذي تسبب بالنكسة للأمة العربية! وهو، أي الطفل العراقي، كان السبب بضياع فلسطين! وهو فقط من يستحق التفجير بالأحزمة الناسفة أو السيارات المفخخة! ولم يكن خطاب باقي العرب في وصف الحالة أقل غباء وهشاشة وارتباكا من خطاب الأردنيين. الجميع وجدوا بهذه الأعمال وصفا واحدا على أنها إرهابية، لكنها بقيت، وهي نفس الأعمال، في العراق تعتبر مقاومة! وهذه الازدواجية المخجلة مازالت تتكرر على ألسنة الجميع لحد الآن! ألا يرى العرب معي أن عليهم أن يفكروا بعقولهم قبل ينزل البلاء بهم؟ مع أن الأمر لا يحتاج إلى كثير من التفكير أو الكثير من الذكاء!
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |