من أجل وعي انتخابي (5).. الفساد الاداري والمالي

باسم السعيدي / بغداد

Basim_alsaeedi@yahoo.com

 

من الغريب ما نلاحظه من أن أحداً من الساسة أو الناشطين ترك موضوعة الفساد الاداري والمالي الا بعد أن ينال قسطه الوافر من التشهير والتطبيل والتعنيف للوزراء أو المسؤولين أو الموظفين الكبار وحتى الصغار، ومن الغريب أيضاً أن نعلم أن كلامهم صحيح ليس 100% لكنه صحيح بنسبة عالية، ومن الغريب أن نرى أن الوزراء والموظفين الكبار في الحكومتين السابقة والحالية يدينون هذا الفساد، ويعلنون الحرب عليه، الا أن الحقيقة تكمن في أن الفساد الذي يستشري لم يوقفه أحد ولم يحاربه أحد، ولم ينحدر مستواه على خارطة الأداء الحكومي أبداً.

في الحقيقة ان خطورة الأمر أكبر مما تبدو عليه، لأن الفساد الاداري والمالي صار له تاريخ، وأصبحت تنظمه أعراف، وأمست تلك الأعراف حقيقة لا يمكن محاربتها من داخل منظومة الساسة نفسها، اللهم الا من الأحزاب ضعيفة الشأن والبعيدة عن المحاصصات وتقاسم الأدوار، وهذه الأحزاب أو المنظمات الصغيرة لا تتمتع بالقدر الكافي من الشعبية لكي تحارب هذه الملفة الشائكة.

 أزعم جازماً أن هنالك ارتباط وثيق بين ملفة الفساد وبين عدم وجود قانون ينظم عمل الأحزاب السياسية، فمن المعلوم أن أي من تلك الأحزاب ليس لديه مصادر تمويل معروفة، والتمويل هو عصب الحياة لكل حزب لكي يقوم بدوره السياسي والاجتماعي.

وهنالك اليوم ثلاثة أنواع من التمويل تعتمد عليها تلك الأحزاب :-

1- التمويل من قبل الحكومة، ولا يرقى هذا التمويل الى مستوى المتطلبات الأساسية الحقيقة للعمل الحزبي، فالحكومة تتولى منح الحزب المتشكل حديثاً مبلغ خمسة آلاف دولار أمريكي، لغرض فتح المكتب المركزي وتأثيثه وتوفير الحماية له، ثم بعد أن يحرز تقدما الى مستوى ما تمنحه الحكومة خمسة آلاف دولار أخرى وهكذا، والعملية بطيئة وشائكة ولا تستطيع تلبية المتطلبات الدنيا لذلك الحزب، فالحزب الذي يعتمد هذا النوع من التمويل يبقى ضعيفاً لا يملك امكانات الاتصال بالجماهير وتحشيدها لدعم رأيه لان الناس بالكاد تكون قد سمعت باسمه فلا تعرف شيئاً عن برامجه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وحظوظه في استقطاب كوادر كفوءة تقوم بتقييم وتقويم منحاه السياسي أضعف مما يجب.

2- التمويل الخارجي، أي بالاعتماد على دولة أجنبية، بمعنى أن لا مصدر دخل لتلك الأحزاب الا من دول لديها مصالح في داخل العراق وتقوم بتمويل الأحزاب التي توافق رؤاها رؤى ومصالح تلك الدول، وهذا النوع من التمويل محرم في أي تقنين للعمل السياسي ويعد ربما جريمة سياسية، وللأمانة التاريخية نذكر هذه الحادثة، منحت الحكومة الأمريكية منحة الى أفراد الجمعية الوطنية قيمتها خمسون ألف دولار للعضو الواحد، فأمر السيد السيستاني مؤيديه وأدعياء تأييد خط المرجعية برفض تسلم هذه المنحة، لانها تخل بالواجب الوطني وهو النزاهة في كتابة الدستور وأداء الجمعية الوطني، فرفض تسلم المنحة خمسة عشر شخصاً فقط من أصل 275 عضواً، ومن أصل 141 عضواً للجمعية من قائمة الائتلاف العراقي الموحد.

3- التمويل من الأبواب الخلفية، وهو ما نصطلح عليه باسم (الفساد الاداري والمالي المبرمج) وكلمة المبرمج هنا لكي تميزه عن الفساد لغرض الاستفادة الشخصية الذي يتم عادة مصحوباً بالخوف والحذر من الوقوع تحت طائلة القانون، ما يهمنا هنا هو الصنف الأول المبرمج كونه صار عرفاً، هذا التمويل أصبح بديلاً للتمويل للأحزاب العراقية التي كانت في صفوف المعارضة معتمدة على التمويل الخارجي، فبعد أن فقدت تلك الأحزاب تمويلها أصبحت على المحك مع قواعدها الجماهيرية التي تتطلع الى المزيد من العمل الدؤوب لمواجهة التحديات، والذي فتح الباب على مصراعيه هو السفير بريمر حين دفع منحاً الى جميع الأحزاب التي يتشكل منها مجلس الحكم والشخصيات المرموقة من خلال دفع كوبونات نفط لها تقدر قيمة كل كوبون بخمسة ملايين دولار، كما أنه منح تلك الأحزاب والشخصيات منح عينية (خمسة آلاف طن من حديد التسليح لكل حزب أو شخصية )، والذي أضافه أخيراً الى تلك القائمة هو اعتماد الشركات الأمريكية الكبرى الفائزة بعقود برامج الاعمار على المنحة الأمريكية اعتمادها على الأحزاب والشخصيات العراقية في توفير بعض المواد الأولية وتهيئة الشركات العراقية التي تقوم بأعمال التنفيذ داخل البلد، وبذلك كان للساسة دور الوسيط في تنفيذ تلك العقود لغرض تمويل أحزابهم التي بدأت تنضب مصادر تمويلها، وهذا الفساد (التمويل من الأبواب الخلفية) هو الخطر الحقيقي الداهم الذي يحيط بالاقتصاد العراقي، كونه يضع الأحزاب في موقف (الطفيلي) الذي يعيش على عاتق الميزانية الحكومية، وكون الحد الفاصل فيه بين الفساد كتمويل وبينه كسرقة شخصية لغرض الاثراء هذا الحد الفاصل ذائب ومائع ولا يمكن تشخيصه مما يفتح الباب على مصراعيه لملفة الفساد، وهنالك شواهد تدل على خطورة الوضع منها ما اطلعت عليه شخصياً ( هنالك صفقة لتوريد عربات مصفحة من أوكرانيا، منحت الصفقة الى تاجر وصناعي عراقي ينتمي الى أحد الأحزاب في جنوب العراق، قيمة العقد 160 مليون دولار، بينما توريد المواد يتكلف 80 مليون دولار، واعتبر الحزب أن البقية من قيمة العقد 80 مليون دولار هي تمويل للحزب ).

 وهنالك تعرفة جديدة أضيفت على العقود الممنوحة للمقاولين لمصلحة الأحزاب، فقد اطلعت على عمل احدى الشركات التي فازت بعقد نصب الشبكة الكهربائية في منطقة الكمالية ببغداد، وعند موقع التنفيذ حضرت مجموعة مسلحة (أعضاء جيش المهدي) وحذروا ممثل الشركة من بدء العمل بسبب أعمال التخريب، ونصحوه بتكليف (جيش المهدي) حماية أعمال الشركة مقابل نسبة مئوية من العقد، حين امتنع الرجل أوقف العمل خوفاً من تنفيذ هذا (التخريب) معلوم الجهة، وأبلغ الوزارة التي منحته العقد فوقفت الوزارة مكتوفة الأيدي أمام هذه الجهة.

يوجد في أحدى مناطق بغداد من يطرق أبواب التجار بقوله (السيد يسلم عليك) ومعناها لدى التجار (التبرع بمبلغ عشرة ملايين دينار).

فاز أحد الاخوة المقاولين بعقد تبليط شوارع إحدى ضواحي مدينة العمارة (المجر) وفاز مقاول آخر بتبليط شارع موازٍ له، وحين جاء موعد التنفيذ حضر أحد قادة جيش المهدي لكلا الطرفين، فمنح صاحبي 50% من الأرباح الى سرايا جيش المهدي وأنجز العمل، بينما رفض الآخر هذه الطريقة في التعامل، وما زال العمل متعثراً لديه والله وحده يعلم هل أتمه أم لا، وعلى أية حال هذا ما وقع تحت ناظري ومسمعي، وما خفي كان أعظم.

 ما يهمنا من هذه الحقائق هو تقييم فعالية القوائم حيال الانتخابات القادمة، وللانصاف أقول أن الشخص الوحيد والحزب الفريد الذي تكلم صراحة بهذه الموضوعة هو السيد مثال الآلوسي، والذي دعا في أكثر من مناسبة الى مسائلة الأحزاب عن مصادر تمويلها كونه الحلقة الأخطر في ملفة الفساد الاداري والمالي، وهو المشرعن لها في هذا الملف.

أما ما يتحدث عنه الاخوة من شعارات فضفاضة في معالجة ملفة الفساد فكلها هواء في شبك، لان تنفيذ القانون معلق حالياً بسبب :-

1- الشرطة التي هي المعنية بكشف شبكات الفساد يتم التعيين بين صفوفها مقابل مبلغ (خمسمئة دولار) لتعيين الفرد الواحد، وأما التعيين في أفواج وألوية مغاوير الداخلية وصل سعر التعيين الى 1600 دولار لتعيين الفرد الواحد.

2- الجهة الثانية المكلفة بمراقبة ملف الفساد هي (هيئة النزاهة) والتعيين في دائرة هذه الهيئة يتكلف خمسمئة دولار والأرقام في تزايد.

3- الجهة الثالثة وهي دوائر الادعاء العام، وهذه الدوائرة نائمة وفي حالة سبات (شتوي قطبي) بسبب التهديدات الارهابية التي تطال كل ناشط فيها، فاستفادت الأحزاب من الأداء (الكفوء) لهذه الدوائر أيما استفادة.

4- البرلمان أو الجمعية الوطنية السابقة، وهذه الجمعية تتألف من الأحزاب نفسها، وتخضع في مصادر تمويلها وبرامج عملها الى نفس أجندة الأحزاب، وبالتالي فهي كفوءة في كشف الشخصيات والأفراد وخاملة ومتعمدة الخمول في ما يتعلق بأحزابها.

 كانت هذه النبذة لتوضيح الواقع المرير للقوائم الانتخابية الكبرى فيما يتعلق بموضوعة الفساد الاداري، وعلى الناخب العراقي أن يتعامل بتوخي الحذر قبل الادلاء بصوته الى أحد من تلك القوائم ما لم يستجد جديد في محاربتها لملفة الفساد.

العودة الى الصفحة الرئيسية 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com