اطلاعات تقتل العراقيين وتعذبهم في عقر دارهم!

 

سهر العامري

aslam326@hotmail.com

فضيحة سجن الجادرية كانت علامة جديدة لفشل حكومة الجعفري في مقدرتها على إدارة دفة الحكم في العراق، فهذا السجن الرهيب، وما تمّ فيه من ممارسات تعذيب بشعة، يذكر العالم بسجون صدام الساقط، لا بل أنه قد فاق تلك السجون بخسة أساليب التعذيب القديمة، الجديدة، المتبعة فيه، والتي وصل بعضها الى سلخ جلود المشتبه بهم من الموقوفين فيه من العراقيين، تلك الأساليب القديمة التي شهدتها العصور الإسلامية الأولى، وعلى طريقة الحاج بن يوسف الثقفي الذي كان يسلخ جلود الناس، ثم يحشوها تبنا وقشا.
لقد استقدم صولاغ، وزير داخلية الجعفري، من أهله في إيران ضباطا في جهاز اطلاعات الإيراني، كانوا قد تمرسوا بالقتل والتعذيب طويلا، وذلك بغرض تعذيب وقتل أبناء العراق من أهل سنته، مثلما نقلت ذلك وكالات الأنباء، أو من غيرهم من العراقيين. والمعروف أن جهاز المخابرات الإيراني ( اطلاعات ) هو في حقيقته جهاز المخابرات الإيراني، السافاك، سابقا، ذلك الجهاز الذي ورثته حكومة الولي الفقيه عن حكومة الشاه بكامل عدته وعدده، فحين استولت الحكومة تلك على الحكم في إيران لم تقم بحل أغلب أجهزة الشاه العسكرية، وأبقت على الأكثرية المطلقة من عناصر جهاز السافاك الذي حولت اسمه، فيما بعد، الى ( اطلاعات )، وحسب.
لقد قضى الكثيرون من وطنيي أبناء الشعب الإيراني المغلوب على أمره في أقبية، وسجون ذلك الجهاز الرهيب، سواء أكان هذا في عهد حكومة الشاه، أو في عهد حكومة الولي الفقيه. ولتمرسه عناصره بصنعة القتل والموت، فقد هبّ جنود منهم نحو العراق، بعد أن شكل هذا الجهاز نفسه الائتلاف العراقي الموحد! وبعد أن نصب ابراهيم الجعفري رئيسا للوزارة في العراق، ( والكلام هذا ليس لي، إنما هو لأحد المسؤولين في الحكومة الإيرانية )، بعد ذاك شرع هؤلاء الجنود بتخطيط، وتنفيذ بعض العمليات الغامضة التي راح ضحيتها قتلا المئات من العراقيين معصوبي العينين، مكتوفي اليدين، مرميين هنا وهناك، وقد كان البعض منهم من خيرة كوادر العراق العلمية، كالأطباء مثلا، الذين قتل منهم للان أكثر من مئة وخمسين طبيبا، وشرد منهم أكثر من ثلاثة آلاف طبيب آخر، وهي نسبة تفوق بكثير عدد الأطباء العراقيين الذين قتلوا، أو شردوا عهد المجرم صدام.
لقد تحدث أكثر من عراقي واحد عن سجن الجادرية الذي أقامته المخابرات الإيرانية، وتحت مظلة وزارة داخلية صولاغ، كما نشرت أخباره بعض وسائل الإعلام العربية والعالمية هنا وهناك، تلك الوسائل التي نقلت من داخل السجن ذاك صورا بشعة للتعذيب الذي نال العراقيين فيه، كما أكدت تلك الأخبار، ووسائل الإعلام هذه، وبعيد أيام من تسلم ابراهيم الجعفري لمنصبه بعد الموافقة الايرانية على هذا التسلم، أن هناك ضباطا إيرانيين يديرون عمليات التحقيق والتعذيب والقتل داخل ذلك السجن، ولكن قوات الاحتلال الأمريكية ظل صامتة، ومن دون ان تثير ردود فعلها هذه الأفعال الشنيعة، مع أنها هي السلطة الحقيقية التي تتحكم بالعراق، وليس حكومة الجعفري، أو وزير داخليته صولاغ، والدليل على ذلك هو ما قدمته تلك القوات من برهان ساطع على تحكمها هذا ‘ حين بادرت الى اقتحام السجن ذاك، وإخراج السجناء المشتبه بهم منه، وانقاذهم من موت محقق كان سينزل بهم، مثلما نزل بالآخرين من قبلهم.
لقد شغل خبر التعذيب الذي مارسه الضباط الإيرانيون هؤلاء في سجن الجادرية من بغداد عاصمة العراق الكثير من وسائل الإعلام الأوربية والأمريكية، وقد تصدر الخبر هذا النشرات الإخبارية لمحطات التلفزة السويدية صباح هذا اليوم التي تكتب به هذه الأحرف، فقد نقلت المحطة التلفزيونية السويدية الرسمية الأولى الخبر بصيغة على شاكلة أن المظلوم صار ظالما، لا يقل بشاعة في أفعاله عن أفعال المجرم صدام، وذلك حين قالت، وبعد استعراض اقتحام القوات الأمريكية لذاك السجن، إن أغلب المعذبين كانوا من السنة العرب المشتبه بهم، وإن من قام بتعذيبهم هم المسلمون الشيعة! لكن تلك المحطة لم تتحدث عن سبب اقتحام القوات الأمريكية للسجن ذاك، وفي هذا الوقت بذات، مع أن هذا السجن كان معروف الوجود منذ أشهر انصرمت مثلما أسلفت. يضاف الى ذلك أن المجندة الأمريكية التي مثلت بالسجناء العراقيين في سجن أبو غريب، قد حوكمت، وسجنت سنوات عدة لممارستها التعذيب في ذاك السجن، وبعد أن أعيدت الى أمريكا على إثر تفشي أخبار التعذيب في سجن ابو غريب. فعلام صمتت قوات الاحتلال عن جرائم ابن صولاغ في سجن الجادرية طوال هذه المدة، ولم تقم برد يذكر، مع أن تلك القوات هي الحاكم الفعلي للعراق الآن ؟ يبدو أن جوابا على سؤال كهذا ليس عسيرا على من يتابع الوضع السياسي في العراق بمثابرة مستمرة، لقد تحدثت أنا في مقالات سابقة عن أن السياسة الأمريكية إزاء الأوضاع في العراق قد أصابها بعض التعديل، وذلك حين سمحت الإدارة الأمريكية الى الطرف العربي والأوربي للعب دور في مسار العملية السياسة الجارية في ذلك البلد، واكتشفت أنها قد راهنت على حصان خاسر من العراقيين الذين ارتضوا أن يتعاونوا معها في الظاهر، لكن قلوبهم ظلت معلقة هناك في سماء طهران، تلك المدينة التي ولدت فيها منظماتهم، ولهذا السبب، وبعد أن قزمت قوات الاحتلال البريطانية عملاء إيران من البرامكة الجدد في البصرة، عادت اليوم لتقزمهم في بغداد هذه المرة، فكانت البداية من سجن الجادرية، ذلك السجن الذي مثل اقتحام قوات الاحتلال له أكبر ضربة توجه لحكومة الجعفري، وعلى وجه الخصوص لوزير داخلية، صولاغ، ذلك الرجل الذي طالما نفخ بريشه كثيرا، لكنه ما طار مرة واحدة أبدا، وفي كل مواقع المسؤولية التي تسلمها سواء من إيران أم من قوات الاحتلال.
أما الجعفري فقد جاء رده بعد فضيحة سجن الجادرية تلك، مثلما جرت عليه العادة من قبل، ( سنقوم بتشكيل لجنة للتحقيق في ذلك ) والعراقيون يعرفون حق المعرفة كم لجنة من اللجان شكلها الجعفري على امتداد فترة حكمه القصيرة، ولكن أيا من تلك اللجان لم يُسمع بها بعد الاعلان عن خبر تشكيلها.
إن العراقيين كانوا ينظرون لزوال حكم صدام الطاغية، الجبان، بعين ملها الصبر والانتظار، وكانوا يحلمون بحكم يُحترم فيه القانون الذي على أساسه يجب أن يُعامل قيه الإنسان العراقي بقدر من الاحترام، حتى لو كان مجرما، وذلك من خلال محكمة عادلة تنزل به العقاب الذي يستحقه، هذا بعد أن تثبت عليه التهمة عن طريق تحقيق عادل، يبتعد عن الأساليب الهمجية التي تسود سجون البلدان المتخلفة، تلك الأساليب التي يرغم بها المشتبه بهم على الإدلاء باعترافات توافق هوى الحاكمين.
كان المفترض بشرطة صولاغ أن لا تنزل الى مستوى العصابات الإرهابية، وتشكل هي من بين صفوفها عصابات أخرى، تقوم بقتل العراقيين وتعذيبهم خارج سلطة القانون والمحاكم، كان المفترض أن لا تحول حكومة الجعفري بغداد، تلك المدينة العراقية العرقية، الى مقديشو ثانية، مثلما وصفها أحد المراسلين الغربيين! وعلى هذا يظل السؤال المشروع وهو : متى يعاقب، ووفقا للقانون، المسؤولين عن الجرائم التي أرتكبت بحق العراقيين من نزلاء سجن الجادرية! ؟

العودة الى الصفحة الرئيسية 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com