ما نحتاجه ألآن
علي ماضي
alimadhy67@yahoo.com
بعد ألأنعطافة التاريخية والمهمة في حياة الشعب العراقي ،ودخول الديمقراطية كآلية جديدة لتداول السلطة ،وتنفس الحرية ككيان واقعي مملموس بدا يبصر النور بين أوساط المجتمع العراقي ،بعد ان كانت مجرد شعارات مغيبةبين صفحات الكتب ،بات من المهم ان نطرح السوءال ألآتي ،هل الشعب العراقي قادر على هضم الديمقراطية والحرية؟ وما هو المطلوب من المثقف العراقي كموقف واعي تُجاه وطنه وشعبه؟.
الجواب على الشق ألأول من السوءال إنه ليس من المتوقع ان يستوعب الجيل الحالي الحرية الى درجة انه سيحدد مساحة حريته من خلال معرفته لحدود حريات ألآخرين.كما يفهمها المواطن في الدول الأكثر تحضرا، دعوني انقل لكم حالتين منفصلتين أُنتُهكت فيها الحُريّات الشّخصيّة ، احدهما حدثت في المجتمع العراقي في الوقت الحاضر وألأخرى حدثت في مجتمع أكثر تحضراً ولكن قبل اكثر من عقد من الزمان.
حدث ايام عيد الفطر ان نزلت مجموعة من الملثمين تنتمي الى التيار الصدري وأخذت تعترض طريق الناس وجهت للبعض ألأهانات اللفظية،وقامت بحلاقة روؤس البعض ،واصطاحابهم الى مكاتبهم الخاصة . كل ذلك بحجة ألأمر بالمعروف والنهي عن الفحشاء والمنكر ،مما لاشك فيه ان هذا تدخل سافر بالحريات الشخصية ، وفقا لمقايس حقوق ألأنسان العالمية ،ويدل على ان ممارسيها لا يقيمون وزنا لقاعدة ان حريتك تنتهي عند حدود حريات ألآخرين ، كما انهّم نصّبوا مفهومهم للحياة كمقياس مطلق لما يجب ان يكون ، وكل ذلك باسم الدين بلا ادنى شك. ولأن من مورست بحقه التجاوزات المشار اليها لايفهم ولايثمن قيمة الحرية لذا لم ينبر ِللدفاع عنها لأنه اعتاد على انماط مشوهة من الحريات ،واعتاد على اجواء مصادرة الراي ، لذا مرّت الحادثة دون أي ردّ فعل حتى من مؤسسات المجتمع المدني وجمعية حقوق ألأنسان والتي من المفروض ان تكون اكثر وعيا من المواطن العادي.هذه هي الحادثة ألأولى،اما الحادثة الثانية،فكانت في نهاية الثمانينات حيث قام طالب كوري جنوبي بالأنتحار في ساحة عامة ،بعد ان وجه رسالة مفادها ان لا قيمة لحياته بلا حرية ، وسبب احساسه بهذا الشعور ان الشرطة الكورية الجنوبية قامت باعتقال مجموعة من الطلاب إثر قيامهم بتظاهرات تطالب باصلاحات او ما شابه ذلك .على الرغم من ان المظاهرات صاحبتها احداث شغب احدثت اضرارا بليغة بالمال العام والخاص على حد سواء.
والفرق شا سع بين ألأحساسين لآيحتاج الى تعليق . ومع ملاحظة إنّي لا ادعوا الى ألأنتحار ،لأنه فعل يائس ورد فعل سلبي ،ولكن ادعوا ان تكون هناك ردود افعال ايجابية ،مسيرات استنكار سلمية دفاعا عن حريتهم على اقل تقدير.وسكوت الناس له دلالة واضحة على ان المجتمع العراقي لم يستوعب الحرية بشكل كامل ،وامامه طريق طويلة قد تستغرق اجيالا ،على اعتبار ان الشخصية ليست رداءً نغيره أنّى شئنا.
اما مفهوم النّاس للديمقراطية ليس بأحسن حال من مفهومهم للحرية، نعم المواطن نجح في تداول السلطة بشكل سلمي ،ولكنه لم يستخدم الديمقراطية بشكلها ألأمثل لتحريك خيوط اللعبة السياسية كما هو متوقع حفاظا على مصالحه ومنافعه ، بل سخرها خدمة للدين او المذهب ،او القومية ،متصورا إنّ مصالحه متمثلة في انتماءه المذهبي او القومي .
وهذا نابع من ان المجتمع العراقي ما زال يتأرجح ما بين المجتمع القبلي والمجتمع العائلي ،ولم يرتق بعد الى مرحلة المجتمع الفردي ،وهي ارقى مراحل تطور المجتمع ألأنساني .
حيث ان ألأفراد في المجتمع القبلي لا يميزون بين الفرد والقبيلة ،لنفرض ان فردا من القبيلة او العائلة (س) قتل احد افراد القبيلة أو العائلة (ص) ،فان اي فرد من افراد (ص) سيقتل اي فرد آخر من افراد (س) طلبا للثأر بغض النظر عن درجة القرابة . وما زال بعض النّاس في العراق ،لايعطون اسم القبيلة او العائلة التي ينتمون اليها ،خوفا من الثأر.
ومنه نخلص الى ان استيعاب المجتمع العراقي للحرية والديمقراطية ،استيعاب مشوش وغير ناضج ،وبالتالي استخدامه لهما غير فعّال،وغير منتج.
اما الشق الثاني من السوءال ،بات واضحا إنّ مسئولية المفكر العراقي ان يأخذ بيد المواطن العراقي ليعبر به مستنقع الطائفية والقومية والأنتماءات ألعنصرية ألأخرى وصولا الى برّ المجتمع الفردي .لا ان تصدر منه انفعالات وعواطف ،تركز في وعي المجتمع الطائفية والقومية .
ان نظرة فاحصة الى ساحة كتاب ومثقفي المجتمع العراقي تمكننا من تقسيمهم الى فئتين ،ألأولى انقادت الىالمجتمع العراقي وبالتالي فهي انعكاساً له بكل انحناءته وتشوهاته ،فتراهم كشعراء العصر الجاهلي، يتبارون في سوق عكاظ ، لكل مذهب او طائفة او قومية من يذود عن حماها . اما الفئة الثانية هي التي تستهدف ألأنسان وتحاول ان ترتق ِ بوعيه الى مصاف المجتمعات الحديثة. وهي تعمل جاهدة لتكون عونا لهذا الشعب المسكين ليجتاز محنته .
علينا كصحفيين ان نكون عين المواطن التي تبصر واذنه التي تسمع ، وأن نضع نصب اعيننا ،من اننا نعيش فترة انتقالية حرجة ونقف على مفترق طرق وقفت عليه كل شعوب العالم ،وامامنا فرصة حقيقية لنمر بألأتجاه الصحيح ،وعلينا ان نضع نصب اعيننا من ان بلدنا ليس البلد الوحيد الذي يحوي اطيافا ومذاهب واعراق مختلفة.ونعمل جاهدين لتنضيج مفاهيم المجتمع المدني المتحضر،علينا ان نكون مع ألأنسان ...مع ألأنسان لا غير.