حوار السيف وبحور الدماء

كريم البيضاني

Kareem_albaidani@hotmail.com

  قال بيان منسوب إلى تنظيم القاعدة في العراق "لن يكون بيننا وبينهم إلا حوار السيف وبحور الدماء التي سيدفعونها ثمنا لما اقترفته أيديهم، والأيام القادمة بيننا". بصراحة انا كعراقي اصاب بالاحباط عندما اقرا هذا الكلام . يثارفي داخلي هذا الشعور اولا لان هذا الكلام صارد من اناس لاتربطني بهم اية رابطة ولكنهم يدعون انهم جزء من وطنيتي العراقية بالرغم من انهم غرباء عن العراق فكرا ووجودا .

لقد حاول الفكر القومي الذي نشأ في المنطقة على خلفية الفكر النازي المتطرف, ان يوهم بعض الشعوب في الدول العربية بانها كتلة واحدة متجانسة وانهم في الحقيقية شعب واحد وعملية دمجهم لاتتم بسبب ان قوى خارجية خائفة من هذا الاندماج وانها حاقدة عليهم .

 وقد فشل الفكر القومي العروبي بكل معنى الكلمة لانه مارس العنصرية مع الجميع. مارس العنصرية مع الشعوب العربية وقسمها الى عرب اصلاء وعرب مستعربين . فالشعارات العدائية لكل ماهو غير عربي في نظرهم تعتبر واجب مقدس على كل من يؤمن بهذا الفكر , وعلمية الايمان هذه لاتتم الا بالممارسة والتطبيق على ارض الواقع وهذه العملية تتم باظهار الحقد والكره والبغض لكل ماهو غير عربي .

ان من (يتخاذل) في تطبيق هذه الاهداف يعتبر قد غدر بامته واصبح عميلا مأجورا.وهكذا عاشت الشعوب العربية في فترة (الصحوة) القومية ايام عصيبة تمثلت بالبطولات الفارغة والهزائم النكراء والاهمال الحضاري لكل مقومات الحياة. لقد خسرت الشعوب العربية زمن ثمين جدا واكب التطور الحضاري الطبيعي لشعوب العالم , لقد نشأت طبقة من العسكر اتخذو من هذا الطرح العنصري القومجي ذريعة للوثوب الى كراسي الحكم الفارغة بعد رحيل الاستعمار العثماني البغيض ومجيئ الاستعمار الحديث الباحث عن الثروة والتسلط.

 لقد درس هذا العسكر في مدارس الاستعمار الجديد ومن ثم اجهز على الحكم وبقي يوهم الناس بانه المحقق لطموحاتهم في الوحدة العربية والرخاء المعيشي. لقد تبخرت هذه الاحلام بعد انهزام قائد هذا الفكر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وتبعها تعزيز الدكتاتوريات الاخرى في السودان والعراق وليبيا والشام واليمن وحتى الممالك والامارات العربية لاتختلف عن هذه الدكتاتوريات بشيئ .

 فالحريات مصادرة بحجة الخطر الخارجي, وقوانين الطوارئ سنت بحجة تهيئة الشعوب العربية للجولة القادمة من الصراع وغسل عار الهزائم السابقة وغيرها من المسوغات الفارغة التي اتضح زيفها عندما جثم هؤلاء(القادة) على صدور الشعوب العربية وقامو بتوريث ابنائهم الحكم تماما كما يفعل الملوك.

 ان بيان تنظيم القاعدة في العراق لايبتعد عن ذلك الذي ذكرناه , حيث استمرت الشعارات نفسها والبطولات التي لاتتعدى قتل الابرياء ومعاقبتهم (لتخاذلهم) في نصرة قضية توحيد الامة على اساس اخر هو (دولة الخلافة), وان هؤلاء لديهم منهج السلف الصالح الذي لايمكن ان يكون خاطئا. ومن هذا المنطلق ظهر(امراء) لايمكن تزكيتهم الا بقتل عدد محدد من (الاعداء) بيد الامير نفسه. وكلما قام هذا الامير بالقتل كلما اصبح ذو منزلة اكبر امام قادته.

الضحايا قد يكونون من الابرياء وقد وجد (هؤلاء) التبرير اللازم لذلك , في انهم يهدفون قتل العدو المتواجد حسب معلوماتهم في المكان الذي وقع فيه الحادث وان هؤلاء سيحصلون على التزكية من القادة المجاهدين امام ربهم في انهم شهداء . وكذلك ان هؤلاء الضحايا حصلوا على مالم يحلمون به وهو الحصول على الشهادة بلامقابل بفضل الفرصة التي منحها لهم اخوتهم في الجهاد.

 ان شعار حد السيف وبحور الدماء هو شعار رفعه الاسلاف ضد خصومهم ولازال الاحفاد يطبقونه بمهارة فائقة. وهذا الشعار هو المبدأ الاساسي الذي يرهبون به عدوهم . لان عدوهم هو اما فارسي من (قومية) اخرى , او صليبين او يهود (قردة وخنازير) من اديان اخرى , او انهم العلمانيين الذي يمثلون الخطر الاكبر عليهم لان هؤلاء ينافسونهم في السيطرة على عقول الشعوب العربية ويعتبرونهم احدى وسائل الصليبيين في الدهاء والقضاء على معتقداتهم التي هم حريصون عليها.

 ان النزعة القومية العربية التي اتخذها القومجيون شعارا اصستخدمتها الاقليات والاكثريات العرقية في البلدان العربية شعارا ذكيا للحصول على حقوقها المشروعة واستخدموا شعار( الامة الكردية او الامة القبطية او الامة الامازيغية او الامة السودانية او الامة البربرية .....الخ) من المسميات المرادفة لشعار القومجيين العرب وقد نجح في ذلك الكرد العراقيين والسودانيين والاقباط لديهم بعض الخطوات في ذلك وان اصطدموا بتيار سلفي قوي في مصر مسيطر على جميع نواحي الحياة.

 لقد حاول بعد ذلك تيار الحركات السلفية الدينية ان يبتكر شعارا اخر وهو شعار( الامة الاسلامية واممية الفكر الاسلامي) المبني على اساس انكار القومية الاخرى والتمجيد بالقومية العربية وترسيخ مبدا ان القران عربي والنبي محمد (ص) هو عربي ايظا وكل الصحابة هم عرب ماعدا قلة قليلة من الاعاجم وهذا يجب تبرير تعريب العقل والانتماء للمعتقدين بالدين الاسلامي.

وهكذا اصبح مبررا لكل الاقليات الدينية في العالم العربي والاسلامي ان يطالبوا بحقوقهم على هذا الاساس. المسيحيين بكل اطيافهم(كاثوليك اقباط ارثذوكس كلدان سريان اشوريين ارمن ....الخ) وكذلك ايزيديين وصابئة ويهود ومعتقدات وطوائف اخرى. حتى في ايران وسيطرة التيار الديني على الحكم اصبح وضع الاقليات العرقية هناك في وضع متفجر بعد ان رفع الحكم شعار اممية الفكر الاسلامي ولاداعي للمطالبة بالخصوصة القومية او العرقية.

 لقد قتل التيار القومي العروبي ملايين من العراقيين في حروب وحملات ابادة جماعية سخرها لتطبيق شعار حوار السيف وبحور الدم والان وبعد ثلاث سنوات على سقوط حكم هذا التيار ,لازالت انهار الدم تسيل واتحد سيف التيار العروبي مع التيار الديني السلفي اومايسمى بالوهابي , واصبحت هذه البحور الدموية تسيل وتجرف معها ارواح الابرياء العراقيين. ولا نعرف ان كانت هذه البحور ستردم وتجفف ينابيعها ام ستصبح تسونامي مدمرة تجرف كل شيئ في طريقها؟. الزمن وارادة وحكمة العراقيين هي التي تعطينا الجواب المنتظر.

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com