بغداديات .. ( بوز الجلب)

 

بتوقيع : بهلول الكظماوي

bhlool2@hotmail.com

مقدّمة تمهيدية :

بسم الله الرحمن الرحيم

قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى وتتفكّروا ما بصاحبكم من جنّة , ان هو الاّ نذير لكم بين يدي عذاب شديد. صدق الله العلي العظيم

الآية الكريمة أعلاه تدعوا إلى تحرر الشخص من العقل الجمعي بأن يتجرّد للتفكير بمفرده وبمعيّة شخص ثان لا اكثر لغرض التقابل بالمحاكمات العقلية وحتى يصدق عليه معنى التجرد والتحرر من الجو العام للفكر الراكد الذي يدور بدوامة الحلقة المفرغة .

يطلق مصطلح ( العقل الجمعي ) على حالة عامة يمتاز بها المجتمع في تفكيره وسلوكه نتيجة تراكمات فكرية راكدة امتاز بها هذا المجتمع , وقد يكون ورثها من أسلافه ( هذا ما وجدنا عليه آبائنا ) واكتسبها من مجتمعات اخرى احتك بها وتطبّع بطباعها .

و غالباً ما تترابط هذه الحالة ( العقل الجمعي ) بحالة اخرى يطلق عليها ( نظام القطيع ) التي تتّسم وتمتاز بتقليد من يتجرّأ ويبادر إلى عمل ما فيتبعه الآخرون بدون تمحيص وتفكير وإدراك لما يقومون به, وهي حالة من الاتكالية ووضع المسؤولية على المبادر, ولا مبالاة بخواتم الأمور والعواقب التي تتبع اثر أفعالهم .

وربما تقود الاتكالية إلى الادعاء بغياب المبادر ( القائد ) المتذرّع به , وان حصلت المبادرة فسنرى الاتكاليين يتذرعون بشتّى الأعذار للتنصل من دعمه فضلاً عن الانقياد إليه :

( إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله , قال هل عسيتم أن كتب عليكم القتال الاّ تقاتلوا , قالوا وما لنا الاّ نقاتل \في سبيل الله وقد اخرجنا من ديارنا وأبنائنا , فلما كتب

عليهم القتال تولّوا الاّ قليلاً منهم والله عليم بالظالمين ) سورة البقرة, آية 246

و لهذا بين الفينة والأخرى نجد الكثير من الحركات المهدوية ترجئ أي عمل لتغيير المجتمعات نحو الأحسن , ترجئه إلى ظهور الأمام المهدي (ع) بدون أن تحسب أن للمهدي موطّؤن لسلطانه قبل ظهوره , ويمهدون له انصاره الارضية قبل مقدمه .

وفي الطرف الثاني نجد اليوم من السخرية بمكان أن اختلف بعض المتخلفين والمتحجرين فكريا ما بين قائل بان الزرقاوي هو المهدي وبين قائل إن الزرقاوي هو السفياني الدجال حيث تذكر المبشرات بظهور السفياني قبل المهدي, ومن علائمه انه ينبع من الجزيرة اليابسة ويعمل السيف والقتل بشيعة أهل البيت (ع) , متناسين بذلك إن نفس المبشرات تقول : عليكم من الفرات الفرار , فرّوا الرجال وابقوا النساء فليس على النساء حرج .

و ما يسمى بالزرقاوي لم تسلم منه حتى النساء , بل حتى الأطفال.

عزيزي القارئ الكريم :

لنرجع قليلاً إلى موضوع حلقتنا من البغداديات التي نكتبها ( بوز الجلب ) وتعني بالعربية الفصحى ( انف الكلب ) اجلّكم الله .

أما القصّة البغدادية التي ألفنا كتابتها في غالبية حلقاتنا فهي كما يصفها بعض قرائنا الكرام , والتي تتّسم بالنكته والدعابة فهي كالملح والفلفل والبهار الذي اعتاد قرائنا الأعزاء على توابلها , مع الإشارة بأنّي لم اقصد منها النكتة والدعابة لاجل النكتة والدعابة , بقدر ما اقصد الإشارة عن طريقها إلى خلل يجب تصحيحه , عسى أن افتح بها باب النقاش لاجل التصحيح نحو الأحسن ,

و الاّ فكثير من الأمثال التي تضرب في أدبنا الشعبي الساخر نابعة من واقع الألم والمعاناة والمأساة التي نعايشها ونعانيها , وما اكثر ما يرقصه الطير مذبوحاً من الالم !

 

البغدادية : ( بوز الجلب )

يروي المرحوم العلاّمة المغفور له الشيخ ابو حسن الظالمي , وكان صديقاً حميماً ونديماًً للمرحوم والدي , يروي بأنّه ( الشيخ ابو حسن ) كان في بداية تعممّه كرجل دين ( روضه خون ) قارئ منبر , كان معجباً بالمرحوم السيد صالح الحلّي ( امير المنبر الحسيني بالنجف الاشرف ) , علماَ انّ السيد صالح الحلي المعاصر آنذاك هو غير المرحوم العلامة الشيخ الحلي الذي تشيّعت إيران على يده قبل قرون بعد أن كانت على مذهب اخوتنا أهل السنّة .

يروي الشيخ أبو حسن بأنّه أراد أن يقلّد السيّد الحلّي في فذلكاته وطرق كسبه لجمهور المعزّين في مجالس ذكر الحسين (ع) فيقول :

صعدت المنبر واسترسلت برواية المقتل الحسيني واستعملت اسلوب وطريقة السيد الحلّي في الحماسة والهاب شعور الجالسين إذ فاجأتهم بالقول : اني اشم رائحة ( عطّابة ) شياط ناتج من حريق , فظنّ الجالسين انها ( العطابه ) لربما ناتجة من سقوط ( كطب ) عقب سيكارة على احد ( الدواشك والمنادر ) الفراش .

فأخذ الناس يفتشون على ( البسط ) السجاد وما بين طيّات الفرش وما بين ملابسهم .

و يستطرد الشيخ يقول : فجأة قلت لهم :لا داعي للتعب في التفتيش عن مصدر الحريق هنا , لانّ رائحة هذه الحرائق تأتي من خيام الحسين (ع) التي احرقها الاعداء في كربلاء .

ثم أردف يقول : غصّ بعض الناس حينها بالبكاء والنحيب , لكنه ليس كالبكاء والنحيب الذي يحدثه السيد صالح الحلّي في مجلسه بالنجف .

ثم ّتأتي المفاجئة الكبرى للشيخ أبو حسن (رح ) إذ انبرى له أحد الجالسين ليقول له :

( ليش انته مولانه بوزك بوز جلب )

و معناه : هل عندك انف كأنف الكلب حتى تقدر على ان تشم هذه الرائحة رغم بعد المسافة ما بين بغداد وكربلاء .

و بالطبع كان الشيخ أبو حسن وهو يروي هذه الحادثة قد ابتدأ بنفسه بانتقاد الطريقة ( الكلاسيكية ) التقليدية الشائعة عند الناس في الاستغراق في التقليد الاعمى وعدم مواكبة روح العصر والتطور , بل حتى من ناحية مراعات ثورة الحسين (ع) من حيث المنطلقات والاهداف ومن جهة خلودها التأريخي إمام ثورات اخرى كبيرة وعظيمة لكنها اندرست واندثرت ومحيت آثارها .

عزيزي القارئ الكريم :

يحزّ في النفس أن نرى الكثير من الاعبين في الساحة العراقية اليوم والذي لا اشك بأخلاصهم , ولكن طريقة عملهم الغير منفتحة والنابعة من بكاء بعضهم الخاص على ليلاهم ومعالجة الامور حسب قناعاتهم الخاصّة التي الفوها وورثوها .

إننا نشاهد اليوم البعض القليل من الشيعة قد اخذوا الكثير من إخوانهم السنة بجريرة المظالم التي ارتكبها صدام وحزبه العفلقي الماسوني والذي لا يمتّ آلي السنة وآلي الإسلام بأية صلة تذكر .

نشاهد الكثير, بل الغالبية من قيادات حزب البعث المقبور وقد آخذتهم العزّة بالإثم فتبرّر لصدام وحزبه ما اقترفوه بحق أبناء الشعب العراقي ومن كلّ تكويناته الطائفية والمذهبية والقومية ,

بل توغّلوا اكثر في إجرامهم حينما استقدموا التكفيريين لقتل الآمنين من أبناء شعبنا وضرب وتهديم مؤسساته الحيوية وبناه التحتية.

إننا نشاهد بعض اخوتنا السنة ما زالت تنطلي عليهم ماكنة صدام وحزبه الإعلامية بأن الشيعة إذا شاركوا بالحكم سيبيدوا إخوانهم السنه لا سمح الله .

إننا لا نزال نشاهد بعض اخوتنا الأكراد لا يزالوا مستغرقين بالشعور بالمظلومية التي زالت عنهم آلي غير رجعة إنشاء الله , ومع ذلك لا يزال بعضهم يشترط ظمانات صعبة .

نشاهد اخوتنا وشركائنا بالوطن من المسيحيين والصابئة والايزيديين والشبك ....الخ ما زالوا يشعرون بأنهم أقلية ومهمّشون لا سمح الله .

واخيراً نشاهد الذين اختلفوا كيف يطردون الاحتلال , ويستحصلوا الاستقلال للعراق الجديد مابين قائل بالمقاومة السلمية وقائل بالمقاومة الحربية, في حال ان الاستعمار الذي يحتل العراق هو نسخة حديثة ومتطورة جداً وغير تقليدية , ولهذا فهي ( المقاومة ) تحتاج الى طريقة متطورة غير تقليدية وغير موجودة في الكثير من العقل الجمعي الذي نشاهد صراعه ومطارحاته . ( والعاقل يفهم ).

عزيزي القارئ الكريم :

يقول المثل العربي : أنا واخي على بن عمي , وانا وبن عمي على الغريب !

و اليوم أبناء عمومتنا العرب ( الجامعة ) أرادوا أن يكونوا معنا مشكورين , فمن باب اولى ومن المنطقي جداً ان يعقد المؤتمر القادم على ارض العراق المتآخي مع كل اطيافه وتكويناته على شرط ان لا نكون ( كلاسيكيين ) تقليديين , بل مبدعين كما كنا عليه حينما كنّا :

أول شعب علم العالم الكتابة .

أول شعب عرف الحياة البرلمانية زمن الاكديين .

أول شعب علم العالم حقوق الإنسان التي تشهد عليه مسلّة حمورابي .

أول شعب ابتكر الصفر الذي لولاه لما عرفت أوروبا جهاز الحاسوب .

أول شعب عرف تغليب رأي الأكثرية حينما نزل عندها ( الأغلبية ) الأمام علي (ع) في صفين لحكمة وبعد نظر ارتآه فكان أول من آثر بنفسه سياسياً في التأريخ .

ودمتم لأخيكم

 

العودة الى الصفحة الرئيسية  

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com