هل مؤتمر الوفاق بداية الحل..؟

هادي فريد التكريتي

hadifarid@maktoob.com

1

لا أحد ينكر أن لقاء، أو مؤتمر، القاهرة، بين القوى السياسية العراقية، ذات التوجهات المتقاطعة، والفهم المغاير، لما يجري على الساحة العراقية، وإن جاء متأخرا، فهو خطوة إيجابية وفي الاتجاه الصحيح. إلا أنه لم يكن حلا للمشاكل التي يعاني منها الشعب العراقي، الكثيرة والمتفاقمة، كما لم يضع حلا نهائيا لموضوع الوفاق الذي استدعى تدخل الجامعة العربية لعقد هذا المؤتمر، وعلى الرغم من أن أننا لم نتعرف بشكل كامل أو تفصيلي على كل وجهات نظر القوى السياسية المشاركة في هذا الاجتماع، إلا أن البيان الختامي، حاول أن يقدم بشكل عام، رؤيا مشتركة لوجهات النظر المتباينة.
العبرة ليست فيما احتواه البيان المشترك، بقدر ما تسعى إليه الأطراف المشاركة، والمتعارضة في الفهم والرؤيا، بعد عودتها واللقاء بالقوى التي تمثلها، من تجسيد لروح ورؤيا هذا البيان والعمل على تحقيق ما ورد فيه من خطوات، كانت نتيجة للجهد مشترك، وحتى يحين موعد انعقاد المؤتمر العام لكافة القوى، سنرى مصداقية الأطراف في العمل على تذليل الصعوبات التي تعترض تنفيذ ما اتفقت عليه من بنود.
القوى السياسية، المشاركة في مؤتمر القاهرة، لم تكن كلها منضوية في الاتجاهين المتناقضين، فبين اتجاه من يريد فرض المقاومة، بحجة الاحتلال، واتجاه آخر يناهضه، تتوزع بينهما أطراف أخرى، لها وجهات نظر تقترب أحيانا، وتتقاطع أحيانا أخرى، مع هذين المحورين المختلفين، ُغيبت إعلاميا، ولم نر أولم نسمع لها وجهة نظر أو موقف بين المواقف المعلنة، أو التي سلطت عليها الأضواء.
فالظاهر للعيان، كان هناك متحاوران رئيسيان، الطرف الحكومي، ممثلا بالسيد رئيس الوزراء الجعفري، ومن خلفه التيار الطائفي الشيعي، موحد فيما يطرح من رؤيا طائفية بحتة. كان على رئيس الوزراء أن يبتعد عن الطرح الطائفي الذي تمثله كتلة الائتلاف الطائفية بشكل خاص، ويتمسك بالطرح الحكومي، باعتباره يمثل السياسة العراقية ومصلحة الشعب بصورة عامة، وهذا ما كان يعطي الحكومة مجالا أوسع للمناورة،وتعرية المتعاطفين مع الإرهاب، وقطع الطريق على المحاور الرئيسي الثاني، المتمثل بهيئة علماء المسلمين، وممثله الشيخ ضاري، الذي تحدث باسم مقاومة عراقية بشكل عام، وليس باسم فئة قومية أو طائفة دينية بعينها، بهدف تضليل الرأي العام العربي وإسباغ مشروعية وطنية \"لمقاومته \" وبنفس الوقت حاول مصادرة، وتزييف، مواقف القوى الوطنية العراقية المقاومة للمحتل، وللإرهاب بكل أشكاله وفق منظور لا يتفق مع نهج الشيخ ضاري والجماعات التي يمثلها أو يتحدث باسمها.
الطرفان، الائتلاف بشقيه الحكومي والطائفي الشيعي، و\" المقاومة \" بشقيها الطائفي السني والقومي العنصري، في كلمات ممثليهم تناسوا عن عمد توجهاتهم الطائفية والعنصرية لخداع أغلبية الشعب العراقي ( ومن يريد التأكد عليه الرجوع إلى كلمات الافتتاح لممثلي هذه القوى )، وتحدثوا بمفاهيم ومعايير وطنية، عن المواطنة والوطن، وهذا ما لم نسمعه عنهم سابقا، عندما كان الحوار يدور على مسودة الدستور. وما ثُبت في الدستور من مواد صارخة تنطق بالطائفية والعنصرية والمحاصصة، ُُيَكذب إيمانهم بهذه القيم، و تصريحاتهم ومقابلاتهم الصحفية والتلفزيونية، خالية تماما من أي حديث عن حقوق المواطن أو الوحدة الوطنية أو عن الاتجاهات الوطنية العراقية، ولم نسمع من خطبائهم من على منابرهم في الجوامع والحسينيات، غير شحذ التوجهات الطائفية، وجعلها هي الأساس في العلاقة بين المواطنين، ومنطلقاتهم الفكرية وممارساتهم اليومية بعيدة كل البعد عن المبادئ الوطنية، ولو كانوا هم كذلك لما وصلنا لمثل هذه الحال.
على الرغم من كل الملاحظات السلبية التي يمكن أن للقارئ أن يستخلصها من مواقف هذه القوى، التي ساهمت إلى حد كبير في خلق هذا الواقع، البائس والمزري، الذي يعيشه الشعب العراقي طيلة الفترة المنصرمة من سقوط النظام، إلا أن ما تضمنه البيان الختامي، يعتبر نقلة نوعية بالنسبة للقوى السياسية العراقية على الطريق الصحيح، لوضع ما يعاني منه الشعب العراقي، من مشاكل على طاولة البحث والنقاش، وإيجاد الحلول الجذرية والناجعة للمشاكل التي ورثناها من النظام السابق، والتي عمقتها قوات الاحتلال، وزادت في معانات العراقيين، قوى الإرهاب الدينية ـ الطائفية وتحالفها مع فلول النظام السابق معها، بما يطلق عليه اسم \" المقاومة \"، فالخلافات بين مكونات الشعب الواحد، أيا كانت رؤاها واتجاهاتها، لا يمكن أن تحلها البندقية بما تمثله من عنف وإرهاب، كما لا يمكن أن تحد منها خطب أمراء وشيوخ المنابر في الجوامع والحسينيات، حتى وإن كانت تتسم بمبادئ التسامح والصفح بين أفراد الطوائف، فهي غير قادرة على إنجاز السلم والأمن بين مكونات الشعب، إن لم تجلس معا على طاولة الحوار، لتتحاور قيادات القوى السياسية المختلفة، وجها لوجه، وتطرح ما تراه من مشاكل تعترض طريق التفاهم والتواصل، والعمل الجاد للتوصل إلى حلول ترضي جميع الأطراف، وكل محاولة لفرض حلول غير واقعية عن طريق القوة أو الإقصاء أو التهميش أو التزوير، وترتب مكاسب طائفية أو عنصرية لهذه الطائفة أو تلك على حساب الآخرين، لن تُكَوِن حلا مجديا، فالحلول الجذرية، تؤسس لها المفاهيم الوطنية، التي ترى في المواطن، أيا كان دينه أو مذهبه أو قوميته أو معتقده الفكري والسياسي، هو حجر الزاوية في البناء، كما هو المعني بتوفير كل ما يحقق له الأمن والحرية والعيش الكريم. وما نطمح له من غد أفضل، لا يمكن أن تحققه قومية معينة ولا طائفة بعينها، بل كل قوى الشعب وبكل مكوناته، في ظروف ملائمة للنشاط الإنساني في البناء وممارسة الحياة العادية لمواطن، وهذا لن يتم دون حرية كاملة للمواطن، وسيادة حقيقية للشعب على وطنه، تتعاهد كل الأطراف على ضمانتها وصيانتها من تجاوزات الآخرين.العراق حاليا منقوص السيادة بسبب الاحتلال، الذي استجره النظام الفاشي الساقط، ومقاومته تتم عن طريق رسم سياسة اتفاق ووفاق وطني، وليس عن طريق مشبوه يسعى لإعادة النظام الفاشي أو تأهيله من جديد، فممارسة الإرهاب ضد الشعب بحجة الاحتلال، أمر مرفوض هو ومن يمثله، ولن يحقق هذا المسعى خروج قوات الاحتلال، والحل هو ما توصلت له القوى السياسية في مؤتمر القاهرة، فما اتفقت عليه يشكل بداية حسنة ونقلت نوعية باتجاه التفاهم بين الحكم والقوى السياسية المناهضة للإرهاب من جهة وبين من يتمسك بمفهوم \" المقاومة \" وخروج المحتل. فما يعاني منه الشعب العراقي من ودمار وخراب، على كل الأصعدة، قد أشار له البيان الختامي، على أمل أن تتضافر جهود جميع القوى في مؤتمرها القادم لوضع الحلول النهائية موضع التطبيق لكل المشاكل العقدية التي تعصف بالشعب، وتهدد الوطن وشاغليه بالتشرذم والانقسام. وقبل أن يحل موعد انعقاد هذا المؤتمر ينتظر الشعب من مختلف القوى السياسية، بما فيها الحكومة، والقوى الطائفية المسيطرة على الميليشيات، وعلى القوى الطائفية والعنصرية التي تمارس تأثيرا على ما يسمى ب\" المقاومة \" أن تبادر إلى نزع أسلحة عناصرها، أو على الأقل في هذه الفترة، عدم القيام بأية أعمال إرهابية، حتى يتم الاتفاق على كل ما سطره البيان الختامي لمؤتمر القاهرة، فصناديق الانتخاب ستكون هي الفيصل والطريق الأسلم المفضي لأن يأخذ كل ذي حق مقعده في مجلس نيابي يمثل الشعب عن جدارة واستحقاق.

2

وانا بصدد مؤتمر القاهرة، لي بعض ملاحظات على خطابات بعض الرموز العراقية، أوردها كما دونتها آنئذ.
. بداية، بعض القوى المدعوة للمشاركة في المؤتمر، لم تحضر لأسباب مجهولة، وبعض من حضر كان مترددا في حضور هذا اللقاء، و قبل أن تغادر العراق كانت مشحونة بمواقف عدائية لكل وجهة نظر، غير ما تؤمن هي به من أفكار وحلول. ففي جلسة الافتتاح ألقيت من قبل بعض الساسة العراقيين كلمات متشنجة، كادت، إن لم أقل، أرادت عن عمد تخريب المؤتمر، فالسيد رئيس الوزراء الجعفري، وهو يمثل العراق، وليس حزبه أو حلفاءه، كان عليه أن يلقي كلمته مكتوبة، فما يطرحه ليس في مؤتمر صحفي، كما أنه ليس مداخلة حزبية، ولا تعقيبا على قضية طارئة، إنما هو موقف باسم الحكومة العراقية والشعب العراقي الذي يمثله، وعن قضية مصيرية وهامة، ليس هناك ما هو أكثر أهمية منها، فهي تؤسس بداية لحل مشكلة كلفت العراق والعراقيين آلاف الضحايا، فكان عليه أن يدون المطالب والحلول التي تراها الحكومة العراقية، جديرة بأن تحقق للعراق وللعراقيين كافة، الأمن والسلم والوحدة، والعيش المشترك في عراق خال من الإرهاب والعنف، وليس واردا أن يتحدث بفهم الائتلاف الذي يمثله، فهناك الكثيرون غيره، ممن حضروا يمثلون هذا التوجه، وكاد خطابه أن يفسد المؤتمر، متباهيا بما للعراق من مزايا السبق على مصر، بالثقافة والمعرفة، وبأصالة العروبة العراقية دون المصرية، والموقف يتطلب مناقشة هادئة بالحجة الدامغة وليس بالعاطفة المتأججة، ومصر ليس طرفا بالموضوع الذي يلتئم من أجله هذا المؤتمر.
تغيب عن حضور هذا المؤتمر السيد عبد العزيز الحكيم، رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، ورئيس قائمة الائتلاف الشيعي، وما كان عائقا لحضوره، لا يرتقي لأهمية المسؤولية التي تتطلب تواجده في مثل هذا المحفل الدولي ـ العربي ـ العراقي لحل المشاكل المستعصية للقضية العراقية، فعدم حضوره سجل نقطة سلبية عليه وعلى عدم قدرته على المواجهة والمصارحة، وفسحة للتنصل لاحقا من كل حل أو اتفاق لا يلائمه أو لا يوافق عليه، وكلمته في المؤتمر ألقاها نيابة عنه الدكتور همام حمودي، حيث أشار إلى أن \" الانتهاء من المعادلة القائمة على الاضطهاد الطائفي والقومي...! ما هي صورة العراق الذي نريده؟ 1. العراق لكل العراقيين مبدأ لا نتنازل عنه والعراق لا يبنى إلا من خلال الشراكة الوطنية، نرفض التهميش والابعاد.2 الحرية لكل العراقيين وعلى مختلف الأصعدة.3 الحكم الدستوري، العراق يقف على منطلق جديد بعد إقرار الدستور..الإرهاب في العراق يساهم في تعطيل نيل الاستقلال..\" هذه وغيرها من أمور قرأها الشيخ همام حمودي في كلمة السيد عبد العزيز الحكيم، وكل من يعرف توجهات السيد الحكيم، منذ أن جاء إلى مجلس الحكم وحتى بعد أن تشكلت الحكومة الانتقالية الثانية بأغلبية من ائتلاف طائفي، لا يؤمن بكلمة واحدة مما وردت فيما قاله ممثله، فلو كان كما يزعم أن العراق لكل العراقيين، ولا يبنى ألا من خلال المشاركة، لما كان مزهوا ب \" الفوز الساحق \" ولتم تشكيل حكومة وطنية حقا من كل القوى السياسية، لأنها حكومة تؤسس للعراق الجديد، ولو كان مؤمنا، حقا، بالشراكة الوطنية لما فاجأ القاصي والداني، بطلبه بتشكيل فدرالية للجنوب، وهو يعلم أن العراق العربي وحدة قومية وتاريخية وجغرافية وأثنياته تطرز كل المساحة العراقية، فلم المطالبة بفدرالية لا مقوم لها سوى الطائفية؟ كما أن كلمة \" الوطنية \" لم ترد في يوم ما على لسانه، فهو لا يعترف بغير الطائفية والمظلومية التاريخية التي لحقت بالشيعة، وحدهم دون سواهم من الشعب العراقي، وكأن بني أمية أورثوا وزرهم للشعب العراقي، أو أنه هو من يتحمل نتائج سقيفة بني سعادة، الذي تجتر الطائفية ذكراها على الرغم من اختلاف الأقوام والعصور المتعاقبة على هذا الشعب، والشعب العراقي بمختلف ملله ونحله كان ضحية الظلم والاضطهاد، واليوم مليشيات السيد الحكيم تمارس إرهابا مكشوفا، وتوقع الظلم والاضطهاد على كل من لم يؤمن بمعتقده أو يقول بقوله..!
أما السيد حارث الضاري في كلمته، فقد تجاوز كل ما حصل للعراق وشعبه من جرائم على يد النظام الفاشي ورئيسه \" لا حفظه الله \"، من حروب ومقابر جماعية وغازات سامة، وسجون وغيرها من أنفالات قذرة ارتكبها رئيس وأركان النظام المقبور، وقوات الاحتلال ما دخلت العراق، بإذن من الشعب العراقي، بل نتيجة لغطرسة \" القائد الفلته \" وتوهمه أنه فعلا \" الضرورة \"، وليس هو أداة أمريكية قذرة لتنفيذ أوامر الأسياد، الذين صنعوه ودعموه وأوصلوه ه لهذه العنجهية التي مارسها على شعبه الأعزل وعلى شعوب المنطقة. ليس مهما بالنسبة للسيد الشيخ الضاري المقدمات وإنما عليه فقط بالنتائج، ولا ندري هل بمثل هذه المنطق، يفتي الناس إذا استفتوه في قضية تهم أمور دينهم أو دنياهم؟، بئست الفتوى وبئس المفتي، إنه الضلال بعينه. والشيخ الضاري لم يتفوه بكلمة واحدة تدين مرتكبي المآسي ضد العراقيين، ويغض النظر عن كل جرائمهم المقترفة بحق الشعب والوطن، ويعتبر ما يصيب الشعب من هذه ال \" مقاومة \" من ضحايا وأضرار نتيجة طبيعية لمقاومة الاحتلال، وهو إذ يطالب بانسحاب قوات الاحتلال، فلأنه أصل المشكلة في العراق \" على حد تعبيره، ويتناسى الضاري أن الشعب العراقي خاض نضالا لأكثر من ربع قرن ضد هذا النظام لإسقاطه، دون أن يفلح نضاله، وبسقوطه من قبل أمريكا، تحقق له زوال هذا لنظام، وبزواله ستزول كل بؤر التوتر، بعد أن يتحقق للعراقيين القضاء على التداعيات التي أوجدها النظام ثم الاحتلال، والعنف والعنف المضاد. فهل كان يعتقد الشيخ ضاري، أن الشعب العراقي سينحاز لقاتله ويحمل السلاح دفاعا عنه أو لعودته مرة أخرى؟ إن كان يعتقد هذا، فهي عبودية، إذن، نسعى لها ويقودنا باتجاهها الشيخ ضاري. والشيخ ضاري إذ يرى في الاحتلال أصل المشكلة في العراق، وليس النتيجة، فهو يرى من الطبيعي أن تقوم بوجهه المقاومة، وبهذا المنطق يحاول أن يشوه مفاهيم المقاومة الوطنية، ليتربع هو ومقاومته \" الشريفة \" على تقاليد شعبنا الوطنية وعداءه للمحتل، أيا كان، طيلة ما يسمى بالحكم الوطني، ويفرض علينا أسلوبه المختار للمقاومة، وبما ينسجم مع ما يفكر هو به، بعيدا عن دراسة الواقع، وتجاهلا لكل مقومات هذا العمل، بما فيه تكافؤ القوى، والحالة الراهنة التي تعيشها جماهير الشعب، واستنفاذ كل الوسائل السلمية والقانونية لتحقيق جلاء المحتل، ومعالجة كل النتائج التي نعاني منها جراء ما خلفه النظام الفاشي والمحتل والإرهاب، وهذا ليس قبل التأكد من زوال الظروف والمسببات التي كانت تقف أمام تحقيق الشعب لحريته الشعب، وفرض إرادته، وترسيخ مؤسساته الديموقراطية، وعودة الأمن والاستقرار لربوع الوطن.

العودة الى الصفحة الرئيسية 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com