|
النظام السوري وخياره في المقاومة المزعومة ياسر سعد / كندا
بشار الاسد قرر في خطاب التحدي الذي ألقاه في جامعة دمشق أن كلفة المقاومة والصمود اقل من التنازل والرضوخ ومن ثم فلن يكون هناك انحناء الا لله سبحانه وتعالى. وإذا كنا نتفق مع الرئيس السوري حول مضمون عبارته في عمومياتها إلا اننا لا نستطيع ومن خلال الخبرات التاريخية المتراكمة الا ان نشكك في طروحاته وعباراته الانشائية, فقد علمنا والده المؤسس للجمهورية الملكية الاسدية أن التصريحات والشعارات تكون في اتجاه فيما الصفقات والسياسات الحقيقية تكون في الاتجاه المعاكس تماما. فالذي يريد ان يقاوم او يواجه بالتحدي حصارا او مؤامرات دولية حسب التقييم السوري الرسمي فلا بد ان يعد للامر عدته وان يهيىء الوسائل والاساليب التي تمكنه من ذلك. فما الذي فعله ويفعله النظام السوري للاقتراب عمليا من شعاراته الطنانة وعباراته الرنانة؟ هل أطلق سراح السجناء السياسيين وافرج عن الموقوفين تعسفا وظلما مع الاعتذار لهم وتعويضهم؟ هل طلب من اعمدة النظام كف ايديهم عن العبث باموال الدولة ومقدراتها وإعادة المليارات المنهوبة لدعم صمود بلد قد يواجه حصارا او غزوا؟ عوض أن يطالب رئيس وزرائه المواطنين البسطاء عدم شراء الدولار دعما لاقتصاد عصفت به اعاصير فساد الحكم الشمولي البائس. هل يجرؤ النظام السوري على توزيع السلاح على الشعب لجعل احتلال سوريا أمرا مكلفا ولتصبح البلاد مستنقعا لقوات الغزو المحتمله؟ الجواب وبكل تأكيد لا, لأن الثقة بين الحكم الدكتاتوري البائس في سورية والشعب المطحون بالقمع المتواصل منذ عقود, مفقودة ومعدومة تماما. فعلى من يراهن النظام في خيار المقاومة وهو الذي اجاد اللعب على التناقضات الدولية في مرحلة الحرب الباردة؟ خصوصا وأن النظام بقيادة الحاكم الشاب المفتقد للخبرات السياسية والمفتقر لبعد النظر قد جمع بين فرنسا والولايات المتحدة في مواجهته بعد الاختلاف الحاد بينهما فيما يخص المسألة العراقية. تحدث الرئيس السوري في خطابه الشهير عن المؤامرات الدولية التي تحاك ضد سورية بزعمه عقابا لها على مواقفها القومية المميزة. فلنستذكر ان اول زعيم عالمي إستقبل بشار الاسد وقبل ان يحمل أية صفة رسمية كان الرئيس الفرنسي جاك شيراك في قصر الاليزيه وبوساطة من الراحل رفيق الحريري. المقابلة تلك أُعتبرت من وجهة النظر الاعلامية والسياسية دعما دوليا وضوء أخضرا لتوريث الحكم في سورية. وعندما وصل بشار الاسد لسدة الرئاسة في سوية إثر تعديل دستوري كاريكاتوري مثير للسخرية المرة, عبرت مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية الامريكية في ذلك الوقت عن إعجابها بالطريقة السلسة في نقل السلطة في دمشق. فهل كان الدعم الغربي لسلطة بشار الاسد في ذلك الوقت لأن مواقفه القومية والوطنية المعلنة كانت مخالفة لما هي عليه ألان؟ وهل يصدق النظام السوري أن هناك من يصدق او يقتنع بطروحاته وشعاراته؟ لقد بدأ بشار الاسد حكمه بإعلان الحرب على الفساد, ثم مالبثنا ان وجدنا ان الهدف الحقيقي للحرب المعلنة والمزعومة على الفساد هو إشغال الشارع السوري وتقديم أكباش الفداء وتصفية الخصوم السياسيين المحتملين ولتصبح مسألة الحرب على الفساد أحد أوجه الفساد وممارساته والتي أدمنها النظام وتأسس عليها ونشأ في أحضانها. اما ربيع دمشق والاصلاحات المزعومة فسرعان ما تبدت سرابا وتكشفت خداعا واوهاما. حجة النظام السوري في التباطؤ القاتل في الاصلاح مرده الامكانيات والقدرات والظروف والتي هي من صنع النظام وإفرازاته. فكيف يقوى نظام على مقاومة الضغوط العالمية والصمود امام القوى الكبرى وقد عجز عن السير بشعبه في طريق الاصلاح رغم فوزه المزعوم بما يزيد عن التسعين في المئة من اصوات الشعب في الاستفتاء الرئاسي؟ برأيي الشخصي أن النظام السوري لا يستطيع أن يتعاون حقيقة مع التحقيق الدولي في قضية إغتيال الحريري, والمانع الحقيقي ليس في مسألة الكرامة والسيادة لإن النظام قد ضحى بهما ومنذ زمن بعيد على مذابح القمع والفساد والافساد. فأية كرامة لوطن يخاف فيه المواطن على نفسه وأهله من الحكم ومخابراته وأجهزته الامنية, وأية كرامة وخبرات التعذيب مسخرة لمصلحة الادارة الامريكية لإنتزاع الاعترافات من الابرياء مثل ماهر عرار وعبد الله المالكي في الحرب الامريكية على ما تسميه الارهاب. الاعراض السوري عن التعاون مع لجنة ميليس مرده تورط أجهزة النظام وعلى اعلى المستويات بجرائم القتل والخطف والابتزاز وغيرها في لبنان إبان فترة وصاية النظام السوري, ووقوع رموز النظام في التحقيقات سيميط اللثام عن الوجه البشع الحقيقي للنظام السوري. النظام السوري يراهن في حقيقة الامر على الوطن سيادة وأمنا وعلى المواطن معاناة وألما في مقامراته ورهاناته الحالية, وهو إذ تشتد حدة خطاباته فإن تلك الشدة والحدة الاعلامية تزداد طرديا مع استعداداته لتقديم التنازلات والالتزامات والتي تمس السيادة والكرامة ومقدرات الوطن وحقوقه. النظام السوري يرسل الاشارات والتلميحات أن البديل عنه هو التيارات الاسلامية ومن ثم فقد بدأت الاجهزة السورية الامنية بإكتشاف تنظيمات اسلامية متشددة وأشتبكت معها في أكثر من موقع ومكان, كما أن البديل للنظام والذي برهن على قدرته الفائقة على ضبط جبهة الجولان لعقود خلت هو في الفوضى الشاملة على الحدود السورية واللبنانية مع الدولة العبرية والتي لا تستطيع تلك الدولة ذات النفوذ على القرار الامريكي إحتمالها ولا تحملها. من هنا جاءت وتواترت تقارير إعلامية مفادها أن الحكومة الاسرائيلية حذرت مرارا الادارة الامريكية من ان البديل عن نظام الاسد قد يكون إسلاميا مهددا لأمنها, وبالتالي فإن أكبر دعم تراهن عليه سورية الاسد في أزمتها الراهنة هو في الدعم الاسرائيلي غير المباشر للإبقاء على نظام سوري ضعيف ومهزوز في الخارج وإن كان عنيفا ودمويا في الداخل السوري. إن للصمود والمقاومة شروطهما وأبجدياتهما والتي لا يبدو ان النظام رغم كل تصريحاته وخطبه ومواقفه الاعلامية والاعلانية معنيا بالأخذ بهما او تحقيقهما على ارض الواقع, واعيد واكرر هل يجرؤ النظام السوري على توزيع السلاح على الشعب السوري؟ الجواب الارجح لا وهنا يأتي السؤال إذا على من يعتمد النظام في صموده المزعوم سوى على الصفقات واستعداده المحموم لتقديم ما يطلب منه مقابل إبقائه في سدة الحكم.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |