سباق القوائم الانتخابية
الدكتور لميس كاظم
lamiskadhum@hotmail.com
دخل فرسان القوائم الأنتخابية سباقهم الثاني للظفر في أكبر عدد ممكن من الأصوات الأنتخابية. لقد سجلت مئات من القوائم الأنتخابية ترشيحها، غير مستفيدة من تجربة الأنتخابات السابقة، التي دخلها أيضا مئات القوائم والكتل الأنتخابية لكن الكتل الفائزة لم يتجاوز عددها اصابع اليدين.
كما تنافست هذه الكتل الأنتخابية بنفس الضوابط السابقة وهذه الظاهرة رغم أيجابيتها المحدودة إلا أنها تحمل الكثير من السلبيات في أستمرارها. فهذا العدد الكبير لا يعكس بالمطلق التنوع الفكري والحزبي الجاري في البلد وإنما يعكس القلق السياسي والتشتت في وحدة الهدف، إذ لا تزال نزعة الإستثار بكرسي الحكم هي الشغل الشاغل لأغلب الساسة والقادة وما يهمهم هو الظفر في أمتيازات سيادية تحصن موقعه السياسي المستقبلي غير مبالين بالنتائج السلبية التي سيحصدها الأخرين.
أن هذا العدد الكبير من القوائم سيساهم في تشتيت مراكز القوة الصغيرة الداخلة في الأنتخابات وبنفس الوقت سيضعف من قوة الكتل الكبيرة التي ستتنافس مع كتل الفائزة التي حصدت أغلبية الأصوات.
كانت التوقعات تشير الى أن العملية الانتخابية الثانية ستقلص من عدد القوائم الأنتخابية وسيقل عددها الى تحت المئة مستفيدين من النتيجة الخائبة التي منيت بها القوائم الصغيرة في الأنتخابات الأولى وبالتالي ستكون هناك أصطفافات انتخابية جديدة ترجح الكفة لهذا التجمع وتضعف الكفة للاخر لكن الذي يجري حاليا يحمل نفس السلوك السابق ويسير بنفس النمط التحالفي مع بعض التعديلات في إندماج بعض الكتل فيما بينها وخروج بعض الاحزاب من هذه الكتلة أو تلك. أننا مدعوين في الانتخابات الثالثة الى تحديد نسبة 4 ـ 5 % من القوة التصوتية كحد أدنى لكل التكل الأنتخابات.
لكن هذه الأنتخابات تمتلك الكثير من الأيجابيات التي تميزها عن سابقتها وتتمثل في:
هناك أتفاق عراقي، بين كل أطياف الشعب العراقي وأحزابه الرافضة والمؤيدة للعملية السياسية، يفضي بضرورة المشاركة في هذه الانتخابات. إذ أدرك الجميع بأن العملية السياسية مستمرة وماهو مطلوب من الجميع هو الحوار بلغة سلمية بعيدة عن العنف وتمثيل الجميع بقوة الصوت الأنتخابي والحوار الوطني.
تجري هذه الانتخابات في ظل استقرار سياسي نسبي وأنفراج سياسي بين القوى المؤيدة والرافضة للعملية السياسية العراقية ضمن حوار سلمي ساهم في اذابة جزء من الجليد البارد بينهم وتكلل ذلك في أكثر من مؤتمر مصالحة وحوارات تمهيدية استعدادا لمؤتمر وطني شامل بعد الانتخابات.
تجري هذه الانتخابات في ظل استقرار حكومي نسبي ممثل في حكومة عراقية شرعية وسلطات قضائية وتشريعية وتنفيذية منتخية ودستور دائم للبلاد ينظم العملية الأنتخابية ويحكم مسيرتها بقانون أنتخابي عراقي. كما يشهد العراق استقرار مؤسساتي حكومي وحزبي ومهني وهيئات مجتمع مدني. كلهم سيسهرون على إنجاح العملية الأنتخابية ودعم المسيرة السلمية في البلد. أن نجاح الانتخابات الثانية ستشكل ضربة موجعة لكل من يراهن على أبقاء حالة اللأسلم واللأ أمن في العراق.
دخلت الأحزاب العراقية الى الأنتخابات متحدة في موقفها الرافض للارهاب والداعم للعملية السياسية السلمية مما سيعطي زخما كبيرا لنجاح هذه الانتخابات.
هناك استعدادات أعلامية واسعة من قبل الأعلام العراقي لدعم الحملات الانتخابية لكل القوائم المرشحة بتخصيص أوقات للتعريف بالقوائم وندوات وحوارات تساهم في أغناء العملية الانتخابية.
عزوف المرجعيات الدينية عن المساهمة في دعم أي من القوائم الأنتخابية سيعزز نجاح العملية الانتخابية ويبعد أستثمار أسم المرجعية من قبل هذه القائمة أو تلك الكتلة. هذا القرار سيفضي في نهاية الامر الى منافسة انتخابية ديمقراطية تظهر ولاء الناخب العراقي لهذه الكتلة أو تلك بعيدا عن تأثير المرجعيات الدينية.
لوحظ تطور نسبي في وعي الناخب العراقي مقارنة بالأنتخابات السابقة مما سيساعد في انجاح التجربية الأنتخابية الثانية ويرفع من مستوى مشاركة الناخب العراقي الذي خرج الى صناديق الأقتراع مرتين متحديا كل أشكال الأرهاب وسجل أعلى مستوى أنتخابي في عموم المنطقة العربية. هذا الاصرار العراقي هو الكفيل الذي سيدعم نجاح العملية الأنتخابية الثانية.
استمرار العملية السياسية السلمية في العراق رغم كل المحاولات الأرهابية الشرسة ادى الى عزوف الكثير من الأعلام العربي عن أرهاصاته ومنطلقاته التبريرية الواهية بشأن دعم الارهاب وكذلك اكتواء بعض دول الجوار بنار الأرهاب التكفيري جعلها تشن حملة قوية ضد الخلايا التكفيرية وتدين الأرهاب الذي كانوا يسمونه للامس القريب بالمقاومة. هذا التحول يعتبر انتصار جزئي لأستمرار العملية الأنتخابية القادمة.
مقابل كل هذه الأيجابيات فهناك الكثير من المعوقات التي ستقلل من أزدهار العملية الأنتخابية وأبرزها :
أنفلات الوضع الأمني في بعض المدن العراقية وخصوصا بغداد المركز النابض للعملية الأنتخابية. هذا الأرهاب سيقلل من نشاط الحملات الأنتخابية وسيمنع الناخب من الحضور الى الكثير من الفعاليات الجماهيرية وبنفس الوقت لا يتيح الفرص الكاملة للتعرف على المرشح وبرامج القوائم بشكل مستفيض.
الوجود المسلح للميليشات الطائفية التي تجوب شوارع المدن، مما ستقلل من نجاح حملات الدعاية الأنتخابية. فالظهور المسلح سيقلق الاستقرارا الأمني ويرهب الناخب وسيضعف حرية الأختيار.
ضعف الأجهزة الأمنية في حماية النشاطات والفعاليات الانتخابية. فمن المفترض أن تكثف الأجهزة الأمنية والأستخباراتية كل قوتها لتهدئة الحالة الامنية لتمنح الناخب فرصة الأمان في الوصول الى صناديق الأقتراع.
أستمرار حرب المدن ضد الأرهاب. إذ لايكمن أن تجري الحملات الانتخابية مع اصوات القنابل و الطائرات التي تهدم و تقتحم المدن وتشيع الذعر في نفوس المواطنين.
عدم حل المشاكل الاساسية للمواطن كالأمن والماء والكهرباء والخدمات الأساسية والفساد الأداري والرشاوي ولد حالة من الضعف في مصداقية الحكومة والقوائم التي أنتخبها.
ضعف أجراءات المفوضية العليا للانتخابات الرادعة ضد التجاوزات الأنتخابية و في المعالجة السريعة للضواهر المخلة بالقوانين الأنتخابية، كما حصل في التجربة السابقة، مما سيفسح المجال امام الكثير من المرشحين للتجاوزعلى سير العملية الأنتخابية. فمن المفترض أن تسمتد المفوضية قوتها من الدستور الدائم للبلاد وتبسط سلطتها فوق كل السلطات.
أن المحطة الأنتخابية الثانية ستمر بنجاح أكثر من سابقتها. فهي محطة تصفية ديمقراطية للكثير المشاكل السياسية والديمقراطية العالقة في جذور الوطن. هذه المحطة كسابقتها سيتمرس الناخب والمرشح الأنتخابي على القوانين الديمقراطية. المهم في الأمر هو ان قطار الديمقراطية قد تحرك من محطته الأولى بأتجاة المحطة الثانية والأهم من ذلك هو ان الكل اجمع على أن كراسي الحكم سيصل اليها المرشحين عبر قطار الديمقراطية وصناديق الاقتراع. وسيحاول الكل أن يقترب من الحقيقة التي تقول أن الكراسي الحكومية هي ملك الوطن وممكن لأي مجتهد وطني مخلص أن يصل اليها بالشرعية الدستورية.
العودة الى الصفحة الرئيسية