مدخل للبحث عن معنى الإرهاب وأشكاله (1 ـ 2)

حمزة الجواهري

hjawahri@hotmail.com

لم يتفق العالم لحد الآن على معنى محدد للإرهاب، وبالتالي بقي المشروع الأمريكي لمحاربة الإرهاب عالميا يعاني من نقص في القناعة لدى الكثير من الأطراف الدولية، حيث أن جميع الأطراف تتبنى معنى من معاني الإرهاب في أغلب الأحيان معنى ناقص يتفق مع مصالح تلك الدولة بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية نفسها. لكن لنا في الحالة العراقية خير مثال لكي نستخلص منه تعريفا محددا لمعنى الإرهاب لأن العراق، الذي علم العالم الكتابة يوما ما، لابد قادر أيضا أن يعلمهم معنى الإرهاب، كما أنه قادر أيضا أن يعلم العالم المعنى الحقيقي للمقاومة لا ذلك المعنى المزيف الذي تبناه فلول نظام البعث المقبور ولا المعنى الذي تتبناه شراذم القاعدة المتوحشين.

أول سؤال يتبادر للذهن في هذا المجال هو: هل ما نرى في العراق هو مقاومة شعب أم مقاومة فلول نظام مهزوم؟

مما لا شك فيه أن المقاومة حق مشروع للشعوب المحتلة، ولكنها أبدا لم تكن يوما ما حقا مشروعا لفلول نظام دموي بهيمي همجي كان يعتبر مسلة للرذيلة والجريمة كنظام البعث المهزوم من قبل شعبه قبل أن يهزمه العالم، فهو نظام عنصري طائفي جمع كل الخبائث التاريخية مرة واحدة، والمقاومة في العراق هي أعمال انتقامية لفلول هذا النظام المهزوم، والتي بذات الوقت تحتضن فلول منظمات ظلامية تعتبر الأكثر تخلفا ودموية في العالم. هدفهم من حيث الأساس إفشال المشروع العراقي بإقامة نظام ديمقراطي من خلال الإرهاب بكل معانيه، ويمكن أن تعتبر أبلغ صور الإرهاب الذي تعذر تعريفة عالميا لحد الآن. يصطف مع البعث والقاعدة بهذا الإرهاب قوى تجد لها مصلحة بالتغيير فتمارس أنواع أخرى من الإرهاب الهدف منه فرض سيطرتها المطلقة على المجتمع والدولة من خلال قوة السلاح وأنواع أخرى من الإرهاب الفكري والمعنوي بكل تجلياته، جندت لهذا الهدف مليشيات وآليات الدين لكي تبتز المواقف وتسلب إرادة الناس وتوجيههم لما تريد أن تصل إليه من نتائج.

بات أكيدا أن الغالبية العظمى، ما يقرب من تسعة أعشار الشعب العراقي، تعمل وفق مشروع واسع لإنهاء الاحتلال بطرق سلمية، لكن هناك أقلية تحاول إعاقة هذا الجهد، هذه الجهة هي التي يسموها اليوم المقاومة، ويحاول البعض أن يقسمها إلى قسمين، الأول سمي بالمقومة الشريفة أما الثاني فهو بكل الأعراف والمقاييس غير شريف، لذا ترك دون تحديد الوصف على أنها غير شريفة. كما وإن هناك أوجه أخرى مختلفة للإرهاب في العراق بدت واضحة جدا. نحاول بهذه المقالة فصلها عن بعضها البعض لكي لا يختلط الحابل بالنابل، والحقيقي مع المزيف، إن كان هناك حقا مقاومة حقيقية.

النوع الأول من المقاومة هو الذي يهدف إلى أن يصل الناس إلى استنتاج "أن بناء النظام الديمقراطي مستحيل ولا جدوى منه"، هذا النوع بالتحديد مما يسمى بالمقاومة له شكلان، واحد يستهدف الناس والمؤسسات والبنى الخدمية الضرورية للناس وإشاعة الفساد الإداري والجريمة كالسلب والاغتصاب والاختطاف ومن ثم طلب الفدية وما إلى ذلك من الأعمال التي تهدف أساسا إلى تيئيس الناس من جدوى التغيير واستحالته في العراق. أما الشكل الآخر من هذا الإرهاب فهو الذي يستهدف القوات المتعددة الجنسية، أو قوات الاحتلال كما يسموها.

في العموم الغالب لا يمكن التفريق بين هذين الشكلين من الإرهاب على الإطلاق، لأن من يقوم بهما أصلا هي نفس الجهات، إضافة إلى أن المستهدف في العموم الغالب هو العراقي البريء، حيث ما تسمى بالمقاومة تقتل عشرة عراقيين مقابل أمريكي واحد، أضف إلى ذلك، لماذا يقتل الجندي الأمريكي أو البريطاني بحجة المقاومة؟ مادام الجميع يجمع على أن النظام المقبور كان دمويا مجرما عنصريا وطائفيا ويحمل كل شرور الإنسان عبر التاريخ، وإن هؤلاء الجنود هم من ضحى بحياته من أجل تحرير العراقيين من هذا النظام الذي فشل الجميع بالتخلص منه. فهذا النوع من المقاومة بشكليه هو انتقام فلول نظام مهزوم ممن هزمه، ليس الأمريكان أو البريطانيين فقط، فالشعب العراقي كان له الأثر الأكبر بإسقاط النظام، حيث أن الشعب من خلال ضرباته القوية والموجعة للنظام عبر خمسة وثلاثين عام من النضال كانت قد أضعفته كثيرا، أضف إلى ذلك حقيقة أن النظام ما كان ليسقط تحت ضربات قوات التحالف لو لم يتخذ العراقيون موقف الحياد، وهذا ما يمكن أن نسميه بانتفاضة الحياد التي رافقت سقوط النظام على أيدي قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا وبريطانيا، لذا ليس مستغربا من أن فلول النظام تنتقم اليوم من الناس ولا تعتبرهم أبرياء أو طرفا محايدا مادام هؤلاء قد ساعدوا بإسقاط نظامهم، وكذلك محاولتهم العمل على محاولة تيئيس الشعب من إمكانية بناء نظام ديمقراطي كان دائما الحلم العراقي الكبير. وهنا نكرر السؤال مرة أخرى لكن بصيغة ثانية، هل يحق لمجرم أن يدافع عن مواقع النفوذ التي فقدها من أجل أن يمارس القتل بحرية للأبرياء من الناس؟ وهل هذه الأعراف كانت موجودة تاريخيا ونحن لا نعرف بها؟

لكن يبقى في الحلق غصة، وهو وجود قوات أجنبية في البلد، إذ لا أحد يرغب بوجود قوات أجنبية على أرضه، وهذه حقيقة، لكن هذه القوات، لحد الآن، ما فتئت تقول أنها سوف ترحل بعد أن يستتب الأمر في العراق وينتهي تهديد الإرهاب، وهل يمكن اعتبار وجودها غير مرغوب به بعد أن أقر الجميع بهذه الحقيقة في مؤتمر القاهرة الشهير؟ حيث من مثل الإرهابيين في هذا المؤتمر أقر بضرورة بقاء هذه القوات حتى تنشأ ظروف موضوعية مواتية تسمح بجلاء هذه القوات وذلك بعد تأهيل القوات المسلحة العراقية بالكامل، عددا وعدة وقدرات قتالية وفق خطو متفق عليها.

أما النوع الثاني من الإرهاب، فهو الأعمال المسلحة التي تهدف أساسا إلى سلب إرادة الناس وابتزاز ولائهم بقوة السلاح والتهديد وتنفيذ التهديد في حالة خروج المرء عن طوعهم بقسوة مبالغ بها مهما كان موقعه الاجتماعي أو جنسه. هذا النوع من الإرهاب تقوم بها مليشيات مختلفة ومن أطراف متعددة، به يجبرون الناس على الانصياع لأوامرهم وتنفيذها بالكامل، ومن يخالف يدفع الثمن غاليا، كل ذلك من أجل تحقيق أهداف سياسية خبيثة. نجد هذا النوع من الإرهاب موجود في أغلب مناطق العراق، ولكن علينا أن نأخذ مثلا بالفلوجة وحديثة والقرى الحدودية مع سوريا التابعة لمدينة القائم دون سواها على أن نعود لمناقشة أشكال من هذا الإرهاب في مناطق أخرى من العراق لوجود فروقا نوعية بين المليشيات أو العصابات التي تمارسه. ففي المدن الوارد ذكرها قد أعيد نفس السيناريو تقريبا، وهو أن المليشيات دخلت لها بفضل دعم فلول نظام البعث المقبور، هذه المليشيات تتشكل من عراقيين بعثيين وآخرين من السلفيين التكفيريين من العراق ودول الجوار على رأسهم تنظيمات القاعدة، لكنها بعد أن دخلت هذه المدن جعلت منها مناطق نفوذ لهم ومعسكرات لتصدير الموت للعراق على شكل سيارات مفخخة وعبوات ناسفة وانتحاريين يفجرون أنفسهم بين الناس ومجاميع مسلحة تقوم بجميع أعمال ما سمي بالمقاومة التي ورد ذكرها. هذه العصابات المسلحة أسست نظامها الخاص بها على غرار نظام طالبان لكن بقسوة نظام صدام وأساليبه، لتجعل منها إمارات خارجة عن القانون لا مكان للسلطة المركزية فيها. أهم أساليب هذه العصابات هو إخضاع الناس لسيطرتها واستباحة بيوتها وابتزاز دعمها لتعمل بحرية بين الناس الذين لا يجرأ أحد على الاعتراض على يقومون به. هذه المقاومة لا تتورع عن دفع المال من أجل القيام بالعمليات وضمان استمرار القيام بها، فهي مقاولة في بعض أشكالها حيث لكل عملية ثمنها حسب خطورتها أو ما تحتاجه من جهد.

وفي الجزء الثاني من هذه المقالة سوف نعالج نوعا ثالثا من الإرهاب لم يحسب لحد الآن على أنه نوع من الإرهاب، في حين هو من أبشع أنواع الإرهاب الذي يمارس في العراق، وهو الإرهاب المتمثل بممارسات المليشيات التابعة للقوى والأحزاب التي تشارك في العملية السياسية في العراق بقوة، وكذلك نحاول أن نضع تعريفا شاملا للإرهاب من خلال التجربة العراقية فقط.

العودة الى الصفحة الرئيسية 

 

 

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com