|
ضمانات المتهم في قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا
زهير كاظم عبود
بصدور قانون المحكمة الجنائية العليا الذي أقرته الجمعية الوطنية طبقاً للفقرتين أ و ب من المادة الثالثة والثلاثون والمادة السابعة والثلاثون من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الأنتقالية والمنشور في جريدة الوقائع العراقية العدد 4006 في 18 / 10 / 2005 أصبح هذا القانون أعتباراً من تاريخ نشره نافذاً وملزماً، كما اعتبرت قواعد الاجراءات وجمع الادلة الخاصة بالمحكمة الجنائية العراقية العليا ملحقة لقانون المحكمة اعتبارا من تاريخ نشرها بنفس التاريخ، وهي قواعد أجرائية وتفصيلية تضمنت ( 69 ) قاعدة تفصل عمل المحكمة، والغى هذا القانون حكماً قانون المحكمة الجنائية العراقية المختصة بالجرائم ضد الأنسانية رقم ( 1 ) لسنة 2003 وقواعد الأجراءات الصادرة وفقاً لأحكام المادة ( 16 ) منه أعتباراً من تاريخ نفاذ القانون الجديد في 18/10. أن هذا القانون جاء مؤسساً للمحكمة وهيكلهاالتنظيمي وطريقة أختيار القضاة والأدعاء العام، وأختصاصات المحكمة وقواعد الأجراءات وجمع الأدلة وضمانات المتهم وأجراءات المحاكمة وطرق الطعن، وجاء القانون محدداً لصلاحية المحكمة الجنائية العراقية العليا ومفسراً للعديد من أختصاصاتها وولايتها التي حددها حصراً في الجرائم التالية : 1- جريمة الأبادة الجماعية 2- الجرائم ضد الأنسانية 3- جرائم الحرب 4- انتهاكات القوانين المتمثلة بالتدخل في شؤون القضاء أو محاولة التأثير في أعماله وهدر الثروة الوطنية وتبديدها وسوء أستخدام المنصب والسعي وراء السياسات التي تؤدي الى التهديد بالحرب أو أستخدام القوات المسلحة العراقية ضد دولة عربية. وأكد قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا التمسك بمبدأ أن المتهم بريء حتى تثبت أدانته، مثلما أكد على مساواة المواطنين أمام هذه المحكمة تماشياً مع ما أكده الدستور العراقي الذي نص على أن العراقيون متساوون أمام القانون، وأن حق التقاضي مصون ومكفول للجميع كجزء مهم من ضمانات المتهم. وتأسيساً على أن لكل فرد الحق في أن يتم التعامل معه معاملة عادلة في الأجراءات القضائية، فقد فصلت المحكمة أن للمتهم الحق أن يصل علمه بمضمون التهمة الموجهة اليه بتفاصيلها وأسبابها وطبيعتها، وأن يتاح له الوقت ويمنح التسهيلات الكافية لتمكينة من إعداد دفاعه وأن تتاح له الحرية في الأتصال بمحام يختاره بملء إرادته ويجتمع به على إنفراد، ويحق للمتهم أن يستعين بمحام غير عراقي أيضاً وفقاً للقانون. وضمنت نصوص قواعد الأجراءات للمتهم الحق في المساعدة بمحض أختياره بما في ذلك تلك المساعدة القانونية التي يقدمها مكتب الدفاع أذا لم تكن لديه القدرة على دفع مقابل المساعدة، وكما له الحق في خدمة ترجمة مجانية أذا لم يكن يفهم أو يتكلم اللغة التي يتم فيها الأستجواب، وللمتهم أن يتنازل بمحض أرادته عن حقه في المساعدة القانونية أثناء الأستجواب على أن يبين قاضي التحقيق أن التنازل قد تم بحرية وأدراك، وأذا مارس المتهم حقه في المساعدة القانونية فلا يجوز لقاضي التحقيق استجوابه دون حضور محام مالم يتنازل المتهم طوعيا عن هذا الحق. وأن تلتزم المحكمة بأجراء محاكمة المتهم دون تأخير غير مبرر بأسباب مقبولة، وأن تجري المحاكمة حضورية وأن يكون للمتهم الحق في طلب المساعدة القضائية أذا لم يكن لديه محام ولم تكن له المقدرة المالية حيث يمكن له ان يقوم بتوكيل محام دون ان يتحمل أجور المحاماة. أن للمتهم كامل الحق في طلب شهود الدفاع وشهود الأثبات ومناقشتهم، كما أن بأمكانه تقديم أي دليل يعزز دفاعه لدفع التهمة وفقاً للقانون. ولايجوز أن يتم أرغام المتهم على الأعتراف، حيث أن له الحق في الصمت وعدم الأدلاء بأية أقوال دون أن تفسر المحكمة هذا الصمت دليلاً على الأدانة والبراءة، حيث أن المحكمة ملزمة بتدقيق وتمحيص ما توفر لها من الأدلة في القضية المعروضة أمامها. أن قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا جاء منسجماً مع الأعلان العالمي لحقوق الأنسان الصادر بتاريخ 10 كانون الأول 1948 والذي أكد على عدم جواز أخضاع الأنسان للتعذيب ولا المعاملة القاسية او الحاطة بالكرامة، وأن لكل أنسان الحق في أن تنظر قضيته من قبل محكمة مستقلة ومحايدةوعلنية وتوفر له جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه، وأن لايدان أي شخص بسبب عمل أو امتناع عن عمل مالم يكن في حينه يشكل جرماً بمقتضى القانون الوطني أو الدولي. وبهذا الأنسجام يكون القانون العراقي أمتداداً للقانون الدولي وملتزماً بأسسه ومعاييره ومنسجماً مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر بتاريخ 16 كانون الأول 1966 الصادر عن الجمعية العامة في الأمم المتحدة والنافذ اعتباراً من 23 آذار 1976. كما ان للمحكمة الجنائية العراقية العليا أن تستعين بأحكام المحاكم الجنائية الدولية عند تفسيرها لأحكام النصوص القانونية الخاصة بجريمة الأبادة الجماعية وجريمة التحريض والشروع فيها والتي فصلها القانون الأنساني الدولي ضمن قانون المحكمة الجنائية الدولية وقراراتها او ضمن النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية الصادر في روما سنة 1998 او النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية بيوغسلافيا او براوندا او نظام نورمبرج في العام 1945 مع التغييرات التي طرأت في الفعل والمنهج. أن المحكمة ملتزمة بتطبيق أحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 بالنسبة لأجراء المحاكمة دون أن يخل ذلك بنصوص قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا وقواعد الاجراءات القانونية الملحقة به، حيث جاءت القوانين منسجمة ومكملة لبعضها في هذا المجال. أن علنية جلسات المحاكمة من القواعد العامة في المحاكم والتي نصت عليها المادة 152 من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي مالم تقرر المحكمة سرية الجلسة كلها او بعضها لأسباب منها مراعاة للامن او المحافظة على الاداب العامة أو المحافظة على أمن المحكمة أو أن نشر المعلومات يضر بالأمن الوطني للعراق أو أن العلنية تضر بالعدالة أو المحافظة على خصوصية الأشخاص كما في حالات الأعتداء الجنسي. كما ان للمحكمة الجنائية العليا أن تستبعد أي شخص من المحاكمة لغرض حماية حقوق المتهم في المحاكمة العادلة والعلنية ولايجوز أبعاد المتهم عن الجلسات، الا أذا وقع منه ما يخل بنظام المحكمة، وعلى المحكمة أن تحيطه علما بما تم بغيابه من الأجراءات. بالأضافة لما وفره القانون للمتهم من حق الطعن بالقرارات الصادرة من قضاة التحقيق أمام الهيئة التمييزية، أو في ضد قرارات الحكم الصادرة من المحكمة الجنايئة أذا أعتقد المدان أن خطأ حصل في الأجراءات أو أن قرار الحكم جاء مخالفاً للقانون أو مجحفاً بحقه أو شابه خطأ في التفسير أو خطأ في الوقائع يؤدي الى الأخلال بالعدالة، كما ان على المحكمة ان ترسل الدعوى الخاصة بالمدان الى الهيئة التمييزية اذا كان الحكم الوجاهي بالاعدام او السجن المؤبد خلال عشرة ايام من تاريخ صدور قرار الحكم للنظر فيه تمييزا ولو لم يقدم طعنا فيه من قبل المدان او وكيله، وفي كل الاحوال فان للمدان او وكيله الحق في الطعن تمييزا بقرار المحكمة الجنائية امام الهيئة التمييزية خلال 30 يوما تبدا من اليوم التالي لصدور قرار الحكم تبدا من اليوم التالي للنطق به اذا كان وجاهيا او من تاريخ اعتباره بمنزلة الحكم الوجاهي ان كان غيابيا. أن قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا أورد نصوص وردت في الأتفاقيات الدولية التي صادق عليها العراق منها الخاصة بمنع جريمة الأبادة الجماعية المعاقب عليها والمؤرخة في 9 كانون الأول – ديسمبر – 1948 المصادق عليها بتاريخ 20 كانون الثاني 1959 وأتفاقية جنيف في 12 آب 1949، الا أن القانون وضع المتهم امام القانون الوطني العراقي المتمثل بقانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 ونصوص قانون العقوبات البغدادي لسنة 1919 وقانون العقوبات العسكري رقم 13 لسنة 1940 وأصول المحاكمات العسكرية رقم 44 لسنة 1941، تشكل ضمانة أكيدة للتطبيق السليم على ألأفعال التي احيل المتهم بموجبها على المحكمة الجنائية العراقية لمحاكمته، وتشكل نصوص القانون تأكيداً على الألتزام بحقوق الأنسان التي أوردها البيان العالمي أو التي ذكرتها العهود والمواثيق الدولية والتي أكد عليها القانون الأنساني الدولي وما أوردته المحاكم الجنائية الدولية من ضمانات للمتهمين الذين تتم أحالتهم على القضاء لمحاكمتهم عن الجرائم التي اتهموا بأرتكابها. أن المحكمة الجنائية العراقية العليا تتمتع بالأستقلالية التامة وهذه الأستقلالية تمنحها حرية القرار ونزاهة الحكم، بالأضافة الى توسيع قاعدة هيئات الحكم التي دأبت محاكم الجنايات أن يكون تشكيلها من ثلاثة قضاة، بينما تكون في المحكمة الجنائية من خمسة قضاة، وتكون في الهيئة التمييزية من تسعة قضاة. ومنح القانون لقضاة التحقيق الأستقلالية التامة بأعتباره جهازاً منفصلاً حتى عن المحكمة ذاتها ولايخضع جهاز التحقيق أو يستجيب لأية طلبات أو أوامر صادرة من أية جهة من الجهات الحكومية، كما أشارت النصوص ايضاً على أستقلالية هيئة الأدعاء العام، كمانصت الفقرة ثانيا من المادة 31 على وجوب تعامل المحكمة مع المتهم المعاملة الضرورية لضمان أدائها لوظائفها بما فيها الأشخاص الاخرين. أن ضمانات المتهم التي كفلها قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا وما سارت عليه آلية عمل المحاكم الجنائية في العراق استرشاداً بنصوص قانون أصول المحاكمات الجزائية ضمن النظام القضائي العراقي يمنح المتهم ضمانات أكثر واكبر من تلك التي تضمنتها الأنظمة الأخرى، كما أن هذه الضمانات جميعها تقع ضمن دائرة حقوق الأنسان والأقرار بكرامته وأنسانيته مهما كانت الجريمة المتهم بها، كما وضعت تلك الالية الأعتبارات الأنسانية الدولية في أظهار المستوى الأكيد للعدالة العراقية في أعتماد سلطات التحقيق على الوسائل والطرق القانونية التي نص عليها القانون ضمن نصوص وجوبية اشارت الى عدم جواز تحليف المتهم اليمين وعدم اجباره على الشهادة وعدم استعمال اية وسيلة غير مشروعة للتأثير على المتهم للحصول على اقراره سواء منها اساءة المعاملة او التهديد بالايذاء والاغراء والوعد والوعيد والتاثير النفسي واستعمال المخدرات والمسكرات والعقاقير في التحقيق حيث اعتبرت المادة 218 من قانون اصول المحاكمات الجزائية ان الاقرار الصادر تحت الاكراه المادي او الادبي او الوعد او الوعيد باطلا. وبهذا الأمر نستطيع أن نخلص الى أن النصوص التي أوردها قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا يحتوي من الضمانات الأكيدة للمتهم ما يمكن أن يكون أكثر مما تضمنته محاكم جنايات أخرى في بلدان عديدة عالجت قضية محاكمة متهمين بقضايا جرائم الحرب والأنتهاكات المريرة لحقوق الأنسان وجريمة الأبادة الجماعية، بالأضافة الى ضمانة أخرى في كون جميع قضاة التحقيق والهيئة التمييزية وأعضاء المحكمة الجنائية العراقية العليا هم من القضاة العراقيين ممن تحلوا بالسمو الأخلاقي والنزاهة والأستقامة بالأضافة الى توفر الخبرة القضائية في القانون الجنائي وشروط التعيين التي نص عليها قانون التنظيم القضائي العراقي رقم 160 لسنة 1979 وقانون الأدعاء العام رقم 159 لسنة 1979.
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |