|
الناخب العراقي وخياره المفقود !؟
طلال شاكر / كاتب وسياسي عراقي يوم الخامس عشر من ديسمبر(كانون الاول) بلا ادنى شك سيكون واحداً من التواريخ المهمة والحاسمة في تاريخ العراق والعراقيين بل واحداً من اهم المنعطفات النوعية في العملية السياسية الجارية في بلادنا كتاريخ فاصل لاول ممارسة انتخابية فاصلة يتواجه فيها اصطفاف اجتماعي وسياسي عراقي كبير متعارض ومتخندق تستحثه روح الاستفزاز والتوثب والتحدي انه نوع من انواع تقرير المصير السياسي بالمعنى الملموس لهذا التوصيف وهو يفوق باهميتة التصويت على الدستور وانتخابات 30 كانون الثاني. في هذا الاصطفاف المأزوم بمكوناته السياسية والطائفية والاثنية المتنافسة سيدور الصراع بين كتله اللاهثة نحو الظفر بأكبر نسبة انتخابية ممكنة، وستكون النزاهة الانتخابية اخر من يفكربها المتنافسون الكباررغم ان هذه العملية الانتخابية ستخضع لمعايير واليات مراقبة وضوابط انتخابية تشرف عليها الهيئة العليا للأنتخابات وبأشراف مراقبين دوليين.ان هذه العملية الكبيرة توجزتاريخاً جديداً لاول ممارسة سياسية لانظير لها منذ نشوء الدولة العراقية 1921 لشعب توالت على حكمه نظم مستبدة سلبته ابسط حقوقه وخياراته. بيد ان الواقع الجديد لم يمحي عناوين الاغتراب والاستلاب التي احا طت بأرادة العراقيين واستغرقتهم طويلاً ومازالت كأرث وثقافة وسلوك تعشعش في ثنايا المجتمع العراقي. لكن مسارات هذه الانتخابات ومحطاتها الاخيرة ستهيئ حتماً فرصاً غير متساوية بمعطياتها لكل العراقيين وهي على الارجح ستمنح بعض مكونات الشعب العراقي كالاكراد مثلاً فضاءات حرة لتحديد خياراتهم وموقفهم اكثر من غيرهم رغم استحكامات الموقف القومي وهذا من مفارقات المشهد العراقي المتشابك. من هذا الباب وامتداداته ستكون الحصيلة السياسية لهذه الانتخابات ونتائجها هي التي ستقررالى حد بعيد ملامح الصورة المقبلة للعراق كيف ستكون الوانها وفي اي اطار ستوضع من هي القوى التي ستحكمه لأربع سنوات قادمة ماهو مضمون الحكم كيف سيكون الثقل الطائفي والاثني واللبيرالي! من هذا المنطلق ستكون نتائج هذه الانتخابات المقبلة بالتأكيد حقائق مرجحة وملموسة، تختزل بها كل الادعاءات المملة والسقيمة عن اغلبية مغبونة واخرى مهمشة وسنعرف الموازين الجديدة لمختلف القوى العراقية المتنافرة على حقيقتها وبالتأكيد ستتغير تلك المعادلة القائمة على توافق كتلتين دون اي منافسة محسوسة كما تجسدت في الجمعية الوطنية الحالية وهذا مؤشر نوعي كبيرلنتائج هذه الانتخابات المقبلة؟ لن اخوض في برامج وماهيات القوى السياسية ووزنها وبخاصة تلك القوى المحورية منها التي ستخوض هذه الانتخابات المصيرية فهذا مفصل اخر. من زاوية ثانية ستشهد هذه الممارسة الديمقراطية الواسعة تنافس محموم لقوى غيرعراقية وستكون جزءأً من التنافس الآنتخابي العراقي في تجلياته ومنافساته واحتداماته فالناخب الكوني وألاقليمي والعربي سيدلو ايضاً بصوته ضمن مختلف القوائم في صناديق الاقتراع العراقية دون ان يبرز الهوية العراقية! وبالطبع لن تعترض المفوضية العليا للانتخابات على ذلك ؟ وقد يعتبر القارئ الكريم ان في الامر مزحة لكنني اطمئنه بان هذا العرض هوجزء من دراما المشهد العراقي وعلينا القبول بتواتره. من هذا المنحى سيتخطى تاريخ15-12- 2005 محليته العراقية وسيأخذ مدى عالمي بكل جدارة لم لا والساحة العراقية تلعب في هذه الظروف المحتدمة دوراً مركزياً في السياسة العالمية وليس في الامر اي مبالغة فاذا ارتفعت حمى المريض العراقي وتدهورت حا لته السياسية فالعالم معني بمعالجته وبتخفيض حرارته والا اصابته الانفلونزا العراقية القاتلة، وبالتالي فأن ماستفرزه نتائج انتخابات هذا اليوم الاستثنائي سيتوقف على نجاحها ومعطياتها والى حد حاسم مصير العلاقات الخارجية المركبة للعراق بتعقيداتها واشكالياتها والخارقةوالكيفية التي ستتعامل بها السياسة العراقية الجديدة في ظل شرعيتها المقبولة، كرؤية وخطاب وممارسة بين العراق ومحيطه الاقليمي ايران تركيا وعلاقاته العربية الكويت السعودية وارتباطاته العالمية وبخاصة تلك العلاقة الاسثنائية والخاصة جداً بينه وبين امريكا بكل ابعادها وتأثيراتها ، وحينها سيكون مصيرمشروع ديمقراطية الشرق الاوسط الكبير وواقعيته على المحك وستحدد الكلفة المطلوبة والمتبقية لتسديد تكاليف هذا المشروع الباهض الثمن مالاً ودماً؟كل ذلك واللاعب الاساسي المفترض اي الناخب العراقي سيكون اخرمن يقررمسارهذه العمليةالمصيرية رغم انه نظريا وعملياً المرتكزالذي تقف على ثباته وتوازنه ثقل هذه العملية المفترض نجاحها كل في الاحوال. في هذاالمسارالديمقراطي الحاسم ستضيع فرصة الاختيار الحر للمواطن العراقي المستلب الارادة والثقة والذي سيكون صوته مبايعة في ظل ذلك الصراع المريربين قوى سياسية مختلفة تستظل بخيمة الطائفة والعرق دون عمق الوطن في تنازع عبثي حول السلطة والنفوذ والبقاء في اقسى مواجهة دمويةاستغل تشابكهااحط ارهاب عرفته بلادنا في نزوع شريرنحو اشاعة الموت والدمار في كل زاوية ومنعطف،في هذا الظرف سخر البعض من هذه القوى المتناحرة ضغط هذا الارهاب ودمويته على العملية السياسية بشكل مباشر أوغير مباشرمن اجل فرض وتسويق مشاريع مريبة تستبطن في كل مفصل من بنود برنامجها الانتخابي دعوات لخلق استقطاب طائفي مكثف يضمن لها مشاركة مؤثرة في السلطة القادمة لتكريس جغرافية طائفية معترف بها. في خضم هذا الاحتدام المرير ظل المواطن العراقي بطبيعة الحال موزعاً كمحاصصة انتخابية بين قوى متنافرة ومتصارعة وهو ضائع حتى ضمن القوى المنتمي اليها طائفياً اواثنيا فالرعب والتصورات القلقة والحيرة استحوذت على ارادته ووعيه الذي تحكمت فيه اما فتوى مجتهد اوتهديد داخلي مؤطراً بضغط الجغرافية واستبداد مدنها الغابرة اوغريزة النزوع الجمعي للمواطنين كحسابات بقاء او مصلحة اومسايرة لهيمنة قوى سياسية سائدة في هذه المدينة اوتلك. في هذا المسار الديمقراطي المفترض والمعقد تضيع مقاييس معاصرةعن مفهوم الديمقراطيةالتي نعرفه فالتلازم بين الحرية واليمقراطية في المشهدالعراقي كأساس ومضمون للعملية الديمقراطية يعاني من الخلل والالتباس والضياع في بيئة سياسية فاسدة لم ينضج فيها مفهوم الديمقراطية كتجسيد، في وعي وممارسات اطرافها في ظل هاجس الخوف والريبة من الاخر المتربص للانقضاض عندما تتوفر الفرصة المؤاتية.والفرد العراقي جزء من اليات هذا التكوين البدائي الجامح. في هذا السياق يبقى الفرد العراقي كناخب حر غير جاهز لممارسة دوره الحقيقي بعد في بناء نظام ديمقراطي يختاره ويقرر اتجاهه في اتون هذا التنافس المحموم. في العهود السابقة كان العراقي وصوته مجرد رقم لاوزن له ولاقيمة بل كان مستلب الارادة بلا رأي ولااختيار يتلاعبون به وبمصيره لصنع مؤسسات وهمية برلمان مجلس وطني الخ سمحوا له فقط ان يكون ممثلاً رئيسياً في مسرحيات خرقاء مككرة اسمها انتخابات 99% لوضع رئيس يحكمه مدى الحياة. في اجواء الحرية والانفتاح والتعدية التي تعصف بالعراق حالياً تبدو خيارات المواطن العراقي في هذا المشهد نظرياً على الاقل مفتوحة في تحديد موقفه من اي قائمة يريد انتخابها وهذا اختلاف جذري حاسم عن تلك الممارسات السالفة التي اقصت خيارات المواطن العراقي الى منافي التهميش والاستلاب. غير ان الذي تحقق بعد التاسع من نيسان 2003 من تغييرات جذرية سياسية اوجد استحقاقات لهذا العصف الديمقراطي الكبير من نوع اخر كشروط واليات مستحدثة للتحكم بارادة الناخبين بطريقة مخاتلة ومموهة وقسرية في ظل استقطاب طائفي واثني محتدم ومرير حشر ارادة العراقيين في دائرة الحيرة والقلق والخوف التي ستصنع خياره الممكن وليس الحر. في هذه الحالة وتداعياتها بالطبع لااستثني وجود ارادات حرة لمواطنين احرار يمتلكون خيارات سياسية طليقة لتحديد موقفهم من مختلف القوائم المتصارعة ، لكن حتى في هذه الحالة توجد استثناءات غير قليلة لاصوات تنهض على قاعدة اهون الشرين في اختياراتها القلقة. ان العملية الديمقراطية في الحالة العراقية هي عملية طويلة ومعقدة وتحتاج الى زمن وتنمية وثقافة وبناء ثقة وتوفر ضمانات في كل مفصل من مفاصل الوجود الاجتماعي الحي للعراقيين كشعب يعيش في وطن واحد، وبالتالي فأن الوصول الى ضفة الامان الوطني في تجلياته وتجسيداته المفتوحة نحو الالتحام بالوطن كأنتماء حر وبهوية وطنية عراقية من خلال انتخابات حرة ونزيهة سيبقى خياراً مشرفاً وملاذاً امناً لكل الوطنيين العراقيين بعيداُ عن اي وصاية شاذة تكبل ارادتهم ووعيهم رغم مناله الصعب، حينئذ سيصبح التصويت للمشروع الوطني اكثر واقعية وسيتجلى كخيارنبيل لعراقيين احرار، وقطعاً ستعجزاملاءات المحاصصة الطائفية والاثنية المقيتة ان تستبقيه رهينا ًلمفاهيمها المتعصبة الضيقةعلى حساب مشروع وطني ديمقراطي حقيقي، والذي من خلاله سيتلمس الوطنيون معالم الطريق الصحيح نحو بناء عراق جديد وهو ما سيتحقق في النهاية. وفي الختام اقول مهما كانت الموازين والتقديرات المختلفة يبقى صوت ذلك العراقي المغلوب على امره هو الذي سيصنع الغد المشرق في زمن مناسب وظرف افضل، وبأسف اشير أن صوته الغائب الحاضر في هذه الانتخابات المنتظرة يشكل مفارقة مثيرة ومدوية ومؤلمة وهي كيف يصنع هذا الناخب العراقي مشروعه الديمقراطي الكبير المنتظر!؟ وهو مسلوب الارادة ولايملك حرية اختياراته!!!
|
||||
© حقوق الطبع و النشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |