|
بغداديات.. عبايتك من قبل بعثة محمّد
بتوقيع: بهلول الكظماوي بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً لا يقدرون على شيئ مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين. صدق الله العلي العظيم...سورة البقرة، آية 264
البغدادية: على رأس أحد ازقّة بغداد القديمة كان يجلس (مكدّي) متسوّل عجوز يستعطي الناس الصدقة. و كان أحد الأغنياء البخلاء يسكن ذلك الزقاق الذي يجلس على رأسه ذلك (المكدّي) المتسوّل فكان الغني يصبّح على المتسوّل كل صباح وهو في طريقه فيعطيه بضع قروش حقيرة مقابل الطلب بالدعاء الكثير له. حل أحد فصول الشتاء القارص البرد والمتسوّل على جلسته المعتادة يرتجف من البرد ليمرّ من إمامه ذلك الغني ويعطيه المقسوم فيسأله (المكدّي) فيما إذا كان للغني أن يعطيه مما عتق وخلق من ملابسه الشتائية ليتّقي بها زمهرير الشتاء القارس. وعده الغني بأن لديه عباءة سميكة سيجلبها له حين يعود إليه. و مرّت الأيام والليالي ولم يف الغني بوعده وانتهى الشتاء ليحل الربيع ثم الصيف ليتبعه الخريف وليأتي شتاء آخر... وآخر. وبعد مطالبات ومطالبات إلى أن أتى الغني (البخيل) بهذه العباءة الموعودة فيلبسها (المكدّي) المتسوّل. فكان كلما مرّ البخيل على المتسوّل يوصيه بان (يدير باله على العباءة) لأنها من النوع الثقيل الراقي. و كانت حقيقة العباءة إنها مهترئة وممزّقة في اكثر من مكان، فكان المكدّي كلما لف نفسه بطرف من أطرافها يكتشف بالهواء قادماً من (شبابيكها) ثقوبها المتعدّدة حيث لا يكاد يخلوا مكان منها من القروض والثقوب والتمزّق. فكان من شدّة انزعاج المكدي منها أن كتب عليها كلمة (لا اله الاّ الله)، وحينما مرّ به البخيل فوجد عبارة (لا اله الاّالله) قد كتبت على العباءة قال للمكدّي: ألا كان من الأجدر بٍك أن تضيف عليها عبارة (محمد رسوا الله)، حينها خرج المكدّي عن طوره ليجيبه قائلاً له: (ولك يا أخي هذي عبايتك قديمة.... من قبل أن يبعث الله محمد بالرسالة) ! و ألان عزيزي القارئ الكريم: دعونا قليلاً نترك محاكمة الطاغية صدام وحزبه الماسوني واسياده الانكلو امريكان. فسواءً حكمنا صدام وحزبه وجثم على صدرنا المحتلون الانكلو/امريكان ليربكوا قراراتنا الوطنية، فكلاهما لا يسقطان عنّا فريضة الصلاة والصيام وباقي الفروض الواجبة ومنها المسارعة بالاحسان وانقاذ الملهوفين. مشكلتنا اليوم الاجتماعية والأخلاقية هي من أحد أسباب انحباس النصر وتأخّر الأعمار، واقصد به أعمار الإنسان قبل اعمار الوطن. (لا يغيّر الله ما بقوم حتّى يغيروا ما بأنفسهم) فسيد قريش وراعي الحرم (عبد المطّلب) حينما قدم ابرهه الاشرم الحبشي بجيوشه الجرارة وفيلته الضخام لهدم الكعبة المشرّفة، صعد سيدنا عبد المطلب الى الجبل يناجي ربّه، ربّ البيت طالباً ابله التي اغتصبها جيش الاحتلال الحبشي مردّداً مقولته الشهيرة: انا ربّ الابل وللبيت ربّ يحميه. إذ كان واثقاً بأنّ الله لا يتخلّى عن بيته وعن اهل مكة. و نحن كذلك على يقين بأن للعراق رب يحميه، فدماء شهدائنا لها (حوبه) كرامة عند الله، ومقابر اهلنا الجماعية لها (حوبة) كرامة عند الله واستشهاد علماء ديننا من السنة والشيعة لها كرامة عند الله (حوبة)، واحبتنا الذين صعدوا اعواد المشانق الصدامية وتلقوا بصدورهم رصاص الغدر الدكتاتوري لهم كرامتهم وثقلهم (حوبتهم) عند الله كبيرة وعظيمة ودماء ابنائنا العمال الكادين على عيالهم والذين تربّص لهم القتلة الارهابيون لهم حوبه. و لكن أليس كرامة الإنسان العراقي التي تهدر اليوم عن قصد وغير قصد لها حوبة. أنا لا أتكلم عن البطاقة التموينية، ولا عن الماء والكهرباء والهاتف وشبكات التصريف الصحي للمياه الثقيلة والشوارع الغير معبدة ومشكلة السكن ومشكلة البطالة، فهذه كلها يمكن ان تبرّر ولها اعذارها وتحتاج الى فترات زمنية وجهود لاعادة اعمارها، بل أنا أتكلم عن كرامات تهدر وتداس بدون ان ينبس احد ببنت شفة تجاهها. أنا لا أتكلم عن كرامات تداس وتنتهك بالسر وتشاع على السنة العامّة من الناس ويطبّل لها بالاعلام المحصور محليّاً، بل أتكلم عن فضائيات تبث عبر الفضاء الكوني المفتوح على العالم الفسيح، ولاضرب مثلاً على سبيل المثال لا الحصر ببرنامج: كرسته وعمل وبرنامج فطوركم علينه وفاعل خير وبطاقة تموينية وبرامج جمع التبرعات لشهداء جسر الائمّة.... الخ. بالطبع مع فائق احترامي وتقديري لاصحاب هذه البرامج ومساعيهم الخيرة التي وان صدرت منها الإساءة الغير مقصودة والتي احملها على محمل حسن, امتثالاً لقول رسول الله: احمل أخاك المؤمن على سبعين محمل حسن. أجد إن من واجبي أن أبين بأنّ هؤلاء المتضرّرين والمنكوبين الذين تمدّون إليهم يد المساعدة مشكورين يا سادة يا محسنين يا كرام، هؤلاء هم كرام النفوس واباة للضيم، فنرجوكم لا تجرحوا شعور أبناء شعب أرضهم عائمة على بحار من كنوز البترول المطموع فيه من كل وحوش الأرض، يضاف لكنوز بتروله هذه ثروات طبيعية لم تسلّط عليها الأضواء بعد. وان الضروف التي يمر بها شعبنا هذا لهي ضروف طارئة ستزول قريباً بأذن الله، ولكن ستبقى الكرامة المهدورة والكبرياء المجروحة في ذاكرة صاحبها تلاحق من تسبّب بها. و خصوصاً إننا نعلم جيداً أن الكثير من المكرمات التي تقدم إلى شعبنا بهذه الصورة هي مدفوعة الثمن ولم تصدر من جيوب موزّعيها. و قد قال سيد البلغاء الأمام علي (ع) في التوزيع: (إذا كان المال مالي لوزّعته عليهم بالتساوي، فكيف والمال مالهم) عزيزي القاري الكريم: عملية الرياء والتظاهر بعمل الخير عملية قديمة، اقدم من قصتنا البغدادية عن عباءة البخيل التي قدّمها الى (المكدّي) المتسوّل والتي قال عنها انها اقدم من بعثة الرسول محمد (ص)، وانا وانتم تعلمون ان زوالها وبقاءها (الرياء والاتجار به) مسألة نسبيّة. فهي إن شاعت (مشكلة الرياء والاتجار به) إن شاعت بالعقل والفكر الجمعي لاصبحت كارثة تقطع سبيل المعروف، وان هي حوربت في العقل والتفكير الجمعي لشاعت روح المحبّة والتعاون والتآزر، ولما جرح شعور المستضعف وما هدرت كرامة المواطن المتعفّف. فالى فعل الخير والمسارعة بالاحسان بالسر والاخفات رأفتاً بكرامة اهلنا واعزّنا والى مثل ذلك فليعمل العاملون. و دمتم لأخيكم
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |